Search
Close this search box.

أطفال في مخيمات إدلب ضحايا التحرش والاعتداءات الجنسية

أطفال في مخيمات إدلب ضحايا التحرش والاعتداءات الجنسية

هاديا المنصور
رأت سارة القدور آثاراً غريبة على ابنتها سيدرا البالغة من العمر 6 سنوات بعد أن انزوت في الخيمة وخافت الخروج منها عكس عادتها في الخروج يومياً للذهاب إلى المدرسة أو حتى اللعب، بحجة التعب والمرض.
وحين أصرت الأم على معرفة السبب عبر استجواب ابنتها، صعقت حين قالت لها إنها تعرضت لتحرش من شبان مراهقين عمدوا لمضايقتها وحاولوا خطفها أثناء ذهابها إلى المدرسة البعيدة عن مخيمهم قبل أن تصرخ وتلوذ بالفرار منهم، فلم تعد تأمن سارة على ابنتها التي باتت عرضة لأنياب المتحرشين والمستغلين لوضعها، كونها طفلة صغيرة مضطرة لقطع مسافة بعيدة عن مخيمها قبل أن تصل مدرستها.

أسباب كثيرة منعت الأم من الحديث عن الأمر أو تقديم شكوى لعدم معرفتها بهوية المتحرشين وخشية العار وخوفاً من أن تبقى هذه الحادثة وصمة تلاحق طفلتها حتى بعد أن تكبر، لتبقى الحادثة طي التعتيم والكتمان وتمنع الطفلة من متابعة تعليمها.
ويعتبر التحرش والاستغلال الجنسي بالأطفال من أخطر الجرائم الشائعة في إدلب في الآونة الأخيرة، خاصة مع فوضى الحرب والنزوح بالتزامن مع ثورة التكنولوجيا في العالم وانتشار الفيديوهات اللاأخلاقية، وسهولة الوصول إلى المحتوى الجنسي على شبكة الإنترنت، فيغدو الطفل ضحية الشعور بانعدام الأمن، ويفقد الثقة بالآخرين وحتى بنفسه، ولا يعرف لماذا يحدث معه ذلك، ما يعرضه للعديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية.
والتحرش الجنسي بالأطفال هو إشراك الأطفال بأفعال وسلوكيات جنسية لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق، أو يكون بين قاصرين، يتفوق أحدهما على الآخر بالقوة ويكبره بأكثر من أربع سنوات وتحدث عمليات الاعتداء والتحرش غالباً من خلال استدراج الضحايا بحجة اللعب، أو منحهم هدايا بسيطة.
ويعتقد الكثير من الناس أن التحرش يأتي من الغرباء، ولكن تبعًا للإحصائيات فإن 7% فقط من المتحرشين هم غرباء، و59% هم معارف وأصدقاء، و34% هم من أفراد العائلة، وبالتالي فإن معظم الحالات التي يتم فيها التحرش تكون من قبل شخص معروف بالنسبة للطفل ويثق به، كالأشخاص الذين يعتنون بالأطفال مثل السائقين أو الجيران وأصدقاء الأهل إضافة إلى أطفال من نفس الفئة العمرية أو أكبر.
يحاصر الفقر والجوع الطفلة شام الكرمو البالغة من العمر 9 سنوات بعد وفاة والدها بحادث سير، وهي نازحة من قرية حاس جنوبي إدلب ومقيمة مع والدتها وإخوتها الخمسة في مخيمات أطراف سرمدا شمال إدلب حيث قلة الخدمات والمساعدات الإنسانية، ما دفعها للعمل في بيع علب المناديل الورقية والبسكويت للمارة وسائقي السيارات، وهو ما يعرضها لمضايقات من يافعين يحاولون استجرارها للركوب معهم بالسيارات أو الدراجات النارية فتلوذ بالفرار خوفاً منهم.
تقول شام “أثناء عملي لتأمين بعض الطعام لأخوتي، أتعرض للكثير من المضايقات من بعض الأشخاص بشكل يومي، ينظرون نظرات شريرة وأشعر بالخوف من كلامهم ودعواتهم لي لمرافقتهم”.
يحاول البعض استجرار شام عن طريق إغرائها بالأموال مستغلين فقرها وعوزها، لكنها تتمكن من التخلص منهم بطرق متعددة علمتها إياها أمها التي لم يغب عنها توعية ابنتها بكيفية التصرف حين تتعرض لمثل تلك المواقف الحرجة، ألا وهي الهروب وعدم الانصياع للمتحرشين.
حتى الأطفال الذكور لم ينجوا من الاعتداءات الجنسية، وهو ماحدث مع الطفل سليم المحمد البالغ من العمر سبع سنوات حين راح يشكو من حكة وألم في مؤخرته لتكتشف الأم تعرض طفلها للاعتداء من أحد أبناء الجيران المراهقين ممن يعيشون بذات مخيمهم.
