Search
Close this search box.

كتاب النسوية والقومية في العالم الثالث (الحلقة 3)

كتاب النسوية والقومية في العالم الثالث (الحلقة 3)

 

اعداد : أسامة العاشور

 تتناول هذه الدراسات  نشوء النسوية المبكرة والحركات المطالبة بمشاركة النساء في الصراعات السياسية في بلدان مختارة من الشرق في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين . وفي أنماط الحركات النسائية وخصائصها ، حسبما تكشف تفاصيل الدراسات القطرية في هذا الكتاب .

الحلقة الثالثة  : قضايا  المرأة والقومية والدين

لا توجد الحركات النسائية في فراغ ، بل  تشكل جزءً من الحركات الاجتماعية الأوسع ، إن وعي المجتمع العام لنفسه ومستقبله وبنيته ودور الرجال والنساء فيه ، يستتبع قيودا على الحركة النسائية وتحدد بشكل عام – أهدافها وأساليب نضالها .

 رغم نضالات النساء الشجاعات اللواتي استبسلن ، عن وعي ، لتخطي تلك القيود في السعي لتحقيق الأهداف التي تعرّف اليوم على أنها نسوية ، لكنهن فشلن بسبب تدني مستويات الوعي العام .

تبنى إصلاحيون عديدون في آسيا – تحت ضغط الحاجة إلى تحديث مجتمعاتهم ، وقد واجهتهم مجتمعات متطورة وقوية بما يكفي لإخضاعهم – فكرة أن حرية المرأة في المجتمعات الغربية هي مفتاح تقدم الغرب ، وجادلوا بأن التخلف الشرفي يعود جزئيا إلى مكانة المرأة المتدنية  ،و نادی – على سبيل المثال – فوکوزاوا بوکيشي [1]، ، بالمساواة بين الجنسين . وانتقد ، في كتابه” تشجيع التعليم ” العلاقات التقليدية بين الرجال. والنساء وايد الزواج الاحادي وحرية الاختيار في الزواج لجعل المجتمع الياباني اكثر لياقة وتحضرا .

 كان على القوميين ، الذين تحدوا العدوان الأجنبي ، أن يواجهوا مشكلة تأكيد الهوية الوطنية عبر مكافحة الظلامية ، وإصلاح البني والتقاليد الثقافية والدينية القائمة وعقلتها ،  وفي الوقت نفسه ، إحياء ما كان يعرف على أنه تقاليد حقيقية وأصيلة من ماض سحيق ومستقل . ولدى قيامهم بذلك ، تأثروا بالمستشرقين الأوروبيين الذين مجدوا الحضارات والتقاليد الثقافية الأسيوية ، كما تأثروا بالفكر السياسي الغربي أيضا . وألهمتهم ، على وجه الخصوص ، شعارات الحرية والمساواة والإخاء التي نادى بها المفكرون الثوريون الفرنسيون في القرن الثامن عشر ووجهات نظرهم المعادية للدين ، وضمن سياق استعماري ، او شبه استعماري ، كان لمناهضة المسيحية والأنشطة التبشيرية مضامين مناهضة للإمبريالية ، كما منح تحدي المسيحية في أوروبا ، بما فيها الصراعات السياسية المريرة بين الدولة والكنيسة ، والفصل بين الدين والسياسة وعلمنة المجتمع التي جرت في عديد من البلدان الأوروبية  ، زخما لحركات الإحياء الثقافي الوطنية الموجودة أصلا ( كما في الهند وسريلانكا ) ولتأثير المفكرين الأحرار والتصوف وجميع الحركات المعادية للمسيحية ورجال الدين في القرن التاسع عشر ،

بالعموم ، اتخذ الإحياء الديني الشكل نفسه في معظم الدول الآسيوية ، وهو  إعادة تفسير النصوص المقدسة وإصلاح الهياكل الدينية ؛ مما أدى ، في بعض الحالات ، إلى الحد من نفوذ رجال الدين . واعتبرت السلطة الدينية ، في بلدان آسيوية عديدة ، رجعية وداعمة للأنظمة الإقطاعية الفاسدة ، وبذلك فهي تعيق نمو القومية وتمنع الإصلاحات اللازمة في البنية الفوقية للنظام الاجتماعي ، مثل التدابير الرامية إلى تحرير المرأة . ، و ربما كانت الجهود المبذولة لتقليص نفوذ السلطات الدينية أكثر وضوحا في البلدان ذات التراتبيات الراسخة ، كما في الإسلام . حيث لوحظ الاندفاع نحو بناء دولة علمانية بوضوح في حركة ” تركيا الفتاة ”  في بدايات القرن العشرين ، التي أثرت بدورها في سياسات البلدان الإسلامية المجاورة ، کان للإسلام أطول احتكاك مع أوروبا . فمنذ بداياته الأولى ، وهو يخوض معركة مستمرة مع المسيحية . لكن التحدي الذي واجهة الإسلام في القرن التاسع عشر لم يكن المسيحية ، بل العلمانية الأوروبية “ ، كما يقول برنارد لويس ، الفلسفة الخالية من الدلالات المسيحية الواضحة ، وظهرت في مجتمع غني وقوي ويتمدد بسرعة ، بدت لبعض المسلمين وكأنها حشد من النجاح الأوروبي ، وتقدم علاجا للضعف والفقر والتراجع ، وهي أمور كان إدراكهم لها يزداد .” في القرنين التاسع عشر والعشرين ، شكل الفكر العلماني الغربي عاملا حاسما في صياغة الوعي ، وفي وضع هياكل تتيح التخلص من هيمنة السلطة السياسية الغربية و مارست العلمانية الأوروبية ، وسلسلة من المذاهب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستوحاة منها ، سحرا مستمرا على اجبال متعاقبة من المسلمين ” .

إن ازدهار الليبرالية في القرن التاسع عشر ، ولاسيما أفكار جبریمې بينتام وجون ستيوارت ميل في بريطانيا ، والتحدي الاشتراكي من جانب الطوباويين الفرنسيين ، و فيما بعد الماركسيين ، قد أثر تأثيرا قويا في شرائح المثقفين الآسيويين . بالإضافة إلى ذلك انتشار الداروينية في آسيا ،. وبطريقة مماثلة ، أثرت العقلانية الأوروبية والماسونية والعلمانية والوضعية في تلك المجموعات الليبرالية والاشتراكية في آسيا وأفريقيا التي كانت أقل اهتماما بالإحياء الديني منها بالتغيير الاجتماعي .

 استولت البرجوازية على منظومة الأفكار الجديدة واستخدمتها وسيلة في محاولتها صوغ وعي وطني جديد وهیاکل سياسية علمانية معاصرة . لكن ، الحماس الأول الذي رافق متابعة هذه المثل العليا قد تقلص إلى حد ما ،

لقد أثبتت العقائد ما قبل الرأسمالية والأديان قدرة مدهشة على الاستمرار. وسرعان ما أدركت النخب الدينية والسياسية التقليدية مخاطر هذا الوعي الناشئ ، فحاولت مواجهة التحدي بطرق مختلفة كالانعزال الكامل في بعض البلدان ، والعودة إلى الأصولية

يتبع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] كان مترجما مع أول بعثة يابانية رسمية إلى أوروبا في عام ١٨٦٢

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »