نسرين مجدل
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، ونحن في الألفية الثالثة من التاريخ، هي أنه لا تنمية مستدامة ولا تقدم في بناء دول ديمقراطية قائمة على الحرية والمساواة، وتحمي حقوق الأنسان، في ظل تغييب النساء عن المشاركة في تأسيس و بناء الدول و النظم السياسية الحاكمة للمجتمعات. فالتقسيمات النمطية للأدوار المجتمعية وحصر الرجال ولنساء في تابوهات محددة تجعل فضاء الحرية الرحب في أضيق حالاته وتقتل روح الأبداع والبناء الخلاق للمجتمع.
والبيئة الحاضنة لهذه التقسيمات هي تكريس الجهل والتذرع بعادات وتقاليد بالية، ولمشاركة النساء في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يجب تأمين بيئة أمنة وصحية وصحيحة و ذلك بإزالة:
- العوائق الذاتية
وهي رفض النساء ذاتهن المشاركة في ساحات العمل السياسي والمجتمعي على اعتبار أن هذه الساحات مخصصة للرجال، و هذا الرفض ناجم عن التربية التقليدية القائمة على أساس تكريس أدوار الرجل و المرأة القائمة على أساس أن النساء بحاجة إلى الحماية و القيادة من قبل الآخر، و دورهن الأساسي الذي خلقن من أجله هو تقديم الخدمات المنزلية لأسرهن و تأمين راحة الزوج و إنجاب الأطفال ورعايتهم.
أما الأدوار الأخرى من قيادة مجتمعية سياسية واقتصادية وغيرها من الأدوار المؤثرة في بناء الدول وأنظمة الحكم، فهي خاصة بالرجال حتى يقال أن السياسة هي صرح ذكوري لا يمكن للنساء النجاح فيه.
- العوائق المجتمعية
وهي رفض المجتمع لوجود المرأة في العمل السياسي والعام على اعتبار أن هذا المكان ليس مكانها ولاتملك الحنكة والخبرة التي يمتلكها الرجال. فهناك من يرفض وجود النساء في هذا المجال من منطلق ديني وأخر يعتبر المرأة شرف العائلة وملكيتها الخاصة.
وهناك من يرفض وجود المرأة لأنه يعتبر أنها ستحتل مكانه وتأخذ فرصه، وآخر يرفض أن يكون تحت قيادة امرأة لا لشيء فقط لأنها امرأة. ولإبقاء النساء بعيدات عن هذا العمل يتم استخدام جميع الأساليب بدأ من الترغيب إلى الوعظ وانتهاء بالترهيب والعنف. ومن العديد من الجهات ابتداء من الأسرة وانتهاء بالسلطات الحاكمة.
وهذا العنف يمكن أن يكون أداة سياسية، بمعنى استعماله من قبل قوى سياسية قد تكون على شكل حكومات أو جماعات سياسية أو مسلحة، من أجل تحقيق اهداف سياسية فيتم مثلا نشر الشائعات المسيئة للنساء من أجل منعهن من الترشح في انتخابات ما، أو أهداف عسكرية ضد عدو مستهدف. ويمارس ضد النساء على اعتبارها جماعة اجتماعية عامة ملك للرجال وشرفهم.
اعتقال النساء لإجبار الخصم على الاستسلام
ويمارس من قبل الرجال و النساء في إطار نزاع أو حرب وتمارسه النساء بسبب انتماءات سياسية معينة، كما رأينا في بداية الأحداث السورية نساء مؤيدات للنظام يستخدمن العنف ضد من خرج معارضاً، ونساء داعشيات مارسن العنف في مواجهة الأخريات. وهنا ندرك حقيقة أن النساء أيضا قادرات على ممارسة العنف ضد النساء والرجال.
إن العنف ضد النساء في الفضاء العام والسياسي ينتج عن المكانة المتأخرة للمرأة، التي تنعكس سلباً على مشاركتها في الحياة السياسية. فبحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة هناك علاقة ما بين العنف ضد المرأة، والمشاركة السياسية، حيث مشاركة المرأة في الحياة العامة يؤدي إلى زيادة فرص تعرض المرأة للعنف وله أشكال متعددة.
1 ــ العنف النفسي/ الشخصي
هو سلوك عدائي لإلحاق ضرر معنوي بالضحية وإخافتها كا تلقي تهديدات عنيفة على المستوى الشخصي أو الجسدي والتعرض للضغط والابتزاز، كالتهديد بتشويه سمعتها ومكانتها في المجتمع ونقد لباسها وشكلها أو حرمانها من الفرص وتهميشها.