لكن الأم لم تقم بأي ردة فعل سوى الرحيل عن المخيم في ليلة وضحاها خشية الفضيحة أو انتقام المراهق المنحرف منها أو من أحد أبنائها إن قدمت شكوى أو فضحت أمره أمام الجميع، وخاصة بعد ما لامست من طباعه وطباع أهله العدوانية، حيث تقول: “يكفي ما عانيته من صدمة جراء ما عرفته عن تعرض الطفل للاعتداء أثناء ذهابه للمدرسة على يد أحد أبناء الجيران، ولذا لن أزيد الأمر تعقيداً بتقديم شكوى، لأن طفلي سيكون الضحية لوصمة تلازمه طيلة حياته”.
وقالت المرشدة النفسية والاجتماعية رانيا الجدوع أن التحرش الجنسي بالأطفال يمكن أن يأخذ أشكالًا مختلفة، وقد يتضمن شكلًا واحدًا أو أكثر في وقت واحد، كالنظر المتفحص للمتحرش والتحديق أو النظر بشكل غير لائق إلى جسم الطفل، أو أجزاء من جسمه، كما يظهر من خلال التعبيرات الوجهية للمتحرش ونداءاته بأصوات ذات إيحاءات جنسية ولمسه لجسد الضحية وتهديده والتعري أمامه.
وأشارت إلى الأضرار البالغة التي يسببها التحرش بالأطفال وأهمها أضرار سلوكية كعدم المشاركة في الأنشطة المختلفة، والتسرب والهروب من المدرسة، التورط في سلوك منحرف، عدم الثقة بالنفس أو بالآخرين، العدوانية، تعذيب النفس، الرعب، القلق الدائم، وقد تقوم الفتاة بتصرفات إغراء استفزازية للآخرين، كما أن تعرض الطفل في الصغر للاعتداء الجنسي أكثر من خمس مرات يجعله شاذًا جنسيًا، ويمكن أن يحوّل الضحية إلى طرف سلبي ويدفعها لطلب ممارسة الجنس معها.
ولفتت للأضرار النفسية وأهمها الشعور بالذنب الذي قد يسيطر على الطفل واتهامه لنفسه بعدم المقاومة، وقد تسهم الأسرة والمجتمع في إحداث هذا الضرر حينما يلقون باللائمة على الطفل لأنه لم يحمِ نفسه وكأنه متواطئ ومشارك في الجرم، وهذا يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه وفي أسرته وفي مجتمعه، إذ لم يستطع أن يحمي نفسه، ومن حوله لم يقدموا له الحماية ولم ينصفوه.
وأكدت أن السكوت عن جريمة التحرش والاعتداءات الجنسية والتستر عليها وعدم محاسبة المعتدي قد ينتج عنه نتائج كارثية
كتوحد الضحية مع المعتدي فيصبح مثله معتديًا وكأنه ينتقم لنفسه من المجتمع، وقد يصبح الضحية سلبيًا مستسلمًا لكل من يعتدي عليه بأي شكل، فيعيش حياته في هذا الدور، وقد يصل به الأمر إلى أن يستمتع باعتداء الآخرين عليه ويتلذذ بذلك، وتصاحب الضحية حالات قلق وخوف مستمر طوال حياته، ما يؤهله ليكون مريضًا نفسيًا في المستقبل.
” فتجاهل التحرش وتداعياته أو التظاهر بعدم وجوده يمكن أن يعقد المسألة، ويوقع الكثير من الأطفال الأبرياء فريسة سهلة للمتحرشين المنتشرين في كل مكان بالتزامن مع غياب الأمن والقانون”.
وأوضحت أن “الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي قد لا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عما يحدث معه، وفي كثير من الأحيان لا يفهم هذا الانتهاك الذي يخترق خصوصية جسده الصغير، ويتسبب له بأذى قد يرافقه لفترة طويلة من حياته”.
وعبرت عن قلقها من تفاقم هذه المشكلة في ظل الفقر والجهل والحرمان، وسط غياب آلية للرقابة ومحاسبة المذنبين، فضلاً عن أن الأهالي يفضلون التكتم على مثل هذه الاعتداءات لأسباب عائلية واجتماعية.
ومن هنا طالبت المرشدة بضرورة العمل قدر الإمكان على نشر الوعي بهذا الخصوص بين الأطفال، وتضافر الجهود لتوضيح ما هو التحرش وكيفية التعامل معه والحد منه لما له من آثار على شخصية الطفل وصحته وحياته النفسية عبر ندوات وفرق توعوية تجوب الأماكن التي يتواجد فيها الأطفال كالمدارس والحدائق والملاعب.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »