نوار سعيد
رغم حصولها على جائزة نوبل للآداب لعام 2022، تصف الكاتبة الفرنسية آني إرنو نفسها بأنها “امرأة تكتب وهذا كل شيء”. فهل هي فعلاً مجرد امرأة تكتب؟
تقول إرنو في تعليقها على طلاقها : “حصلت على حريتي، لقد عانيت بدون تلك الحرية، حتى لو كنت في زواج محب، إنها قصة حياتي ولكنها أيضًا قصة آلاف النساء اللائي كن أيضًا يبحثن عن الحرية والتحرر”.
ومُنحت إرنو نوبل نظراً “للشجاعة والدقة السريرية التي قامت من خلالهما بكشف الجذور والتنافر والقيود الجمعية للذاكرة الشخصية”. وربما يبدو استخدام مصطلح «الدقة السريرية» غريباً، لكونه أقرب إلى عالم الطب، لكن ربما أرادت لجنة نوبل، أن توضح دقة وبراعة إرنو في تشريح الشخصية. وتركز بصورة كبيرة على أعمال السير الذاتية. بدأت آني إرنو الكتابة الأدبية في عام 1974 برواية “خزائن فارغة”، وهي رواية عن سيرتها الذاتية.
في عام 1984، فازت بجائزة “رينودو” عن عمل من أعمالها في السيرة الذاتية هو “المكان”، ويركز على علاقتها مع والدها وتجاربها التي نشأت في بلدة صغيرة في فرنسا، وعملية انتقالها اللاحقة إلى مرحلة البلوغ بعيداً عن موطن والديها الأصلي.
وسجلت الكاتبةُ التغييرات الاجتماعية لوالديها في عمليها: “المكان” و”العار”، وسنوات مراهقتها في كتابها: “ما يقولونه أو لا شيء”، وزواجَها في “المرأة المجمدة”، كما تتحدث عن علاقتَها العاطفية مع رجل من أوروبا الشرقية في “غواية بسيطة”، وتتحدث عن إجهاضَها في كتابها “الحدث”، وعن مرضَ ألزهايمر في “لم أخرج من ليلتي”، وتحدثت عن وفاةَ والدتها في كتاب “امرأة”، وعن سرطان الثدي في كتابها “استخدام الصورة”. وكتبت إرنو أيضاً كتاب “حاد كالسكين” مع الأديب الفرنسي فريدريك إيف جانيت.
أعمال مترجمة للعربية
المكان، الحدث، احتلال، البنت الأخرى، لم أخرج من ليلي، انظر إلى الأضواء يا حبيبي، شغف بسيط، امرأة، مذكرات فتاة،
والمعروف عن إرنو أسلوبها السهل الممتنع، حيث تمتلك في أفضل حالاتها، القدرة على تحسين التجربة العادية، وتجريدها من اللامبالاة والاستطراد، واختزالها إلى نوع من الأيقونات لروح أواخر القرن العشرين.
ولدت إرنو عام 1940 في نورماندي وهي ابنة أبوين من الطبقة العاملة، وكان كتابها الأول في عام 1974 عن تجربة إجهاضها، وهي تعيش في سيرجي، في الضواحي الشمالية الغربية لباريس، ولديها ولدان وحصلت على العديد من الجوائز الأدبية الفرنسية.
إرنو صاحبة موقف مؤيد للقضية الفلسطينية، بل إنها كانت من الكتاب القلائل الذين انضموا إلى حملة مقاطعة المنتجات الزراعية الإسرائيلية التي تمت زراعتها في الأراضي العربية المحتلة. كتابتها جريئة، لكنها ليست إباحية، وتكتب في منطقة وسط بين السيرة الذاتية والرواية، ولها أسلوب مميز في السرد وهي تتجول في ضمير الراوي بشكل حر ومتنوع، فتخلط بين (الأنا، وهم، وهي) بشكل مميز.
بدأت إرنو كتابة السيرة الذاتية حيث تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على الرواية المستمدة أحداثها من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية. من هنا أصبحنا نجد أن كلّ رواية من روايات الكاتبة الفرنسية آني إرنو، تدور حول تيمة معينة. ففي كتاب “امرأة”، تتحدث الكاتبة عن أمها، وعن الانتظار العاشق في كتاب “شغف بسيط” وعن الإجهاض في كتاب “الحدث”، الخ… عبر لغة خالية من الأسلوب المنمق.
يشكل المشروع الروائي الذي تعمل عليه إرنو تفصيلاً حياتياً مثل الإجهاض، علاقة حب، موت الأب، التي تشكل في النهاية مرجعاً ما في سلم الوجود. لحظات هي بدون شك التي تؤسس جوهر الحياة الكبير. حياة متقطعة، تقدمها إلينا الروائية الفرنسية من كتاب إلى آخر، لذلك تبدو رواياتها، كأنها لعبة بازل، حيث تشكل كل واحدة منها قطعة منفردة، لكن إن جمعناها معاً، لظهرت أمامنا الصورة بشكل متكامل.
أدب حقيقي
ما يلفت النظر فى أسلوب آنى ارنو هو التوثيق، إذ لا تتحرى الصنعة أبداً في أى مقطع أدبي، بل تستخدم العامية وتعبيرات الشارع بما فى ذلك التعبيرات التى يصفها الناس بالمبتذلة كما تميل بالإضافة إلى ذلك لإظهار المشاعر الحقيقية مهما بدت استنكارية أو انتقامية أو غاضبة أو مخالفة لقواعد المجتمع، إنه ما يمكن القول عنه تعبير خام عن الذات، وكأنها أرادت القول إن هذا هو الأدب الحقيقي.
هناك من يعتبر كتابات إرنو مجرد حكايات سخيفة لا قمية لها، في الوقت الذي سجلت فيه تحولاتها وصراعها مع الزمن بأسلوب سردي سلس وبسيط يليق بأهمية تلك الأحداث، مثل إصابة والدتها الذكية والنشيطة بمرض ألزهايمر، وتسجيل ابنتها للتدهور العقلي الذي يتم أمام عينيها في رواية “امرأة”، أو “مشكلة الإجهاض في “الخزائن الفارغة” وكذلك في رواية “الحدث”، أو مشكلة المرأة واللاعدالة بين الرجل والمرأة في المهام اليومية التي كثيرا ما تحبس المرأة وتقتلها وتسرق منها حقها في الاستمتاع بالوقت والحياة في رواية “امرأة متجمدة” التي أصبحت مرجعاً مهما عند الحركة النسوية، في الستينيات. ثالثا اعتبارها، بلا اي مقياس علمي، مؤسسة ومجددة للسيرة الذاتية وسيدة الالتزام الحديث متناسين أن التزامها ليس سياسياً ولكن الالتزام بالأقدار البشرية ومعضلاتها”، حسب رأي الكاتب الجزائري واسيني الأعرج.
وقد ظهر في كتب إرنو الأخيرة تقدمها في مجال العلاقة ما بين الكائن الفرد والكتابة. حيث لم تترك أي شيء في الظل. كذلك نجد أنها أبدعت، خلافاً لمن سبقها في هذا الحقل، في عرض ذاتها الداخلية وتعريتها أمام الجميع.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”