2 ـ العنف الجسدي:
هو اذية أجساد النساء بشكل مباشر، أو أذية أفرا د أسرتها كالاغتيال والخطف والضرب والعنف المنزلي.
3 ـ عنف من القواعد الشعبية:
هو الضغط على المرأة من منطلق الانتماء للعائلة و تحميلها ذنب التسبب بالإساءة لسمعة العائلة في حال ممارستها لعملها السياسي، ومنعها من الترشح أو اجبارها على التصويت لأشخاص محددين.
4 ـ العنف الاقتصادي:
هو سلوك يعمل على التحكم ومصادرة الموارد والفرص الاقتصادية للنساء مما يمنعها من ممارستها الأنشطة السياسية، وقد تُمنع المرأة بشكل منسق ومنهجي من الحصول على الموارد المالية والاقتصادية المتوفرة لنظرائها الذكور، فلا تحصل على الموارد اللازمة لحملتها الدعائية الانتخابية أو أنشطتها السياسية.
العنف السيبراني/ الالكتروني:
يشمل الإساءة للنساء في مواقع التواصل الاجتماعي مثل القرصنة الالكترونية للحسابات الشخصية للضغط عليهن وتعريضهن للاستغلال والتنمر. ويعد العنف الالكتروني الأكثر شيوعاً حالياً بسبب سهولة استخدام التكنولوجيا وانتشارها، فيشكل تحديا أمام النساء لما قد يتركه من أثر نفسي واقتصادي واجتماعي عليهن.
لذلك ينبغي وضع تشريعات رادعة وبنفس الوقت توضيح الفرق بين حرية التعبير لدى المواطنين وخطاب الكراهية القائم على أساس تمييزي مستهدفاً النساء السياسيات و القياديات.
5 ـ العنف التشريعي:
وهو العنف القائم على التمييز التشريعي السلبي تجاه النساء ويتضمن عدم مراعاة احتياجات الجنسين عند إعداد أو صياغة التشريعات الناظمة للحياة العامة أو اقصاء النساء أو انعدام تجريم العنف الممارس ضد النساء السياسيات والناشطات النسويات أو تبريرها قانونياً، وهو على عدة مستويات منها القوانين والأنظمة والتعليمات.
6 ـ العنف الجنسي:
ويشمل التحرش والمضايقات الجنسية بأنواعها في أوساط العمل أو خارجها.
ولمواجهة العنف ضد النساء السياسيات:
1 ـ يجب رصد هذا العنف من خلال تعاون المنظمات النسوية لرصد التحولات التي تطرأ على أشكاله وانتشاره و شدته وتأثيره على أداء النساء القيادي والسياسي في كافة المناطق السورية سواء المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أو خارجها، وتوثيقها بتقرير سنوي يقيم أداء السلطات المختلفة والمؤثرة في مراكز صناعة القرار ومدى حمايتها للنساء.
2 ـ ضرورة التعاون في إقامة حملات توعية بخطورة هذا العنف و خطورة استبعاد النساء من العمل السياسي و العام على كافة المستويات بدأ من القاعدة المجتمعية وصولاً إلى صناع القرار.
3 ـ العمل على وضع مبدأ مناهضة العنف ضد النساء بكافة أشكاله ضمن المبادئ الدستورية وإصدار قانون خاص مرتبط بالعنف ضد النساء في الإطار السياسي و تجريم الأفعال التي تأخذ طابع تمييزي ضد النساء و تستخدم أدوات سياسية وتستهدف النساء القياديات والسياسيات والعاملات في الشأن العام والمرشحات والناخبات وناشطات المجتمع المدني والنسويات وأفراد أسرهن، الذي يهدف إلى منع مشاركة النساء في الأعمال السياسية والمدنية وتأمين مساحات أمنة للنساء من خلال جندرة مؤسسات الأمن و القضاء، وتشجيع النساء ودعمهن في مواجهة كل أنواع العنف الذي قد يتعرضن له والحديث عنه لأن الصمت أحد أسباب ازدياده واستمراره.
4 ـ يجب أن لا ننسى دور وسائل الإعلام لنشر ثقافة رفض العنف بأنواعه، ومن ضمنها العنف الموجه ضد النساء السياسيات و إبراز أهمية دور المرأة في الحياة العامة على كافة الصعد.
إن وجود فهم عام، بأن هذا العنف الذي تتعرض له المرأة، هو جزء من الثمن الذي يجب عليها أن تتحمله، مقابل مشاركتها في الحياة السياسية يجب العمل على تغييره لأن ثمن هذا العنف هو بناء مشوه للدولة والمجتمع بسبب إقصاء النساء عن العمل السياسي.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”