Search
Close this search box.

النسوية في المجتمع السوري … بين المغالاة وإمكانية الواقع إيديولوجياً

النسوية في المجتمع السوري … بين المغالاة وإمكانية الواقع إيديولوجياً

ميسون محمد

يرتكز مفهوم “النسوية” بصورة عامة على مبدأ تحقيق المساواة بين الجنسين (الرجال والنساء) في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والشخصي. هذا المفهوم نشأ نتيجة اعتبار النساء على أنهنّ الجنس الاجتماعي المضطهد.
ولعلّ نشاط الحركات النسوية الحقيقي بدأ بعد عقدين ونيّف من وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، ويرتكز هذا المفهوم على نصر حقوق المرأة في المجتمعات الغربية. أما في المجتمعات العربية الإسلامية مثل سورية، فكان ينشد تحسين واقع المرأة السورية على قاعدة المساواة في التعليم، والملكية، والحقوق القانونية، والاقتصادية، والسياسية.
هذه المساواة ليست مجرد مصطلح عادي، بل هي تعبير عن ضرورة إجراء تغيير في بنية مجتمع لا يزال قائماً على مبدأ أن “قدرة الذكورة الاجتماعية تتفوق على قدرة الأنوثة) في العمل والسياسة والشأن العام، نتيجة الاختلاف في البنية البيولوجية، والتي تجعل المرأة نتيجة الحمل والولادة وتربية أولادها أضعف من الرجل، وأقل كفاءة منه، في تحمّل مسؤوليات الواقع والحياة بجوانبها المختلفة.
إن المساواة بين الجنسين هي ضرورة للمجتمع، ولا يمكن القبول بتمييز جنسي بين الرجل والمرأة على أساس الفروق البيولوجية (ذكورة وأنوثة)، فالفروق البيولوجية هي فروق اكتمال وليس فروق تمييز، فالرجال لا يمكنهم الإنجاب والتكاثر بمفردهم، وكذلك النساء، وبالتالي هناك دور تلعبه الذكورة، ودور تلعب الأنوثة.
إن المساواة الحقيقية بين الجنسين تبدأ من الدستور الوطني، إذ يجب أن تنص موادٌ فيه بصورة غير ملتبسة أو عمومية أو حمّالة أوجه على هذه المساواة، والتي تبدأ بالمساواة السياسية، أي حق الجنسين في الوصول إلى أعلى مراكز صنع القرار في الوطن، وهذا يعني أنه يمكن للمرأة أن تتبوأ منصب رئيس الدولة، أو أي منصب حكومي، أو تشريعي، أو قضائي.
هذه المساواة غير موجودة في المجتمع السوري، والذي لا يزال يضع المرأة بمرتبة سياسية أو اقتصادية أقل من الرجل، وإن تحقيق هذه المساواة يحتاج تغييراً في بنية الدستور السوري، حيث ينبغي أن ينظر هذا الدستور إلى الجنسين بصورة (إنسان)، وليس على تمييز جنسي بينهما (ذكورة وأنوثة).
إن المجتمع السوري بعد انفجار الثورة السورية لم يبق كما كان قبل الثورة، فالاستقرار الاجتماعي كان موجوداً بصورته العامة، وكانت حركة التطور العام بأنساقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تعمل وفق مبدأ التراكم الكمّي، والذي يحتاج إلى زمن تغيير يتعلق بدرجة هذا التطور، وبالتالي هناك سياق محدد لهذه الحركة.
أما بعد تفجّر الثورة السورية فالأمر يختلف كثيراً، إذ إن الثورة خلخلت الاستقرار الاجتماعي العام، وأحلّت بدلاً منه وضعاً اجتماعياً غير مستقر، بسبب غياب التوافق السياسي على بنية الدولة، وطبيعة نظام الحكم، والحقوق العامة للفرد الاجتماعي.
إن إقرار موادٍ في الدستور السوري الجديد، تنصّ على مساواة تامة بين الذكور والإناث، هو ضرورة مجتمعية، ولكن، يجب ألا تبقى هذه المساواة دون تحديدات واضحة صارمة، مثل أن يكون هناك تحديد لنسب شغل المرأة لمناصب صنع القرار في البلاد، أو مساواتها في الأجر وفي إدارة العمل، وكذلك أن يكون هناك تكافؤ فرص حقيقي في الحصول على مستوى تعليمي عالٍ، وأن تتغيّر القوانين التي تشترط موافقة ولي الأمر في الحياة الخاصة والعامة، كذلك حقوق الحضانة ومنح الجنسية لأبناء المرأة من زوج أجنبي.
لقد أحدثت الثورة السورية وعياً مجتمعياً جديداً على صعيد مشاركة المرأة في القضايا العامة، حيث ازدادت نسبة المشاركات في مفاصل الكفاح ضد نظام الاستبداد الأسدي، وفي النقاشات حول مستقبل البلاد، وطبيعة نظام الحكم، وحول الدستور الجديد. لكنّ هذا الوعي المجتمعي لا يزال يخضع لظروف الحياة غير المستقرة، فالصراع في البلاد لا يسمح حتى الآن بتحقيق تقدمٍ ملموس على مستوى حقوق المرأة السورية في جوانبها المختلفة، إذ لا قيمة فعلية لكتابة نصوص حقوق وقوانين بدون استقرار سياسي في البلاد يسمح بممارسة هذه الحقوق.
هذه الحقيقة يجب أن تلاحظها الحركات النسوية السورية في سياق كفاحها، فالأولوية الآن هي للخلاص من نظام الاستبداد، وهذا لا يتعارض بإعداد مشاريع قوانين للمرحلة الآتية.
كذلك، ينبغي أن تدرك الحركات النسوية، أن حقوق المرأة السورية بكل أبوابها، لا يمكن أن تتحقق عبر الشعارات أو الطروحات، التي ترتكز على المغالاة والتطرف الفكري لصالح المساواة دفعة واحدة، بل يجب وضع برنامج استراتيجي بعيد المدى نسبياً للوصول إلى هذه المساواة، بسبب وجود فكر يرتكز على أيديولوجيا دينية مغلقة.
إن معرفة بنى المجتمع بصورة علمية وفق مقياس التطور الاجتماعي، هو من يسمح بطرح قضايا المرأة المتعلقة بمساواتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية مع الرجل، وبالتالي فهناك مراحل لتوطيد الدور السياسي وغير السياسي للمرأة على قاعدة المساواة.
إن المغالاة بطرح أفكار متطرفة لا تتفق ودرجة تطور البنى الاجتماعية، سيشكّل عائقاً أمام تحقيق أهداف الحركة النسوية السورية، وبالتالي ستجد أفكار ومطالب هذه الحركة أنها بدون حامل سياسي واجتماعي كافٍ لتحقيقها.
إن المساواة بين الرجل والمرأة هي مساواة إنسانية في الحقوق والواجبات، وليست مساواة تبنى على التقابل في النوع الاجتماعي، فهذا التقارب يتناقض وإنسانية الرجال والنساء، ويفصل بين عالمهن الواحد، وهذا يحمل خطورة اجتماعية، وبالتالي يجب معرفة قدرة الواقع على تحقيق المساواة بدون ارتدادات ذات طابع ديني أو سياسي.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »