Search
Close this search box.

عندما تتمطى الأرض!

عندما تتمطى الأرض!

السويد – إيمان شحود

قاسية هي الأرض حين تستفيق ليلاً تتمطى.

نعم أخذت أهلها ومن عليها على حين غرة. لم تراع نوم الصغير في أحضان أمه و العجائز في أسرتهم، سريعة هي بضع ثوان غلبت أعتى الأقوياء من الشباب  وأردتهم تحت تلال من الأنقاض قتلى.

في لحظة صحوٍ عند فجر ساكن هادئ من يوم 6/2/2023 بجانب سرير المريض في المشفى أسمع أنينه الموجع الذي طغى عليه فجأة هدير منبعث من باطن الأرض التي استطالت و مالت و كل ما يحمل عليها بدأ يتحرك ويهتز… الأسرة تصر صريرها و الجدران ترتجف معلنة تخلخلها وعويل المرضى خوفاً انساهم الأوجاع التي تسكنهم.

وتزيد الظلمة والعتمة الوجل و الهلع.

نوافذ تتحطم وابنية تنهار والعويل و النواح يرافق كل هذا الصخب.

أهو ضجيج القيامة؟

سؤال راودني في الوهلة الأولى.

 لكني على قيدها، هؤلاء المرضى على قيدها، المشفى قائمة!

عمت العتمة المكان زاد بؤس تلك الثواني العاصفة و انتهى الزلزال وأنا هنا.

معلقة أنا بين شائكات الضمير وصراعات الواجب أبقى هنا اتابع المرضى في هذه المعمعة والفوضى و الخوف والقلق يأكلني والسؤال يلح على فؤادي ما الذي حصل؟

صوت من داخل البهو المجاور يقول المدينة دمرت.

قلق وهواجس تجتاحني. رباه أمي وأبي، بيتنا… ما المآل؟

هذا الهاتف بناديكم أين أنتم؟

أجيبوا بالله عليكم.

قلبي ينفطر عليكم. 

سألتكم بعزة الله وجلاله كونوا بخير.

مئات من المرات في ثوان ثقيلات اعدت الإتصال… لالا مجيب.

لاح ضوء الصباح في الجهة الخلفية لمبنى المشفى كان ذاك البناء الشاهق في العلو- حيث اسكن وأهلي – يقف شامخاً يسد الأفق للطرف الآخر من المدينة.

لأول مرة كان الفضاء فسيحاً ساقتني عيناي إلى الافق البعيد حيث تتصافح الأرض و السماء أدركت ذاك الحين أن المبنى بكليته انهار

وتحت أنقاضه يرقد كل الأحباء.

لم يعد لأي شيء معنى.

البقاء واجب وإنقاذ حياة احبتي واجب ليس كمثله واجب.

الطريق إلى البيت مشوه المعالم، تلال من ركام في كل مكان، لا يمكن لأي سيارة أن تدخل الطريق التي اندفعت فيها كريح تحملني على بساطها.

هول المنظر تقشعر له الأبدان. كلما وقعت عيني على مبنى متهدم يعيد عقلي صورته الأولى لعلي أستعيد خارطة المكان ولساني حالي يلهج بجملة ما برحت ارددها يالطيف اللطف أهلي.

كان قلبي في الطريق يسبقني ويأبى تصديق ما تراه عيني أو يتصوره عقلي بأن بيتنا  عمارتنا تهدمت او اصبحت أثراً بعد عين.

 أثر بعد عين حقيقة صادمة ماثلة أمامي.. المبنى يناطح السحاب كما كنت آراه أصبح بضع امتار من الركام.. بضع طبقات اسمنتية تخبرنا عن بضع من شقق سكنية كانت هناك منذ ساعة تحولت لطبقات اسمنت اصطفت لاشيء بينها سوى الموت و الدمار.

تسمرت في المكان قدماي و شاخصة هي عيناي وصرخة شقت صدري وفؤادي المنفطر.

أمي…

أبي…

تاهت صرخاتي بين الصرخات..

بين آخر طبقتين من صحائف الأسمنت في وسط العمارة فوق مدخل البناء في آخر طابق منه كانت تتربع شرفة غرفة نوم امي وأبي. حاولت استعادة المخطط في ذاكرتي المشوشة. قلبي المحموم دلني هناك قرب الستارة الأنيقة التي غطت نافذة غرفتّهما ينتظرانك…

تسلقت أكوام الأنقاض و عند الستارة الأنيقة ناديت بكل ما بي من قوة.. أمي… ابي

ولكن لا حياة لمن تنادي!

لكن للحب رائحة تهفو من زاوية اضاءت لي أنهما هناك أدخلي!

بأيد عزلاء إلا من قوتي و جسد تدفعه رغبتي بنجاتهم بكل الحب الذي يملأني ما شعرت بالجروح و الرضوض التي اصابتني… إذ لا معنى لحياة ليس فيها احبتي.. تمكنت من ابعاد الحجارة والأخشاب والحديد المحطم وصلت لشق تمكنت من رؤيتهما.

هما في صلاة الفجر حاضرون سجداً لربهم خاشعون. الروح مسافرة في رحلتها الأبدية و الجسد أطبق عليه السقف و نسي ان يرد لي التحية.

هكذا هي الحياة حين تتمطى الأرض يرحل الأحبة دون وداع ويبقى الناجون محرومين من فرح النجاة.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »