Search
Close this search box.

لماذا يعتبر العنف القائم على الجنس مشكلة؟

لماذا يعتبر العنف القائم على الجنس مشكلة؟

ترجمة وإعداد: عطاف عباسي
يعتبر العنف القائم على النوع الاجتماعي قضية معقدة تحمل مجموعة إشكالية من المفاهيم والمصطلحات. لذلك نجد أنه من المهم اكتساب فهماً أساسياً لهذه المصطلحات لنتمكن من إجراء التقييمات وتقديم الخدمات وتصميم البرامج والتنسيق مع الآخرين لمنع العنف الاجتماعي القائم على النوع.
العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) مصطلح شامل يشير إلى الفوارق الاجتماعية المكتسبة بين الذكور والإناث. إن هذه الفوارق متجذرة بعمق ولها تنوعات كبيرة سواء داخل الثقافات أو فيما بينها. كما يشير إلى كل فعل مؤذ يُرتكب ضد إرادة شخص ما بسبب جنسه البيولوجي أو هويته الجنسية. ويُعدّ اعتداءً متواصلا على الكرامة الإنسانية، وانتهاكاً لحقوق الإنسان الأساسية والعالمية. إن التحرر من العنف هو حق أساسي من حقوق الإنسان، فالعنف القائم على النوع الاجتماعي يُقوّض إحساس الشخص بقيمته الذاتية واحترامه لذاته، ويقف حائلا دون مشاركة الأفراد الكاملة والفعالة في المجتمع بشكل عام والنساء بشكل خاص. لا تقتصر آثار العنف السلبية على الصحة البدنية فحسب، بل وتؤثر أيضا على الصحة العقلية مما يؤدي إلى أكثر الآثار ضررا؛ العزلة والاكتئاب و الوفاة بسبب الإصابة أو الانتحار أو القتل. وبذلك يهدد العنف القائم على النوع الاجتماعي السلامة الجسدية والنفسية للأفراد.
من حقوق الفرد في المجتمع الحياة والأمن الشخصي والأمان والحماية المتساوية أمام القانون وعدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأي انتهاك لهذه الحقوق يؤدي إلى ضعف الأداء في الأسرة والمجتمع، وعائقا أمام تحقيق الذات والتنمية الذاتية.
ولا تخلو أي ثقافة من العنف والتمييز المتجذر بعمق في التفكير النمطي المؤذي المتحيز ضد الإناث والأشخاص الذين لا يتناسبون مع مجتمع تقليدي ثنائي النوع أو مجتمع معياري مغاير، حيث يتم إقصاؤهم وتهميشهم اجتماعيا واقتصاديا. وينتقد البعض المساواة بين الجنسين باعتبارها فكرة لا تتوافق مع الثقافات التقليدية أو المحافِظة أو تحت ما يسمى بالـ “النسبية الثقافية”. كما يقوم العنف القائم على النوع الاجتماعي بوظيفة الإصلاح في حالة المثليين ومزدوجي الميول الجنسي والمتحولين جنسيا وثنائي الجنس ومناصريهم الذين يتعرضون لمستويات اعلى من التمييز حيث تعتبرهم المجتمعات البشرية خارجين عن الطبيعة وضد الفطرة. وكثيرا ما يساء معاملتهم وتتبرأ منهم أسرهم ومجتمعاتهم أو يتعرضون للعنف الجسدي والمعنوي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي. وكثيرا ما تتجاهل جهود الاستجابة هذه الفئات في سياق المساعدات الإنسانية.
وتعد المساواة بين الجنسين أمرا أساسيا لحماية حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية والحفاظ على سيادة القانون، حيث يؤدي العنف إلى اضطرابات اجتماعية وانهيار الثقة على المستوى المجتمعي، وإساءة استخدام النفوذ والقوة من قبل الذكور. تستلزم المساواة بين الجنسين حقوقا متساوية للأشخاص من الجنسين على حد سواء والعمل من اجل تعزيز بيئة يتم فيها احترام جميع الحقوق دون تمييز وتمكين جميع الأفراد من الوصول إلى الموارد والتوزيع المتساوي لتلك الموارد بين الرجال والنساء وتكافؤ الفرص والمساواة في الرؤية وتحمل المسؤولية والمشاركة في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة.
ويعتمد السلم الاجتماعي للمجتمعات على أمن وأمان الأفراد والمؤسسات، مما يستلزم توفر الحماية من وقوع أي تعد على سلامتهم أو حقوقهم. من المهم فهم العوامل المؤدية لتفشي الإفلات من العقاب، التي يتمثل بعضها في المفاهيم والذهنيات الخاطئة الشائعة، أن ما يحدث في المنزل يجب أن يبقى داخل المنزل أو أن ما يحدث في الأسرة ليس من شأن احد، مما يجعل من إدانة العنف في الأسرة أمرا صعبا في مجتمعات دأبت على التستر على المعنِفين، إن رفض تجريم العنف المنزلي يخفي في عمقه عدم الإقرار بالبنية الذكورية التي تخترق النسق المجتمعي والتي تتسامح مع هذا النوع من العنف بدعوى الحفاظ على التوازن الأسري أو بسبب وصمة العار وعوامل اجتماعية أخرى، الأمر الذي قلل من أهمية القانون الذي يُعتمد في كثير من البلدان وجعله حدثا لا يتجاوز كثيرا حدود الإعلان عنه. وقد تم وضع اتفاقية مناهضة للعنف ضد المرأة أو بما يعرف باتفاقية إسطنبول في 11 أيار/ مايو 2011، الهدف منها وضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم من العقاب حيث وقعت 45 دولة على الاتفاقية، ودخلت حيز التنفيذ في آب/ أغسطس 2014.
لطالما كان الأطفال اكثر من مجرد كائنات بشرية في منزل قائم على العنف الأسري، الذي يؤثر على تطور معتقدات الأطفال الأساسية، التي تشارك بدورها في رسم تصورهم عن انفسهم والعالم من حولهم. يُغيّر العنف طريقة نمو دماغهم وتطوره. وغالبا ما يفتقد الأطفال العلاقات الآمنة. إن العنف الموجه ضد الأم في المنزل يجعل علاقة الأطفال بأمهم علاقة غير طبيعية والى تبنيهم بعض الأفكار المرتبطة بتبرير العنف وخاصة الأطفال الذكور” أنا رجل … فانا المسؤول” والإيمان الدائم بان المرأة أقل شأنا. فالعنف هو جزء من الطبيعة الذكورية حيث يركن الأطفال الذكور والإناث لنموذج أوحد “زوج معنِّف وأم مسكينة” ويمارسون العنف المنزلي كتقليد لسلوك ذويهم وقد يكونوا هم أنفسهم ضحايا لهذا السلوك.
كل هذا من شانه أن ينتج للمجتمع جيلا مهزوزا ومنهكا جسديا ونفسيا واجتماعيا. تبقى تبعات العنف القائم على النوع الاجتماعي على الأطفال، الذين ينشئون في اسر تتعرض فيها المرأة للعنف، حتى بعد مرحلة البلوغ أو الزواج ويمكن أن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة.
المرجع:
https://www.coe.int/en/web/gender-matters/why-is-gender-based-violence-a-problem

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »