Search
Close this search box.

المرأة السورية اللاجئة في تركيا بين العدالة والمساواة

اللوحة للفنان "غيلان الصفدي"

المرأة السورية اللاجئة في تركيا بين العدالة والمساواة

ميسون محمد

المرأة السورية اللاجئة في تركيا، حملت معها ثقافتها الاجتماعية والنفسية في لجوئها، أي بقيت ضمن الإطار الفكري والثقافي الذي كان سائداً في بلدها سورية، سواءً كان إطاراً قانونياً أم اجتماعياً، أم اقتصادياً.
المرأة السورية اللاجئة لا يمكنها ببساطة أن تتخلى عن بنية الأسرة ومفاهيمها، ودورها في هذه البنية الاجتماعية، كذلك لا يمكنها المطالبة بتغيير دور الرجل وفقاً لقوانين بلد اللجوء ببساطة، لهذا يبدو إن موضوعتي العدل والمساواة لديها تقع على خلطٍ بين مفاهيم مختلفة.
فإذا قلنا إن المرأة السورية اللاجئة تريد المساواة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية مع الرجل، فهذا يعني بنظر منظمات “النسوية” أن المساواة المطلوبة هي مساواة على مستوى القوانين، وعلى مستوى الشأن العام الوطني. أي النظر إلى الرجل والمرأة على قاعدة إنسانيتهما الندية، وليس على الفروق الجنسية بينهما.
المساواة في هذه الحالة لا يمكن تحقيقها بقرار أو مرسوم أو قانون، فهي تحتاج كي تتحقق إلى ظروف ملائمة لاعتمادها كثقافة وكوعي اجتماعي ضروري، وهذا لا يمكن تغييره بين ليلة وضحاها، لإن المجتمع شكّل هويته الاجتماعية في صيرورتها على قاعدة مفاهيم منها ديني، ومنها من دعت إليه ظروف حاجات المجتمع في حركة تطوره، أو في حركة أزماته العميقة.
لهذا تبدو الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة دعوة مشوشة، فالمساواة هنا، ستكون مساواةً في كل الحقوق والواجبات، وهذا لا يمكن تحقيقه في مجتمعاتنا، التي تعتمد على مرجعية دينية في هذه الأمور، فالقوانين، لا تستطيع إلزام المرأة بتأدية خدمة العلم مثلاً، لإن المرأة لا يمكنها القيام بمهام عسكرية تتعارض مع مفهم المجتمع حول الأنوثة، ودورها الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.
إن المساواة هنا مساواة قد لا تتفق وبنية المرأة السورية اللاجئة في تركيا، لهذا لا يمكنها تحقيق مفهوم هذه المساواة على أرضية مجتمعية متحركة ومتغيرة، وذلك بسبب عدم الاستقرار النهائي في هذه البلاد التي استضافت اللاجئين.
أما العدل، فهو كمفهوم نظري، يعتبر أوسع وأشمل من مفهوم المساواة، العدل بالنسبة للمرأة السورية اللاجئة في تركيا أهم من مفهوم المساواة المشوش والغامض، والذي لا يمكن الوصول إليه، باعتبار إن السوريين هم طارئون اجتماعياً في المجتمع التركي.
المرأة السورية اللاجئة تريد العدل على مستوى حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويكون العدل هنا من خلال حقوق العمل والأجر وممارسة الحياة الاجتماعية والدور السياسي بصورة عامة، فهي تدرك أن مفهوم المساواة يحتاج لتحقيقه إلى حياة اجتماعية مستقرة، وهذا غير متوفر لها في بلد اللجوء.
السوريون عموماً في وجودهم في تركيا بموجب قانون الحماية المؤقتة، يخضعون بما يخصّ أبواب حياتهم اليومية (الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغير ذلك) إلى القوانين التركية، وهذا طبيعي، فهم لا يمكنهم إنشاء أنظمة عمل خاصة بهم، ولا مؤسسات تهتم بشؤونهم خارج المؤسسات التركية، ولهذا ففكرة المساواة هنا لا يمكن تفعيلها لغياب حالة الاستقرار الطبيعي لديهم، وهذا عامل هام بهذا الجانب.
المرأة السورية يهمها تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ينعكس في دورها الوظيفي كزوجة وأم وإنسان، ومع ذلك لا تزال عقلية التمييز على أساس الجنس فاعلة في المدى الزمني المنظور، وبالتالي، يمكن للمرأة المطالبة بتحقيق العدل في الوظائف الاجتماعية والاقتصادية وتربية الأسرة والدور السياسي، ويعني ذلك، منحها ما تقدر على القيام به من دور فاعل في محيطها الاجتماعي.
إن الخلط بين مفهومي المساواة والعدل في مجتمعات اللجوء، يؤدي إلى غياب في فهم ما يمكن للمرأة اللاجئة القيام به، وفق قوانين بلد اللجوء. ولهذا، ينبغي في هذه الحالة توفير العدل في معاملتها، بما يخص إنسانيتها، وبما يخصّ حقها في التعلم والعمل على قدم المساواة مع الرجل، وعدم التمييز في الأجر.
الأفق لا يزال غامضاً حيال وضع النساء السوريات في تركيا على صعيد الاستقرار العام، ولهذا، الأمور في تغيرٍ مستمرٍ، باعتبار أن وضع السوريين لا يزال قيد ظروف الحل السياسي المنتظر، والذي لا يزال يحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية حوله.
اللوحة للفنان “غيلان الصفدي”

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »