دمشق – سلوى زكزك
يقول الخبر أن: 93 بالمئة من المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة في إيران، والتي أعقبت مقتل الشابة مهيسا اميني على يد شرطة الأخلاق بسبب ما اسموه (حجاب سيئ)، تقل أعمارهم عن خمس وعشرين عاماً، ويقول خبر آخر أن أكثر من سبعين بالمئة من هذه النسبة هي من الشابات.
نجلس مساء حول طاولة قهوة، عدة نساء اشتغلن وما زلن في الشأن العام وخاصة حقوق النساء، تفرحنا الأخبار كثيراً، نتداول إبداع التمرد، إبداع موشى بالحزن، حين تقص شابة شعرها فوق قبر أمها (مينو وجدي)، لكنها تقف هناك بلا حجاب، وصورة أمها على شاهدة قبرها بلا حجاب أيضاً، أمها القتيلة المقتولة في الاحتجاجات، لقد تغيرت الصورة إذن!
للنار معنى جديد اليوم، تلتهم النار حجابات النساء بإرادتهن الخاصة، تلتهم الأوامر القسرية بارتدائه وإلزاميته، توقظ النار اليوم وجه النساء الضحايا، تلون خدودهن باللون القرمزي فتنتعش القلوب وتصرخ الحناجر.
منذ ما يقارب الشهر، نظمنا شعراً شعبياً وقصائد بطولية للشابة اللبنانية (سالي نصر الله) التي هاجمت مصرفاً لبنانياً بمسدس بلاستيك لتحصل على جزء يعادل أكثر من نصف مدخراتها في ذاك المصرف، كتبت إحدى الصديقات في مديح بسالة سالي يومها: البنت بتسوى شب وسالي بتسوى دزينة، هي الأهزوجة الشعبية البسيطة التي كانت مخصصة للشباب وخاصة لشاب مميز باتت للنساء الشابات الثائرات.
تأثرنا حينها بمقولات ذكورية عدة تقول: إذا رجالها لم يقدروا عليها فقد قدرت عليها النساء، وكان أخذ الحقوق والمطالبة بها هي فعل حصري للرجال، خطاب مشجع في عمقه لكنه تمييزي، لكن أثره ومحله الجديد من الإعراب انقلب أيضاً بفعل نسوي إلى وسم يمتدح بسالة النساء، فعل، قيل إنه شجع موظف في وظيفة رسمية بأن يتبع نفس اسلوب سالي ليحصل على مدخراته، قال أحدهم يومها: ليش لا؟ إذا النسوان عملوها فعيب على الرجال ألا يفعلونها.
تختبر النساء شهوة الثورة في دمائهن، في كل اعتراض ثورة كامنة، تقول سراب: أتذكر اليوم معركة إصراري على ارتداء بنطال جينز للمرة الأولى، اشتكى زوجي لأبي وقال له بالحرف الواحد:(بنتك حابة ترجع للمراهقة)، اتصل أبي وقال لي: (كبري عقلك انت امرأة متزوجة ولديك بنات وأبناء)، كان زوجي يعرف تماما أن معركته ليست معي مباشرة، بل مع روح الثورة في أعماقي كامرأة، هرب من المواجهة واختار حلا أسهل ومضمون النتائج، فلجأ إلى نقطة ضعفي، وهي أبي! الأصول مسؤولة حتى عن شكلنا الخارجي، استغل زوجي التزامي ببر والدي وحرصي على كسب رضاه ومحبته، لم يواجهني، لأنه اعتبر في تلك اللحظة أنني أقل من أكون نداً له يواجهني وأواجهه، لجأ إلى القاعدة الثابتة والمدفونة عميقا فينا، قاعدة الولاء والالتزام ولو عن غير رضى، التزام صوري وهش، لكن لا يمكن العبث به أبدا وكأنه جذر لا يجب مسه ابدا وإلا ستموت الأشجار واقفة.
تداولنا في جلسة نميمتنا الثورية كما اصطلحنا على تسميتها في لحظة اجتمع فيها الإحباط والعجز بالغيرة من كل ما يحصل! وجوه الشابات المنتفضات في الساحات بفرح، دققنا كثيرا في انتصابة أجسادهن، كما كان جسد سالي وهي تقف على الطاولة في البنك حيث تسرق الودائع ويحرم أصحابها منها، أشارت صديقتي إلى أن عائلات بأكملها كانت تخرج معاً إلى الساحات، غمرتنا لحظة ضعف عابرة، فطالما نظرنا إلى العائلة كسند، كحماية، إذن تكتمل هنا شروط القوة، ماذا عن عائلاتنا التي لا تساندنا؟ ماذا عن شابات تتعدد صورهن في يوم واحد بأزياء مختلفة، في الحارة حجاب وفي الجامعة بلا حجاب وفي الزيارات العائلية وشاح خفيف وبنطال جينز وربما قميص بأكمام قصيرة أو ثلاثة أرباع الكم، تناقض صارخ، يكون معروفا أحيانا من قبل الأهل أو ألم والأخوات، لكن مسكوت عنه ومقبول طالما أننا كالسحالي نتلون حسب أماكن وجودنا للحماية والعيش فقط وليس لإثبات الرغبة بأن نكون في كل زمان ومكان بزي واحد كما نريد! أن نكون نحن.
وسالي أيضاً، كانت عائلتها تبارك خطوتها وتساندها وتنتظرها لكن بكامل الخوف والقلق، والزهو أيضاً! عدا عن تضامن ودعم العائلة الأوسع من مجتمع نهشه الظلم والجوع والتسلط حتى بات متعلقا كما الغريق بتشكيل صورة جديدة، صورة لشابة تقتحم مصرفاً بمسدس بلاستيكي خارج معايير التقييمات القانونية أو الأخلاقية التقليدية، كما في الساحات كذلك في البيوت، تنتفض القلوب لتغيير الصورة، نحدق طويلا في عظمة الشعور المفرودة بحرية تتطاير على ظهور الشابات، صور تنعش الروح، صورة لها ألف معنى، ومعان تنشد الخلاص والحقوق.
تتدفق الصور، كنا قد حلمنا بها سابقا، لكنها كما في الشاشات كذلك على الأرض، حية وصاخبة وصارخة، وبنطال سراب صار زياً عائلياً، كسبت سراب معركة ارتدائه، عندما قالت لوالدها: سأرتديه إلى العمل وفي السوق وعندما أزورك سآتي بالتنورة الطويلة والعريضة التي اعتدت عليها لتمنحني شرف بنوتك وقبولك لي! أذعن الأب، أذعن الزوج، حين قالت له سراب سأترك العمل وأتفرغ للعبادة وستشتري لي معطفاً وحجابات وتنانير بالجملة من مالك الخاص.
في كسر إطار الصورة، يكمن تغيير ما، ليس كافياً ولا مثمراً كما ينبغي لمواسم معطاءة، لكنه الطريق، وكسر الإطار هو لحظة الخروج منه، وهنا جوهر الإنجاز.
وفيما تقوله الأخبار كثير من الترقب والحذر، لكن بمزيد من الأمل والانتعاش أيضاً.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”