كتبت المقال : ياسمين أصلان / مشروع قيادة نسائية لأجل سكن لائق وآمن.. شمال غرب سوريا
مرت ١٢ عامًا على اندلاع الثورة السورية ورافقتها سنوات طويلة من النزوح والتهجير المستمر. حتى اكتظت المخيمات بآلاف الأسر التي هُجّرت قسراً، لتحط رحالها في خيمة قماشية بعد أن تركوا أملاكهم وعقاراتهم وبيوتهم تأكلها نيران الحرب. لينتهي بهم المطاف في مخيمات مترامية الأطراف ممتدة على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، ضمن حلول اعتبرت إسعافية وقتها لاحتواء الأزمة، لكن المأساة فاقت حجم الحلول المطلوبة. فمتطلبات الحياة الآمنة يحتاج الكثير من الدعم والعمل والتنفيذ.
سنوات طوال ثقال مرت بإنتظار تغيير واقع تعيشه الأسر مرغمة، فتلك الخيمة تعد ملجأً آمنًا من عواقب الحرب والخوف. لكن لم يستمر الأمر طويلا لتعقبها كارثة زلزال شباط والتي تعد الأعنف في التاريخ الطبيعي الحديث لسوريا. فأطاحت الكارثة بحلم البحث عن سكن بديل بسبب ما خلفته من دمار هائل في المباني السكنية والبُنى التحتية التي دمرت بسبب غياب المعايير الآمنة للسكن.
“ياريت بقدر اطلع من هاد المخيم” كلمات قالها “أبو يوسف” الرجل الأربعيني المهجر قسراً من جبل الزاوية. يتابع أبو يوسف في حديثه :”أتعبني النزوح والتنقل بحثاً عن الأمان، لم يكن الأمر سهلاً ولا زلت أعاني ولكن من أولوياتنا كآباء أن نحرص على أسرنا ونبحث لهم عن الأمان بعد تهجيرنا من بيوتنا”. انتقل أبو يوسف من قريته في جبل الزاوية باحثًا عن الآمان في “الشيخ بحر”. يتابع حديثه :” أقيم مع عائلتي في تلك المنطقة المكتظة بالأسر لما يقارب ٤ سنوات عانيت فيها صعوبة التأقلم والسكن والنزوح، حالي ليس باليسير لأتمكن من العيش في بيوت الآجار”.
معاناة العيش في خيمة مع توالي فصول السنة وتغير الطقس معاناة متلاحقة لا يقدر عليها ساكني الخيام، والبحث الدائم عن حلول أرهق أجسادهم المتعبة، وخاصة في تردي الأوضاع الاقتصادية وقلة العمل. يصف أبو يوسف حياته وأسرته في التنقل بين المخيمات قائلاً :”كنت أقطن في خيمة واحدة وعدد أفراد أسرتي مايقارب ٨ أشخاص خيمة قماشية كانت حلاً مؤقتاً لكنه استمر سنوات لا تدري حر الصيف ولا برد الشتاء، في الصيف لهيب حارق وزواحف وحشرات ضارة وأوبئة بسبب حفر الصرف الصحي المكشوفة والتي تلوث المياه وانتشار حب اللشمانيا (حبة حلب) وأمراض جلدية أخرى، والنقاط الطبية قليلة وبعيدة بحكم اكتظاظ المخيمات، والحمامات مشتركة لأغلب العائلات وقليلة المياه ولا يوجد بها خصوصية، كنا نستبدل الخيام كل سنة أو فصل ربما تبعا لجودة الخيمة.”
يتابع أبو يوسف شكواه :”المنظمات إن أعطت لنا خيم فكانت النوعية رديئة، نحاول بها تفادي الصيف بالعوازل الداخلية، ربما تخفف جزء بسيط من معاناتنا ولكنه حل مؤقت. ولا يوجد ضوابط سلامة، فالخيمة معرضه للاشتعال بأقل من ٥ دقائق وتسبب كارثة بعدها لكل المحيط بها. بعد معاناة طويلة قامت بعض المنظمات باستبدال الخيمة بكرفانة، ولا أظن أننا انتقلنا للأفضل ولكن كحل مؤقت هو أنسب من الخيمة
نحن دائما نبحث عن الأفضل والأصح ان تكون هناك بدائل مستدامة أفضل من الحلول المؤقتة”.
من جهة أخرى يشرح فادي شباط ، وهو مهجر من جنوب دمشق منذ منتصف ٢٠١٨ ويقيم في أحد مخيمات الشمال السوري، متحدثاً عن معاناة ليست بالخاصة بل يشترك فيها غالبية المخيمات: “يعاني أكثر قاطني المخيمات من عدّة أمور صيفاً وشتاءً أبرزها عجزهم عن استبدال الخيام لأكثر من سنتين، إذ تحتاج الخيمة للاستبدال كل سنة بسبب العوامل الجوية، كما أن قماش الخيام يتحول مع مرور الوقت لبيئة مناسبة لانتشار الحشرات”.
