رهادة عبدوش
خلال سنوات طويلة مرت حاولت الحكومات العربية الالتفاف على قوانين الأحوال الشخصية علّها تهرب من فكرة تغييره من جذوره – عدا تونس والجزائر اللتين أقرتا قانون أسرة متطور إلى حدّ ما- ومؤخراً لبنان، ومن هذه الدول التي حاولت الترميم لهذا القانون المستند لمجلة الحكام العدلية الجمهورية العربية السورية، التي عدّلت قانون الأحوال الشخصية في أكثر من مناسبة وبأكثر من مادة بدءاً من تعديل قانون سنّ الحضانة ليرتفع تدريجياً بعدد من التعديلات منذ عام 1975 من التسع سنوات إلى 15 عاماً للفتاة والصبي عام 2019، وعدّلت سنّ الزواج ليصبح أخيراً ثمانية عشر عاماً للبنت والصبي، ورفعت الشروط عن التعويض في الطلاق التعسفي، وفسحت المجال أمام وضع شروط في عقد الزواج منها أن تفوّض المرأة بتطليق نفسها، اشتراطها العمل وعدم تغيير مكان اقامتها، اتاحة فسخ الزواج في حال تزوج الزوج عليها، وغير ذلك من تعديلات لم تستطع أن ترقى للمساواة، أو على الأقل لحقوق متساوية وانصاف بين الزوجين ومصلحة الأطفال.
فهي لم تمنع من تعدد الزوجات ولو اشترطت ذلك المرأة ضمن عقد زواجها، فلا غرامة ولا حبس ولا تعويض للزوجة، ولم تمنع الطلاق بالإرادة المنفردة، وفسحت المجال أمام تزويج الأطفال عندما اعطت للقاضي سلطة تقديرية بتزويج الطفلة إن كان جسدها أنثوياً.
ولم تقرّ بالتعويض عن الطلاق إلا إن كان تعسّفاً وبمبلغ يعتبر زهيداً وهو ما يساوي نفقة عامين ونصف، بحسب ما يقدرها القاضي، فلم يكن التعويض نتيجة العنف، أو إن طلبت الزوجة التفريق بسبب الشقاق والضرر. وماذا بعد؟
كيف يدعم هذا القانون قتل النساء؟
لم ينص القانون صراحةً على التفريق ومن ثمّ التعويض والغرامة أو الحبس بين الزوجين في حال العنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي أو اللفظي إلا بحالة الأذية الواضحة على جسد المرأة، وهذه الأذية لم يفرد لها قانون خاص يشدّد العقوبة بل اعتبرها القانون كأي أذية يرتكبها أي غريبين ببعضهما بالشارع، نص عليها قانون العقوبات ضمن فصل الإيذاء، ولم يكترث بمبدأ أن بيت الأسرة يجب ان يكون المكان الأكثر حماية وأمان لكل من يعيش داخله ما يعني أنه يجب أن تشدّد العقوبة لأي جرم يرتكب داخل هذا المكان.
كما لم يفصل القانون مكاناً تلجا إليه المرأة مع أطفالها لحمايتهم، ولم يقرّ بقانون يعتبر بيت الزوجية هو البيت الذي يجب أن تعيش به المراة مع أطفالها ولها حق الأولوية به كونها الحاضنة ولأجل مصلحة الطفل الفضلى، ولم يعاقب المعنّف الذي تتم الشكوى بحقه ضمن آليه محدّدة بسيطة بالنسبة لأي امرأة على الأقل بعدم الإقتراب من المكان الذي تسكن به الزوجة والأطفال مدة من الزمن أو ايصالها مع اطفالها لأقرب مركز حماية.
