إدلب – سونيا العلي
في ظل تدهور الأحوال المعيشية لمعظم أهالي إدلب الواقعة في الشمال السوري، وشح فرص العمل، يتجه الكثير من النازحين وذوي الدخل المحدود للعمل في جمع ثمار نبات “القبار” أو ما يعرف ب”الشفلح” من الجبال والبراري بهدف بيعها، والاستفادة من مردودها في تحصيل مستلزمات المعيشة التي صعبتها الحرب، علماً أن أغلب الذين يزاولون هذا العمل هم من الأطفال والنساء نظراً لغياب الفرص البديلة والحاجة الملحة لأي مصدر دخل .
في رحلة محفوفة بالمخاطر تنطلق دلال الحامد(35 عاماً) مع أولادها فجر كل يوم من مخيم كفرلوسين بريف إدلب الشمالي إلى الأحراش والبيادر والبساتين وحواف الطرقات العامة القريبة من المخيم، بهدف جمع ثمار القبار الخضراء، وعن عملها المضني تتحدث لشبكة المرأة السورية بالقول: “بعد وفاة زوجي في الحرب، ونزوحنا من مدينة سراقب بداية عام 2020 أصبحت مجبرة على البحث عن أية فرصة عمل، لأتمكن من الإنفاق على أولادي الأربعة، ورغم المشقة والتعب إلا أن رؤية شجيرات القبار الكثيرة والممتدة المليئة بالثمار كفيلة بإدخال الفرح إلى قلوبنا، وخاصة أننا نحظى بعمل طوال فصلي الصيف والخريف يجنبنا الحاجة والعوز .
وتبين أن عملها مع أولادها يبدأ من الساعة الخامسة فجراً ويستمر حتى العاشرة صباحاً، كما تعمل في المساء لمدة ثلاث ساعات أو أربع حتى يخيم الظلام، مؤكدة أنها تجمع يومياً ما يقارب 5 كيلوغرامات من ثمار القبار، ثم تعود أدراجها نحو بيتها، مكملة عملها بفرز الثمار وتنقيتها من العيدان والأوراق قبل تسليمها لأحد التجار، حيث تبيع كل كيلو غرام بحوالي دولار ونصف، وتضيف: “صحيح أن هذا المبلغ ليس كافياً، لكنه يسمح بتأمين بعض النفقات دون انتظار المساعدات الإغائية .”
وتؤكد الحامد أنها تحاول من مردود عملها توفير بعض النقود لتحضير مؤونة الشتاء، وتبين أنها تواجه مع أولادها العديد من المخاطر، جراء العمل تحت أشعة الشمس، والتعرض لمخاطر وجود مخلفات الحرب والقنابل غير المنفجرة بين أغصان النبات، فضلاً عن انتشار الزواحف والأفاعي في المناطق الصخرية الوعرة .
من جانبها الطفلة ريمة المصطفى (10 سنوات) النازحة من مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم على أطراف مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، تذهب برفقة أخوتها الثلاثة لجمع القبار، وعن ذلك تقول: “النبات مليء بالأشواك القاسية التي تسبب لنا الجروح وتدمي أيدينا أثناء جني الثمار، ولكننا نضطر للعمل لتحصيل قوت يومنا، ومساعدة والدنا العاطل عن العمل، بعد تعرضه لإصابة حربية في رأسه أفقدته حاسة البصر”.
وتلفت الطفلة أنها تبيع ما تجمعه لأشخاص متخصصين بهذا العمل، يقومون بدورهم بتصريفه لتجار آخرين .
كذلك كوثر الحسين (50 عاماً) من قرية كفريحمول شمال إدلب، تشعر أن شجيرات القبار التي نبتت في أرضها الزراعية بمثابة كنز لا يقدر بثمن، وعن سبب ذلك تقول: “في البداية كنا نعتقد أن القبار من النباتات الضارة ونعمل على قلعها والتخلص منها، وبعد اكتشاف فوائده العلاجية أصبحنا نبيع ثماره ونجني من مردوده نفقاتنا طوال فصل الصيف، باعتبار ثماره تتجدد بعد حوالي أسبوع من قطافها”.
خبير الأعشاب عبد الله النفوس (46 عاماً) من مدينة إدلب يتحدث عن فوائد القبار واستخداماته بالقول: “ثمرة القبار أو ما يسمى (الشّفلح) هو نبات بري ينمو في مناطق مختلفة من الأراضي السورية، ويتم تجميع ثماره وفرزها حسب حجم الثمرة، وحفظها في براميل بلاستيكية خاصة بعد إضافة الماء والملح إليها، ثم يتم تصديرها إلى معامل أدوية ومؤسسات طبية وغذائية في تركيا”.
ويشير النفوس أن عشبة القبار تدخل في صناعة المخللات، كما تضاف إلى وجبات اللحوم والأسماك لإعطائها نكهات طيبة، فضلاً عن فوائدها الطبية الجمّة، فهي تنشط الطحال والكبد وتعالج أمراض الكلى، كما يحمل هذا النبات كثيراً من الفوائد لأمراض السكري واحتقان الصدر والتخلص من الديدان المعوية والالتهابات الفطرية، إلى جانب احتوائه على نسب عالية من الفيتامينات والمعادن .
في بلد أنهكته الحرب يرزح معظم أهالي إدلب تحت وطأة الفقر والنزوح وغلاء الأسعار، لذا يتحدى الأهالي قسوة الظروف، ويبحثون عن سبل العيش التي تخفف عنهم الأعباء المادية وتساعدهم على البقاء.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”