يضيف “شباط” :”تعاني المخيمات من غياب المرافق الصحية الحقيقة، حيث أكثرها تكون سطحية ومُعرضة لأعطال عديدة، كما تفتقد للخصوصية، فغالباً ما تكون الحمامات جماعية وبعيدة عن الخيام. وفي الشتاء تكون المعاناة مضاعفة بسبب دخان المدافئ التي تعمل غالبيتها على القماش المهترئ والنايلون و البلاستيك والكاوتشوك ما يسبب العديد من الأمراض التنفسية، ناهيك عن تشكل الوحل والطين في الطرقات”.
“للأسف لا يوجد حلول مستدامة للخيام بسبب بعدها عن مراكز المدن، الأمر الذي وضع قاطنيها في حلقة واحدة مغلقة تمنعهم من مزاولة الأعمال باختلافهم وتفرض عليهم الاعتماد على المنظمات الإنسانية والمساعدات الخارجية البسيطة الواردة من أقاربهم المهجر”.
“فيما يتعلق بإستبدال الخيام بكتل سكنية مؤقتة، كان الأمر في بدايته مرفوضاً بشكل مطلق منعاً لتحقيق التغيير الديمغرافي، لكن مع تفاقم المعاناة أصبح حلّاً لابد من اللجوء إليه، لكن يجب أن يقترن بإنشاء مشاريع توعوية تدفع الناس إلى عدم نسيانهم لمناطقهم التي هُجروا منها بسبب نظام الأسد وحلفاؤه.
المعاناة كبيرة، وبالبحث المستمر عن حلول نرى أن عقبات تفوق علينا وهناك أمور تفاقم من وضع المخيمات الخطير”.
أجمع ساكني المخيمات أن تراكم النفايات في مخيمات شمالي سورية، أمر خطير للغاية حيث تؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الأمراض. وفي بعض الأحيان، يلجأ المواطنون إلى إحراقها لتتفاقم نسبة الأخطار التي تهدد صحّة الأهالي. كما تُعاني مخيّمات النازحين في الشمال السوري من تردٍّ كبير في الخدمات بشكل عام، وتفتقر إلى التنظيم والإدارة اللازمة والرعاية، بما يبقيها نظيفة وخالية من التلوث والأوساخ. معظم المخيمات الواقعة في كل من ريف إدلب الغربي والشمالي تتراكم في أطرافها وشوارعها النفايات بشكل كبير، ما يهدّد حياة واستقرار النازحين الموجودين في داخلها، ويجعلهم عرضة لانتقال الأمراض بفعل الجراثيم والروائح الكريهة المنبعثة من هذه النفايات.
وما يزيد من تراكم النفايات الأعداد الكبيرة للنازحين في كل تجمع أو مخيم، وعدم وجود أماكن مخصّصة لرمي النفايات، وغياب إدارة تضبط هذه النفايات وتحدّ من انتشارها في أطراف المخيمات وشوارعها، ما يجبر النازحين في معظم الأحيان على حرق أكوام النفايات داخل التجمعات المدنية في المخيم، من دون إدراك لمدى خطورة هذا الأمر على صحة المدنيين، وخصوصاً الأطفال. وينتج عن هذا العديد من الأمراض الصدرية والتنفسية والجلدية، لكنهم يجبرون على رمي النفايات قرب تجمع المدنيين النازحين في المخيمات، بسبب تجاهل الجهات المعنية من جهة، وعدم القدرة المالية لإنشاء مرافق وأماكن خاصة لرمي هذه النفايات.
“الخدمات من الناحية الصحية غير كافية للمخيمات”، قال أحمد الأحمد مدير جمعية الإخاء الخيرية ومشرف تمريض مشفى حارم، حيث أن المخيمات تفتقر إلى الخدمات الصحية والنوعية، بحسب قوله. الأحمد أضاف :”يمكن للمنظمات تحسين وضع النازحين بتحسين الشقق السكنية التي تقوم على بنائها وفق معايير صحية وأسس متينة، بعض المنظمات تسلم للمستفيد خيام وهي غير آمنة ولا تحافظ على كرامة المستفيد ومن الممكن ان تمنح شققا سكنية بمساحة ضيقة لاتناسب عائلة مكون من عدة أشخاص. يجب بناء شققاً سكنية بتجهيزات أفضل ودعم البنية التحتية بشكل صحيح، فقد لاحظنا الكارثة التي حصلت بعد الزلزال بسبب سوء البناء”.