الحضانة عند الطلاق أو التفريق بين الزوجين
تعاني النساء من عدم وجود بيت لحضانة الأطفال و في حال كانت امرأة عاملة أو غير عاملة -إن كان وضعها المادي لا يسمح لها بامتلاك منزل أو باستئجار منزل- ستكون امام خيارات محددة، إما العيش مع أهلها الذين في حالات كثيرة يرفضون استقبال أولاد ابنتهم بحجة انهم غير مجبروين بتربية اولاد الغريب، أو العيش ببيت مستأجر، وفي سورية الأجارات تفوق الدخل العام بأربعة أضعاف.
أو ستعيش في بيوت مشتركة مع آخرين أو بيت على العضم وما إلى ذلك وهذه معاناة مضاعفة للمرأة العاملة (إن كانت في القطاع العام او الخاص أو العمل السود) التي من الصعوبة أن تجد أمكنة مساعدة تضع أبنائها فيها ريثما تعود من العمل خاصة إن كانوا بعمر عدم التمييز أي تحت السبع سنوات.
ما يؤدي لأن تتخلى كثير من النساء عن ابنائهن للطليق أو لأهل الزوج، أو أن توزع أطفالها بينها وبين زوجها ما يزيد من الانتهاك لحق الطفل في حياة هادئة آمنة وأسرية طبيعية.
ولا يخفى أن الأزواج يستخدمون هذه الأمور للضغط على النساء والتحكم بهم وكثير من النساء تبقى تحت ظل الظلم لأنه لا يوجد مكان تاوي إليه هي وأطفالها.
وهنا تتحدث لمياء عما حدث معها فعندما حكم لها بالتفريق بينها وبين زوجها بقي الأطفال معها لكن أهلها رفضوا استقبالها معهم، تارة لضيق الحياة وتارة أخرى أنهم غير ملزمين بتربية أولاد الغريب وهكذا تخلت عن أولادها لأبيهم لكن والدهم أيضاً لا يريدهم بسبب زوجته ولأنه لا يستطيع الانفاق عليهم أيضاً لذلك تحاول هذه المرأة البحث عن دور رعاية للأيتام لتودع أطفالها، ولكن لا يمكن ايداعهم أكثر من ستة أشهر، أو في جمعيات الأيتام التي لها شروطها أيضاً.
أما سلمى وهي امرأة تتعرض للعنف من زوجها واهله مع أطفالها، فقد حاولت القدوم إلى مركز لحماية النساء من العنف لكن تم رفض وجود أطفالها معها باستثناء الطفلة الرضيعة، ما جعلها تغض النظر عن القدوم إلى مركز الحماية والبقاء في حياتها مع زوجها المعنّف، وغض النظر عن رفع دعوى التفريق بينها وبين زوجها.
فاطمة السيدة الأردنية التي اقتلعت عينيها لم تستطع ترك بيت الزوجية لأجل أطفالها الذين ترجّوها بالبقاء، ونتيجة لذلك حاصرها زوجها وقلع عينيها بإبرة الأركيلة، وتمت عقوبته عقوبة الإيذاء العادي بالسجن سبع سنوات.
أما آيات فلأجل طفلتها الرضيعة، بقيت تخدم أهل زوجها بوضع مأساوي لأنه يمنعها من أخذ ابنتها معها عند زيارة أهلها ولعدم وجود أهلها الداعمين والعقلية المجتمعية التي تفرض على النساء تحمّل الظلم لأجل أبنائهم ولأجل سمعة العائلة. فقتلها زوجها بطريقة همجية وعوقب بجرم القتل عن غير قصد وبالتالي العقوبة كانت السجن لمدة سبع سنوات.
هكذا تقتل النساء في بلادنا ببساطة، ويعاقب القاتل بالبساطة نفسها، وببرودة أيضاً تعالج الدولة القضايا علّها تستفيق وتسنّ قانون يحمي النساء والأطفال من العنف الأسري خاصّةً والعنف المجتمعي والمؤسساتي عامّة .
كثيرات هنّ النساء اللواتي تنتظرن أحد أمرين إما قانون ينقذهن أو قبر يضمهنّ.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”