إدلب – نهى الحسن
لم تتوقع فاطمة العلي (20 عاماً) من ريف إدلب الجنوبي أن يتركها زوجها ويختفي فجأة بعد مرور أقل من عام ونصف على زواجهما دون أن تعرف عنه شيئاً حتى الآن.
تزوجت فاطمة من مهاجر عراقي بعد أن أجبرها والدها على الزواج منه طمعاً بالمال، ولا تعرف عنه شيئا سوى أنه مجاهد عراقي ويكنّى بأبي طلحة. وبعد زواجهما بعام ونصف انتقل مع تنظيمه إلى مناطق جديدة فجأة، لتبقى هي وطفلها الذي أنجبته بعد غيابه بفترة قصيرة وحيدين مسلوبي الحقوق، على حد تعبيرها.
تصرح العلي بأنها كانت تعاني من بداية هذا الزواج، حيث كان زوجها عصبياً ويغضب لأبسط الأسباب والأمور ويضربها ويوبخها بشكل دائم. كما فرض عليها اللباس الشرعي ومنعها من الخروج من المنزل إلا برفقته. وأكثر مايغضبه هو سؤالها المتكرر عن اسمه الحقيقي وهويته.
تقول فاطمة بغصة: “سأبقى أدفع ثمن قرار والدي الخاطئ طوال عمري، كنت أحلم بحياة أسرية جميلة ككل الفتيات، ولكن هذا لم يحدث لحظي العاثر”.
تساؤلات عديدة تدور في ذهن فاطمة لا تعرف لها جواباً: كيف ستحصل على هوية لولدها، وماذا ستخبره عن أبيه حين يكبر؟ وكيف ستتحمل وحدها مسؤولية تربيته وتحميه من نظرة المجتمع الذي نبذه وأسماه مجهول الأب؟
فاطمة هي واحدة من نساء كثيرات وقعن ضحايا الزواج من مقاتلين أجانب وصلوا إلى مناطق شمال غرب سورية منذ بداية الحرب السورية بهدف المشاركة في القتال، ثم أقدموا على الزواج من السوريات تحت مبررات عديدة، منها الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة وغياب الأمان وضرورة ستر الفتيات وتأمين مستقبلهن، علماً أن الكثير من هذه الزيجات انتهت بالطلاق أو موت الزوج أو اختفائه فجأة دون أن تتمكن الزوجة من الحصول على حقوقها أو إثبات نسب أبنائها.
إذا كانت فاطمة قد أجبرت على مثل هذا الزواج فإن بعضهن وافقن على هذا الزواج بمحض إرادتهن ومنهن ثناء العواد (٣٢عاماً) من مدينة كفرنبل، والتي وافقت على الزواج بـ” أبو حمزة الأوزبكي” بسبب ظروف الفقر والحرب وبقاءها وحيدة بعد فقدانها لأهلها في الحرب الدائرة.
بعد الزواج كانت سعيدة معه نوعاً ما لأنه كان يعاملها بطريقة جيدة ويوفر لها كل ماتحتاجه من مستلزمات، إلا أنها كانت تشعر دائما بنوع من الخوف والحيرة بسبب غموضه، فهي لاتعرف اسمه الحقيقي، الذي تعرفه فقط هو أنه من أوزباكستان. عاشت معه لمدة ثلاثة أعوام ورزقت منه بطفلين، وبعد خروجه للقتال في إحدى المعارك التي دارت بين الجيش الحر وقوات النظام السوري في ريف اللاذقية جاءها خبر مقتله لتبدأ قصة معاناتها وعذابها التي روتها لشبكة المرأة السورية قائلة: “نزحت من مدينتي كفرنبل بعد وفاة زوجي واشتداد القصف عليها من قبل طائرات النظام، وتوجهت إلى مخيمات أطمة على الحدود السورية التركية لأعيش مع طفلي في خيمة قماشية لاتقي حر الصيف و برد الشتاء. وأكبر مشكلة تواجهني في الوقت الراهن هو أن المجتمع السوري يرفض عائلات المقاتلين الأجانب كما أن الكثير من أهالي المخيم يتهمون زوجي بالانتماء إلى تنظيم داعش، فضلاً عن أن طفلي منبوذين وليس لديهما أصدقاء بسبب ملامحهم المختلفة التي تشبه (الآسيويين)، ولا أملك دفتر عائلة أو عقد زواج نظامي كي أستطيع تسجيلهم في النفوس، لذا أشعر بالخوف الشديد من المستقبل الذي أعتقد أنه سيكون قاسيا علينا”.
وتحذر المرشدة النفسية والاجتماعية بثينة أوسو (40 عاماً) من خطورة مثل هذه الزيجات فتقول: “يعرض مثل هذا الزواج المرأة والأطفال لضغوط نفسية وجسدية، وفي حال وفاة الزوج أو تركه لهم، يجعلهم ذلك عرضة للتنمر من المحيطين بهم، خصوصاً الأطفال الذين تكون ملامحهم الخلقية مختلفة عن المجتمعات المحلية التي يعيشون بها، ممايسبب لهم أمراضاً نفسية خطيرة كالتوحد وغيره”.
محمد اليوسف (50 عاماً) من مدينة إدلب يتحدث عن هذه الظاهرة بقوله :”يوجد العديد من حالات الزواج غير الموثقة في المحاكم المدنية، والذي يعتبر زواجاً غير قانونياً لأنه غير مبني على الوضوح حيث لا يتم توثيق اسم الزوج الحقيقي بالاعتماد على بطاقة تعريفية له أو جنسيته أو أوراقه الرسمية، وبالتالي لانستطيع استخراج وثائق رسمية لأبناء المقاتلين الأجانب، ما ينذر أنهم سيواجهون حياة صعبة جداً”.
ودعا اليوسف إلى ضرورة أن يكون هناك قانون في المراحل القادمة لتسجيل هؤلاء الأطفال، كما سُجل اللقطاء سابقاً لإحاطتهم بالرعاية القانونية، لأن وضعهم القانوني المبهم سيحرمهم من حقوقهم في التعليم والنسب والجنسية والعائلة.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”