Search
Close this search box.

تسول أطفال سوريا وسرقة الطفولة

تسول أطفال سوريا وسرقة الطفولة

خولة سمعان

جاء في تصريح منسوب إلى عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق سمير الجزائري : “إن الأطفال المتسولين هم من أدوات العصابات والمافيات الذين الذين يديرونهم ويتعاملون معهم بأسوأ الألفاظ وياخذون منهم ماكسبوه أثناء التسول طوال اليوم”. الامر الذي يفتح العديد من أبواب المسائلة بشأن مأساة هؤلاء الأطفال الذين سلبت طفولتهم بنقائها وعذوبتها وبراءتها, وجردوا من كل عناصر الحياة السليمة, كالعيش في منزل دافيء وفي كنف أبوين يرعونهم.

    إذ أنه من المعلوم أن هؤلاء الأطفال المرميين في الشارع، ولدوا في أثناء الحرب القاسية أو قبلها بقليل, وهنا تحديداً علينا أن نشير إلى مسؤولية الجهات الحكومية الرسمية في الدرجة الأولى عنهم, ومسائلتها بشأنهم، إذ أنها لم تقم باي إجراء يكفل بإبعادهم عن الشارع وخطره, ويحتويهم  ويقدم لهم العون والرعاية.

 ثمة سؤال بديهي  يطرح نفسه أمام  هذه الظاهرة المنتشرة بأعداد تفوق الآلاف: هل فضَل هؤلاء الأطفال هم انفسهم وبمشيئتهم الحياة في الشارع ، في برده القارس وحرراته اللاهبة على العيش في منزل آمن؟ هل اختاروا هم أنفسهم النوم في العراء؟ والجوع والشقاء والخوف؟ ولماذا؟

   أوضح تقرير أصدرته لجنة التحقيق الدولية والمستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بعنوان ” لقد محوا أحلام طفولتي” في العام 2019، أن سنوات الحرب الثماني حملت انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال الاساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح واليتم والحرمان من التعليم وتحمل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة, إضافة الى تشريد اكثر من خمسة ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.

  وتقدرالشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي العاشر أن هناك مالايقل عن 2,5 مليون طفل نازح في سوريا, وأن مالا يقل عن 29 الفاً و661 طفلاً قتلوا في سوريا منذ مارس/آذار 2011 بينهم 181 بسبب التعذيب, فضلاً عن 5036 طفلاً مازال معتقلاً او مختفياً قسرياً.

 كما جاء في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في عام 2018 أن قرابة المليون طفل بلا مأوى وان 90% منهم غير مكفولين، وأن 10% من اطفال سوريا أيتام لأحد الوالدين أو كلاهما.

ويعيش في مخيمات النازحين شمال غرب سوريا مايقارب 680 ألف طفل ، نسبة كبيرة منهم من الأيتام، الذين يجدون صعوبة في التأقلم مع العيش، ويعانون من أزمات نفسية وصحية واقتصادية كبيرة،  إذ أن معظمهم يجدون صعوبات في تأمين المستلزمات الحياتية، ومغيبين عن مقاعد الدرس. و بحسب صحيفة الشرق الأوسط أن 93 بالمئة في سوريا يعيشون تحت خط الفقر.

أطفال لايعرفون سوى الخوف والحرمان

احمد 9 سنوات، ينام في الليل في إحدى الحدائق في مدينة دمشق, يقول: “طردوني من هنا أكثر من مرة، كنت أنام على الرصيف في الصالحية، كنت أخشى الليل والعتم كثيراً، لأن.. لأنني  تعذبت كثيراً في الليل”.

   فاتح 11 سنة: “أخيراً عرفت من أين أجلب الطعام، لقد تغلبت على  رئيس أولاد  حديقة ا لسبكي عندما هاجمني،  وصرت أنام فيها، صرت أنا رئيسهم, هنا نعثر على طعام في الأكياس, أحياناً بعض المطاعم يرمون لنا بقايا الطعام”.

   أما ليلى فتغص بالبكاء، فهي تبيع مناديل ورق في حي المجتهد، تقول: “لا أعرف أمي, لا يوجد  لدي أب.  في الليل تسمح لي سيدة (اكابر) بالنوم في مدخل البناية”.

سعاد : العمر 13 سنة: “أمي تزوجت، وأنا هربت من بيت زوجها، عندي أب، لكن لا أعرف مكانه”.  

شامة، تجلس على الرصيف أمام سوق الحميدية، عمرها حوالي 8 سنوات،  لاتعرف لها أبا ولا أما ولا أي انتماء عائلي. 

