Search
Close this search box.

الكوتا، وجهات نظر متعددة وأهداف متباينة

الكوتا، وجهات نظر متعددة وأهداف متباينة

سلوى زكزك
تم إطلاق مبدأ الكوتا بصورة واسعة في الوثائق وفي الاجتماعات والجلسات العامة والخاصة، وخاصة التحضيرية لفصل جديد من الحياة السياسية. وتم الاحتفاء به وكأنه الحل السحري لمشاكل النساء وخاصة المشاركة، ترافق إعلان المبدأ بأسئلة كبيرة ومتنوعة ومنها سؤال القفزات الكبيرة أم التدرج في تطبيقه، وكان لكل مقترح أسبابه، ولم تحقق الزيادة الكبيرة في حضور النساء في الفترات الأولى والانتقالية أثراً كبيراً لافتاً، ما عدا زيادة العدد وحضور أوسع للنساء ومشاركة أكبر لكنها غير مظهّرة بشكل فعلي، ولم تكن ذات أثر واضح إلا في المراكز التي كانت بلدانها في مسار حل سياسي أشرفت القوى الدولية على عملية الانتقال السلمي فيها.
شاركت النساء ووصلت إلى أعلى مراكز صنع القرار مدعومة بتطبيق مبدأ الكوتا ويمكن القول هنا، إن من وصل من النساء كنّ في غالبيتهن مزودات بالخبرة العميقة والقوية التي اكتسبنها خلال مسار الحل السياسي الطويل وخاصة مراحل المفاوضات وخلال سنوات النزاع أو الصراع مثل رواندا وجنوب أفريقيا.
كان الرد على رافضي الكوتا والمتنمرين على النساء الواصلات إلى مواقع أعلى درجات المشاركة ومراكز صنع القرار بسؤال بسيط لكنه حيوي جدا: هل تم اختيار الرجال عبر كل الفترات التاريخية السابقة بناء على كفاءة وخبرة الرجال؟ أم أن السبب هو أدوارهم الاجتماعية النمطية والمعممة فقط؟
ثمة عنوان كبير تطرحه المنظمات النسوية والأحزاب التي تساند بل تؤمن بضرورة وجود النساء ووصولهن إلى أعلى درجات المشاركة وهو عنوان ( العدالة الجندرية)، وحكماً يختلف سؤال العدالة وبشدة عن سؤال المساواة، خاصة وأن المساواة قد تحقق أحد مفاصل العدالة لكنها تبقى قاصرة ومقيّدة لمقدرة النساء على الكشف عن مدى خبراتهن الفعلية والمحصلة عبر نضال طويل، إن حجم إرادتهن الناضجة والواضحة تؤهلهن ليكنّ شريكات فعليات وحقيقيات ورائدات في طرح قضايا النساء وكل القضايا الإنسانية العادلة بما فيها الاعتراف بحقوق الجميع وحماية البيئة والتراث والثقافة كأركان شديدة الالتصاق بالعدالة الجندرية، كونها تشكل حزمة متناغمة ومترابطة جدليا ببعضها البعض، ونظرا لأن العدالة الجندرية باتت أداة قياس وليس مجرد عنوان.
حتى أن مبدأ العدالة الجندرية على كافة تفاصيل الحياة اليومية لدرجة أن البعض يطالب بوجود مماثل للنساء حتى في الفرق الفنية، وهذا ما يخلق أسئلة جديدة لا يملك أحد الإجابة عليها حتى الآن، لكنها أسئلة مشروعة في المسار الطويل الساعي نحو تحقيق العدالة.
في لقاء مع فنانة مسرحية فرنسية شابة، اشتكت من أن مشاركة الفنانات النساء في تقديم عروض مسرحية ارتجالية منيت بالفشل، ليس بسبب سوء تقديم الفنانات المسرحيات، ولا بسبب ضعف النص أو التقنيات المرافقة للعرض، بل بسبب قناعة شبه عامة بأن النساء غير قادرات على الارتجال على المسرح، لابل ليس بسبب ذلك فحسب بل بسبب أن الرجال ماهرين وبارعين لدرجة قد يكونوا الوحيدين القادرين على الارتجال على خشبة المسرح! لذلك لم تشهد عروض المسرحية الارتجالية لفرق مختلطة أي إقبال ومني أصحابها بالخسارة.
سيقول البعض: أي مبالغة في التعصب للجندر اوصلتكم إلى هنا؟ سيسخر البعض من شكاوى الشابات المسرحيات اللواتي ووجهن بالرفض وتوقفت أعمالهن المسرحية! وسيقلن وبتأكيد مبرم: القصة ببساطة هي ان الممثلات غير موهوبات فعلا! إنها الأحكام التي تلقى جزافا ودونما تبصر، مصحوبة بتنمر مسبق وعلني وشبه متوافق عليه.
ثمة حالات لتطبيق الكوتا شهدت اختلالا بميزان التناسب العددي، طغت نسبة مشاركة النساء على نسبة مشاركة الرجال في بعض برلمانات دول محددة، إنه فعلا أمر مبشّر لكن العدالة الجندرية تستوجب المساواة على مبدأ المناصفة، وبعد تعود واختبار وسجالات وتوضيح وتثبيت لنقاط القوة والضعف سيلجأ الجميع حكما لسؤال الخبر والمقدرة والكفاية. والكفاية هنا لا تعني الكفاءة أبدا، بل تعني بدقة ومسؤولية توظيف الكفاءة مع الخبرة والحضور والقبول وتضافرها معا بصورة عملية لتحقيق الكفاية المطلوبة لتصبح النساء كما الرجال شركاء في عملية تحقق العدالة الجندرية.
طالما اكتفينا بمقارنة أرقام نسب مشاركة النساء السوريات مثلا مع أرقام ونسب مشاركة النساء التونسيات، حينها سنشعر بالاطمئنان! الفرق بسيط جدا وقد لا يتعدى العشرة بالمئة، لكن وحين نقارن مشاركة النساء مع عدد ونسب مشاركة الرجال سيبدو المأزق واضحا، البون متسع جدا والفرق واضح وصارخ، لذلك هل نصبو إلى أن يصبح رقم ونسب مشاركتنا مطابقة للنساء في تونس؟ ام أننا سنتساءل بصرخة مدوية عن ذاك الفرق الحاصل والمثبت لدهور ما بين مشاركة الرجال والنساء، لدرجة أن الفرق قد يكون تسعون بالمئة بصور فعلية وغير قابلة للتضليل أبدا.
إن سؤال أي كوتا أفضل وأنسب هو سؤال ملح، وهو هنا يعني لزاما اتخاذ إجراءات قانونية لها صفة جازمة لحماية الكوتا مثل القوائم المتناوبة رجل / امرأة أو بالعكس، أو حجز أو مقعدين في كل قائمة للنساء حكما، والاحتمالات والإجراءات كبيرة ومهمة وذات جدوى، لكن حسب خصوصية كل حالة، وهذا يتطلب حكما ولو بصورة مؤقتة البحث عن أي روادع او عقوبات أجدى لتثبيت الكوتا وضرورة لحظها في التشريعات والقوانين.
بين الكوتا والمساواة علاقة طردية وبين مستويات تحقق الكوتا وانعكاسها على مستوى المشاركة علاقة متلازمة وطردية أيضا، الأهم أن الكوتا صفة واجبة لتحقيق المواطنة وخاصة في الفترات الانتقالية وربما حتى ما بعدها.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »