الحلقة الرابعة: المرأة الجديدة
اعداد : أسامة العاشور
غيّر نمو الرأسمالية النظام الاجتماعي القديم ، وأدى إلى نشوء طبقات وفئات جديدة واصبحت قضية حقوق المرأة أحد الحقوق الديمقراطية الأساسية وأن النضال من أجل تحرير المرأة جزء لا يتجزأ من حركات المقاومة الوطنية.
أظهرت ثورة 1905 الروسية إمكانية الإطاحة بالسلطة الاستبدادية ، وطنية كانت أم أجنبية و اجتذب انتصار اليابان على روسيا القيصرية في حرب منشوريا عام 1905 ، ونجاحها السريع في سياسات التحديث والتصنيع العديد من الطلاب والمنفيين السياسيين من الصين وكوريا وفيتنام . وأثار استشهاد المقاتلين والمضربين عن الطعام الايرلنديين المطالبين بالحرية , تضامن العديد من المناضلين الأسيويين والأفارقة ، ممن كانوا في أوروبا في أوائل القرن العشرين وتوجهوا الى زيارة ايرلندا [1] و أحيت الإطاحة بسلالة المائشو وإعلان صن يان صن الجمهورية الصينية في عام 1912 ، وثورة تركيا الفتاة ، في عام 1908 ، وإعلان مصطفى کمال الجمهورية في عام 1922 ، وانتصار الثورة الروسية في عام 1917. وأخبار الانتفاضات في الهند ومصر وإيران وفيتنام الآمال في أغلب الدول المستعمَرة بتغيير كبير
كانت النساء ، من وجهة نظر الرأسماليين وملاك الأراضي المحليين ، ارخص مصدر للعمالة في المصانع والمزارع ، ومن وجهة نظر السلطات الاستعمارية والمبشرين ، زوجات وامهات صالحات ( ويُفضل مسيحيات ) للموظفين المهنيين وأصحاب الياقات البيضاء الذين يتلقون تأهيلهم من أجل إمداد الاقتصاد الاستعماري بالعاملين . ومن وجهة نظر الإصلاحيين الذكور ، من البرجوازية المحلية ، كان يجب تغريب النساء وتعليمهن من أجل تعزيز الصورة المتحضرة والعصرية عن بلادهم وأنفسهم ، وليؤثرن تأثيرا جيدا في الجيل التالي ؛ فازداد الطلب على ربات البيوت المتحضرات وعلى التعليم الجماهيري. الذي دخل الى جميع البلدان المشمولة في هذا البحث عبر القوى الاستعمارية ، بوصفه عملية تبشيرية وعملية لتأهيل كوادر إدارية محلية ، ولكنه أصبح في نهاية المطاف وسيلة. لتقديم المعرفة في العلوم الحديثة و مهد الطريق لمحو الأمية بين الجماهير و الركيزة التي أمكن على أساسها تأسيس الصحف والمجلات التي مكنت من أن يكون للحوادث السياسية في بلد ما أثر سريع في القوميين والثوريين في بلد آخر ، كان الرجل البرجوازي الجديد ، الذي هو نفسه نتاج الثقافة الغربية أو تأثير المبشرين بحاجة إلى أن تكون “شريكته ” امرأة جديدة ، متعلمة بلغة أجنبية حسب البلد المعني ، وتلبس على الطراز الجديد ، وتواكب الطرق الغربية ؛ امرأة لائقة في المجتمع الاستعماري ، غير أن دورها يقتصر على المنزل بالدرجة الأولى ..
وتبنى رجال الطبقة المثقفة ونساؤها بحماس مفهوم المرأة الجديدة ومصطلحاته التي كانت رائجة جدا في أوروبا في القرن التاسع عشر . فعلى سبيل المثال ، حمل کتاب قاسم أمين عام 1901 ، عنوان ” المرأة الجديدة” ؛ وفي عام 1919 ، شكلت نساء مصريات “جمعية المرأة الجديدة “. وفي العام نفسه أسست جمعية المرأة الجديدة في اليابان ، و حملت مجلات نسائية اسم المرأة الجديدة في الصين و كوريا عامي 1919 و 1920 على التوالي
كان على النساء الجديدات أن يظهرن أنهن نقيض كل ما اعتبر رجعيا في المجتمع القديم : فهن لم يعدن منعزلات ، ولا محجبات ، ولا أميات بعقول وأقدام مقيدة ، ولا مهددات بالموت على محرقة جنازة الأزواج ، ورغم استخدام مصطلح المرأة الجديدة في بلدان عديدة ، ولكن معناه وتطبيقه اختلف حسب ثقافة كل بلد ؛ فكان التركيز في بعض الدول الإسلامية على نبذ اللباس التقليدي ونسخ الأنماط الغربية في لباس النساء ، بما في ذلك أحدث الأزياء ، ونظر الحداثيون إلى الحجاب على أنه دليل على تخلف المرأة وإقصائها،[2]
كما أُولي خلع الحجاب أهمية كبيرة باعتباره رمزا للنظام الإقطاعي ، وأصبحت المناسبات التي ظهرت فيها نساء بارزات سافرات لحظات مثيرة في تحدي النظام القديم ، كظهور القائدة البابية طاهرة قرة العين ، سافرة في إيران ، في أربعينيات القرن التاسع عشر وظهور ملكة أفغانستان ثريا الطرزي [3] – سورية المولد – سافرة أمام الملأ في عام 1928 ، وملكة إيران في عام 1936 ؛ وظهور لطيفة خانم ، من دون حجاب في حفل زفافها مع مصطفى کمال عام ( 1922 ) ؛ ورمي هدى شعراوي بحجابها علنا في البحر ( 1923 ) وأظهرت نسويات عديدات ونساء متحررات في العالم الإسلامي واليابان والصين وكوريا شعرهن تحدياً للتقاليد وتماشيا مع الموضة العصرية وكرمز للجمال في عالم جديد ،
لكن هذه لم تكن هي الصورة الكاملة، إذ في بحث البرجوازية الناشئة عن هوية وطنية، رأت أنه لا يمكن أن تكون المرأة الجديدة نسفا كاملا للثقافة التقليدية. وعلى الرغم من أن الواجب يفترض إلغاء بعض الممارسات الظالمة ظلما واضحا ، وإشراك النساء في نشاطات خارج المنزل ، ولكن مازال عليهن التصرف بوصفهن حارسات للثقافة الوطنية والدين الأصلي والتقاليد الأسرية ؛ أي أن يكنّ عصريات وتقليديات في الوقت نفسه
يتبع
[1] ، زارها نهرو في عام 1907 ،
[2] سجن جميل صدقي الزهاوي في عام 1911 ، بتهمة التحريض على الفتنة لأنه دعا إلى التخلص من الحجاب في العراق ،
[3] –ولدت في دمشق سنة 1899 لأب من أصول أفغانية، وأم حلبية من آل فتال. تزوجت ولي العهد أمان الله خان.عام 1913 واستلم الامارة عام 1919 و اصبحت ملكة بعد تحول افغانستان الى مملكة عام 1926 ، منحتها جامعة أوكسفورد شهادة فخرية سنة 1928 لدورها في جعل تعليم البنات إلزاميًا في أفغانستان تخلى زوجها عن العرش عام 1929 ، وغادرا افغانستان وتوفيت عام 1968 في روما