عبدو: لايعرف عمره بالتحديد ,يقول ربما 15 سنة,لكنه يبدو في حوالي 12 سنة. يعيل أمه ذات الساق المبتورة وأخوته الصغار، يكسب  بشتى الطرق. يشتري الخبز ويبيعه، يلِم  أعقاب السجائر ويبيعها للاطفال المدخنين في الشوارع، يسارع في حمل الحمولات عن أصحابها، كالنساء اللاتي يحملن أغراضاً كثيرة مقابل مكافأة صغيرة … يقضي نهاره كاملاً في الشوارع، لديه ندوب في وجهه يبدو أنها بقايا شجار قديم أو ماشابه ذلك … أبوه مفقود منذ سنوات عديدة, لايتذكره.

-منال : عشر سنوات, تتنقل أمام المطاعم المنتشرة في حي المزرعة، هي معروفة من قبل الأهالي هناك،  لا أم لديها ولا أب, تاكل مايمنحها إياه الناس. ولاتمانع في خدمة من يطلب أي خدمة (( تذهب الى البيوت للتنظيف ولفعل مايريدونه)) على حد قولها.

 – طفل نائم مطوي على نفسه في زاوية من شارع متفرع من ساحة المرجة, لايقوى على النهوض ولا الكلام , قيل انه (شامم) أي هو مدمن شم غراء الشعلة.

-زهير (9) سنوات : “أبي يطالبني بالعمل، إن لم أحصل على النقود لايسمح لي بالدخول،  هو يضربني ويضرب أمي وأختي الصغيرة، فقد عينه  في قذيفة وصار يشرب الكحول دوماً. نحن نعيش في قبو في الحريقة”.

ماهذا إلا غيض من فيض, فالمشهد مكتظ والجريمة واضحة: الحرمان والخوف والقسوة عنوانها, والضحية الطفل الذي تُرك لمصير قاتم محفوف بالمخاطر في بلاد تعاني من إنفلات أمني, وقضاء مرهون لدى الطبقة النافذة، ومؤسسات حكومية فاسدة, وهذه -لعمري- البيئة المثلى التي تسمح بتكوين  عصابات مجرمة تستغل أجساد الأطفال، وتستثمر حاجتهم بشتى الطرق: كالتسول والاستغلال الجنسي والعمالة الرخيصة مقابل تأمين لقمتهم ونومهم.

الإجراءات الرسمية

لما كانت الحرب الدائرة في البلاد منذ حوالي اثنتي عشر سنة المسبب الرئيسي لتشرد الاطفال وفقدانهم المعيل (الأب أو الأم أو كليهما)  وتجريدهم من أمان ودفء المنزل ورعاية الأبوين. فإنه من الطبيعي أن تقوم الحكومة عبر مؤسسات وهياكل معينة بدراسة هذا الوضع اللاإنساني، واتخاذ التدابير والخطوات الواقعية من اجل احتوائهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم, وإتاحة فرص التعليم وتمكينهم مهنياً وإحاطتهم بالعناية النفسية والجسدية.  

عضو المكتب التنفيذي نفسه ( سمير الجزائري) يقول في مداخلة له في جلسة مجلس محافظة دمشق الأولى للدورة الثانية لعام 2022:

“لايتعين علينا تأمين السكن لهم – يقصد الأطفال المتسولين – ولسنا مضطرون لفعل ذلك أساساً, ويجب علينا مكافحة ظاهرة التسول دون أن نصنع المتسولين”.  

  وبحسب معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، محمد فراس نبهان، في تصريح له بصحيفة الوطن السورية: “تتخذ وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إجراءات بحق هؤلاء الأطفال بالتعاون مع وزارة الداخلية والعدل والسياحة، بتخصيص أرقام ثلاثة ساخنة،   بالتنسيق مع الشرطة في المحافظات التي يسيطر عليها النظام، للإبلاغ عن هؤلاء الأطفال والقبض عليهم وإيداعهم السجن”.

   من جهة أخرى أكدت مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل  في دمشق دالين فهد: “عدم وجود آلية جديدة للحد من ظاهرة التسول, فمازالت عناصر الشرطة تلقى القبض على المتسولين وتسلمهم للقضاء للتعامل معهم، وإيداع الأطفال منهم في دور الرعاية الاجتماعية”, لافتة الى وجود 3 مراكز لرعاية المتسولين في قدسيا وباب مصلى والكسوة.

جدير بالذكر أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك،  رفعت الدعم عن الخبز لجميع الجمعيات الخيرية،  بما فيها جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة, كما ورد في صحيفة الوطن.

والسؤال: هل تتعامل الدولة بحسب هذه الإجراءات التي تعلنها ( تطاردهم وتحبسهم.. ) هل تتعامل مع أطفال؟ ام مع مجرمين؟ كيف تترجم حقوق الطفل؟ بتعنيفهم وحبسهم؟

من حيث أن الأطفال هم المستقبل : ماذا تخبئون لمستقبل هذه البلاد؟ ثم ماذا عن الجمعيات الخيرية التي تفوق الدكاكين؟ ماذا تفعل بالأموال والنفوذ والدعم الذين تتلقاهم؟

 

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

 

 

________________________                 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »