الناشطات السوريّات: بين مكافحة العنف ومواجهته
تحمل الناشطات السوريّات عبء مواجهة العنف ومكافحته، وعلى الرغم من خطورة العنف القائم على النوع الاجتماعي فإنّ العنف الموجّه ضدّهنّ أشدّ خطراً، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بالقضايا الحقوقيّة وقضايا النساء. إذ تصرُّ السلطة الذكورية الأبوية على إقصائهنّ وإبقائهنّ على هامش الحياة.
تسعى الناشطات السوريّات في الحيّز العامّ إلى التغيير والعدالة، تدفعهنّ تجاربهنّ وتجارب النساء اللاتي تعرضنَ لمختلف أشكال العنف للتمسّك بحقوقهنّ والإصرار على أن تكون لهنّ أدوارهنّ الفعّالة في الحيّز العامّ، في ظلّ غياب قوانين حماية فعّالة توفّر لهنّ الأمان لممارسة حقوقهنّ دون خوف أو تهديد من السلطة الذكوريّة الأبوية التي تراهُنّ متمرّدات عليها. وفي هذا الصراع الذي تخوضه النساء يكشّر العنف عن أنيابه ليلجم أيّ محاولة منهنّ لإثبات وجودهنّ أو مشاركتهنّ، مستخدماً أساليبه المباشرة وغير المباشرة كالتحقير العلني والتشهير واتهامهنّ بالتجاوز الأخلاقي، وقد يصل العنف إلى حدّ الاعتقالات وتلفيق التهم القانونية أو القتل، وربّما تجاوز العنف إلى أسرهنّ وأطفالهنّ لإجبارهن ّعلى التراجع والانكفاء عن ممارسة الأدوار العامّة.
تتحدّى الناشطات كلّ ذلك بقوّة على يقين منهنّ بأنّ التخلّي عن استقلاليتّهنّ هو تنازل عن حقّ من حقوقهنّ التي تنتهكها المجتمعات المحليّة دون رقيب أو حسيب، وفي ظلّ عدم وجود قوانين فعليّة تضمن لهنّ ممارسة حقوقهنّ دون التعرّض لأيّ انتهاك، تكون المواجهة هي خيارهنّ الوحيد للتصدّي والوقوف في وجه العنف بأشكاله المتعدّدة، الجسدي والنفسي إلى الاجتماعي والقانوني. سواء على مستوى الحياة اليوميّة أو الذي يواجهنه في الحيّز العام، وحتى المؤسسات التي تتغنّى بتبنّيها لسياسيات حماية النساء؛ تحكمها العقلية الذكورية التي تدعم تحجيم دورها وتهميشه، فيواجهنَ في أحسن الأحوال تمييزًا مبطّناً يمنعهنّ من التقدّم أو التطوّر، هذا إن لم يكن التحرّش المباشر وغير المباشر حاضراً في كلّ الأحوال، وبمجرّد وقوفهنّ ضدّ هذه الممارسات العُنفيّة تكون حجج إيقافهنّ عن العمل في تلك المؤسسات قد كُتبت مسبقًا كما كُتبت سياسات حمايتهن!
أما على مستوى المشاركة السياسية، فتصبح وتيرة العنف أشدّ وطأة نظراً لكون العمل السياسي يمثّل ذروة السلطة الذكوريّة الأبويّة ودخول الناشطات هذا المجال يعني تحدّياً واضحاً وصريحاً منهن بقدرتهن على التواجد والدخول حتى في المجالات المحظورة من وجهة النظر المجتمعيّة التقليديّة، ولا شك بأنّ السنوات العشر الماضية قد فتحت آفاقاً واسعة للنساء ليدخلنَ الحياة السياسية على علمهنّ بما يعترضهنّ من تهميش وإقصاء في الأوساط السياسيّة أو المجتمعيّة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى أدوات للتشهير والوصم، حتى أصبحت كلمة ناشطة في معجم الألفاظ الذكوريّة تحمل دلالات السخرية والاستهزاء و الانحلال الأخلاقي، كشكل من أشكال العنف اللفظيّة المبطّنة، وبالرغم من ذلك فقد استطاعت النساء إثبات قوّتهنّ وأنفسهنّ كقياديّات وسياسيّات رغم كلّ المحاولات الجدّية في تغييبهنّ وقضاياهنّ بحزم وعنف.
إنّ الحماية القانونيّة للناشطات وقضاياهنّ حقّ لهنّ وجزء أساسيّ من تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع، ويجب أن تكون أولويّة لكلّ من يسعى لتحقيق تغيير إيجابي، وعلى الرغم من أنّ منظمات المجتمع المدني والحركات النسويّة لعبت دوراً حيويّاً في دعم الناشطات وتمكينهنّ، والضغط على المستوى المحلي والدولي لحمايتهنّ، إلّا أنّ ّنضال الناشطات بحدّ ذاته كان القوّة التي فرضت نفسها كقضيّة دفاع عن حقوق جميع النساء ضدّ العنف والممارسات التمييزيّة، هذه القوّة ستجعل جميع حقوقهنّ حقيقة ملموسة ومعيشة، فالحقوق لا تُستجدى ولا تُمنح بل تُنتزع انتزاعاً.
هناء الحضر
شبكة المرأة السورية