إدلب – سونيا العلي
يعيش معظم الأطفال النازحين واقعاً كارثياً دون تعليم، وينتظرهم مستقبل مجهول نتيجة قلة عدد المدارس والمراكز التعليمية في مخيمات إدلب، لذا بادرت المعلمة نجلاء معمار (40عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات بلدة دير حسان شمالي إدلب، لتحويل قلعة أثرية إلى مدرسة بإمكانيات بسيطة، وحول ذلك تقول نجلاء لشبكة المرأة السورية: “يعاني الكثير من الأطفال النازحين في إدلب من غياب المدارس، ليكون مصيرهم الجهل الذي يهدد حاضرهم ومستقبلهم، لذا قررت الاستفادة من القلعة الأثرية التاريخية القريبة من مكان سكني، وتأهيلها وتحويلها إلى مركز تعليمي للأطفال في المنطقة، تحت اسم “مركز شام التعليمي”
وأضافت: “الفقر وسوء الأحوال المادية، إلى جانب غلاء إيجارات المنازل لم تسمح لي باستئجار مكان مجهز لتعليم الأطفال، ما دفعني لاستثمار القلعة الأثرية وتجهيزها بأقل التكاليف، وبمساعدة معلمات متطوعات استقبلت فيها الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 4- 6 سنوات، إلى جانب الطلاب المتسربين من مقاعد الدراسة لنعمل على دعمهم بدروس تقوية، حتى يتمكنوا من الالتحاق بالصفوف التي فاتتهم .”
وعمِلت المعمار على ترميم أرض الموقع الأثري وتغطية جدرانه بالستائر، حتى تخلق جواً مناسباً للتعليم، إلى جانب سقف المكان بالأغطية البلاستيكية (الشوادر والعوازل)، كما قامت بتزويد المكان بعدد من الكراسي لجلوس الأطفال، وسبورة للكتابة .
من جانبها المعلمة نهاد حلاق(25 عاماً) تطوعت لتعليم الأطفال داخل المركز، وعن ذلك تقول: “يعيش أطفالنا خارج المدارس دون أدنى تأهيل معرفي يمكنهم من مواجهة تحديات الحياة، وبناء إنسان متوازن قادر على المساهمة في بناء وطنه، وإصلاح ما خربته الحرب .”
وتضيف: “حصول الأطفال على التعليم يوفر لهم إحساساً بالحياة الطبيعية حتى في ظل أقسى الظروف، وتعليم الأطفال يُعد أمراً بالغ الأهمية لمستقبلهم، لذا نحاول بإمكانيات معدومة أن نعلم ما يقارب 70 طفلاً نازحاً، يعيشون في هذا المخيم ويفتقدون أدنى المقومات ومتطلبات العيش الكريم .”
وتشير حلاق إلى تردي واقع التعليم في إدلب في ظل الحرب، فمعظم المدارس صفوفها مكتظة أو متهالكة وآيلة للسقوط في أية لحظة، فضلًا عن افتقارها للمياه والكهرباء والتهوية، وغيرها من الخدمات الأساسية التي من شأنها توفير أجواء دراسية مستقرة وآمنة للطلاب. وذلك بخلاف المشاكل الأخرى الناجمة عن نقص الكوادر التعليمية وقلة مستلزمات التعليم .
عائشة الديري (40 عاماً) النازحة من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم دير حسان، تشيد بفكرة المركز الذي سمح لأطفالها أن يتلقوا التعليم، وعن ذلك تقول: “أعيش مع زوجي وأولادي الثلاثة في هذا المخيم وسط ظروف قاسية تنعدم فيها أبسط متطلبات العيش”.
وتشير أن أطفالها لم يلتحقوا بالتعليم لعدم وجود مدارس قريبة وعدم توفر وسائل نقل، لذا وجدت في هذا المركز بارقة أمل لأطفالها وبقية أطفال المخيم لتعلم مبادئ القراءة والكتابة .”
وتبين الديري أن الفقر سيد الموقف في المخيم، فالطالب الذي يريد أن يتوجه إلى المدرسة لا يملك ثمن قرطاسية أو لباس موحد، كما تنعدم وسائل التدفئة داخل المركز التعليمي .”
وتتساءل بصوت حزين:” أين هي أبسط حقوق أطفالنا الذين عانوا كثيراً من جحيم الحرب .”
الطفلة روان العيدو(6 سنوات) تتلقى التعليم داخل المركز، وحول ذلك تقول: “بعد وفاة والدي اضطر أخوتي الأكبر سناً لترك المدارس والبحث عن عمل لإعالتنا، أما أنا فأواظب على الذهاب إلى المدرسة .”
وتضيف الطفلة: “أداوم في هذه المدرسة منذ بداية العام الدراسي، وأتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، فضلاً عن حفظ آيات من القرآن الكريم .”
وتجدر الإشارة أن نسبة العجز في قطاع التعليم داخل مخيمات النزوح في إدلب بلغ 68% حتى بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، بحسب فريق “منسقو استجابة سوريا” .
لا يستفيد الأطفال فحسب من خدمات المركز، حيث تقدم المعلمة نجلاء أيضاً دورات مهنية تدريبية للنساء النازحات القاطنات في المخيم في تصفيف الشعر والخياطة والنسيج داخل القلعة، بعد انتهاء الدوام المدرسي، ليتمكنّ من تأمين فرص عمل تتيح لهن إعالة أُسرهن، وعن ذلك تقول: “الكثير من النساء النازحات بحاجة لفرص عمل لمواجهة الفقر والغلاء وتحسين أوضاعهن المعيشية، لذلك بدأت بتقديم دورات مهنية داخل المركز، وقد أكملت نحو 20 امرأة الدورات حتى الآن.”
فائزة العبسي(31 عاماً) نازحة من قرية بابيلا بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم دير حسان، استفادت من الدورات المهنية، وتمكنت من تعلم مهنة الخياطة، وعن ذلك تقول لشبكة المرأة السورية: “الغلاء والأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها في هذا المخيم دفعتني لتعلم المهنة والبدء بالعمل لمساعدة زوجي في توفير متطلبات المنزل، واحتياجات أطفالنا الأربعة، والعيش بكرامة بعيداً عن الحاجة.”
وتبين أن عملها والمهنة التي تظاولها تتناسب مع ظروف النازحين القاسية، وتلبي احتياجاتهم، حيث تقوم بتفصيل الأقمشة إلى جانب إصلاح الملابس القديمة وإعادة تدويرها .
لم تعد القلاع الأثرية في إدلب مقصداً للزوار وشاهداً على حضارة أجدادنا القدماء كما يجب أن تكون، بل أصبحت مراكز مهنية للنساء، وأشباه مدارس لأطفال فتكت بهم الحرب وشردتهم وحرمتهم من أبسط الحقوق.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”