الحلقة الثانية : النسوية والنضال القومي
اعداد : أسامة العاشور
يتناول هذا الكتاب القضايا العامة للنسوية وقضية تحرير المرأة ودور النساء في الصراعات السياسية في ظل نشاط متزايد للشعوب الآسيوية والافريقية ضد سيطرة الحكام الاستعماريين على بلدانهم . في القرنين التاسع عشر واوائل القرن العشرين
ارتبط النضال من أجل تحرير المرأة بالضرورة بالنضال من أجل التحرر الوطني في تلك الفترة ، وشكل جزءا مهما من الصراعات الديمقراطية ، في فترة لعبت فيها برجوازيات بعض الدول الاستعمارية ، أو شبه الاستعمارية ، دورا تقدميا ، فتقدمت نساء هذه الطبقة جنبا إلى جنب مع النساء الراديكاليات من طبقة البرجوازية الصغيرة والطبقة العاملة للنضال في المعارك المختلفة من أجل نيل الحقوق الديمقراطية . تقول الكاتبة ولكن للأسف فإن الكثيرات من النساء الجديدات ” في تلك الفترة ارتددن إلى أدوارهن المنزلية ، أو لم يظهرن اهتماما إلا بنضالات الحقوق المتساوية ضمن إطار الرأسمالية ودولة ما بعد الاستعمار التي احتفظت فيها البرجوازية بالسلطة . غير أن أخريات واصلن النضال ، وانضممن إلى الحركات الثورية من أجل التغيير الاقتصادي والاجتماعي ، وأدخلن منظورا نسويا ثوريا إلى الحركات السياسية ، ومازال نضالهن مستمرا في بلدان عديدة ، حيث شاركت النساء كمقاتلات في حركات التحرر الوطني وكمدافعات عن تحرير المرأة والاشتراكية”
غالبا ما يثير مصطلحا الحركة النسوية ” و ” الناشطة النسوية” انفعالا غير عقلاني و ردود فعل عدائية ، ويسبب كثيراً من الإرباك في بلدان العالم الثالث ، حيث يعتقد عموما أن النسوية ظاهرة حديثة ذات جذور في المجتمع الغربي ، ويمبل الناس إلى التغاضي عن حقيقة أن الكلمة كانت شائعة الاستخدام للدلالة على إثارة القضايا المتعلقة بالمرأة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في أماكن كثيرة من العالم ، بما يدحض زعم التقليديين والمحافظين السياسيين ، وحتى بعض اليساريين ، بأن “النسوية هي نتاج الرأسمالية الغربية المنحطة ، وأنها تقوم على ثقافة غريبة لا علاقة لها بالنساء في العالم الثالث ، وأنها أيديولوجيا نساء البرجوازية المحلية ، وأنها تُغرّب النساء او تحولهن عن ثقافتهن ودينهن ومسؤولياتهن العائلية ، من جهة ، وعن الصراعات الثورية من أجل التحرر الوطني والاشتراكية ، من جهة أخرى” ، وكذلك في الغرب ، ثمة وجهة نظر متمركزة أوروبيا تقول “إن الحركة من أجل تحرير النساء ليست أصيلة في آسيا وأفريقيا ، بل هي ظاهرة أوروبية غربية وشمال أميركية بحتة ، وحيثما ظهرت حركات من أجل تحرير المرأة أو نضالات نسوية في العالم الثالث ، لم تكن سوى تقليد للنماذج الغربية” .
تؤكد دراسات الكاتبة لتجارب اثني عشر بلدا على أن التسوية لم تفرض على العالم الثالث من جانب الغرب ، بل إن ظروفا تاريخية أنتجت بنيات اجتماعية واقتصادية جديدة وتغيرات أيديولوجية أثرت في المرأة من بينها تأثير الفكر الغربي ضمن عملية الاشتباك بين المجتمعات المستعمِرة والمستعمَرة وهو ما كان طبيعيا ويجب التسليم به في تلك الظروف التاريخية ، فالأساس في القضية هو وجود اضطهاد المرأة والذي يولد بدوره النضال من اجل رفع الظلم وتحقيق المساواة والعدالة
تتجاوز الحركات النسوية الحديثة الحركات التقليدية من أجل المساواة والتحرير التي تطالب بحقوق متساوية وإصلاحات قانونية لمعالجة التمييز السائد ضد المرأة . والتي غالبا ما كانت تتقدم النضال من أجل المساواة ، فإنها لا تعالج قضايا أساسية ، مثل : تبعية المرأة داخل الأسرة ، وسيطرة الأعراف والتقاليد والصور النمطية الجنسانية التي تكرس السيطرة الأبوية ، و الآن توسع معنى النسوية ليصبح “وعي اضطهاد النساء واستغلالهن داخل الأسرة وفي العمل وفي المجتمع ، والعمل الواعي من جانب النساء والرجال لتغيير هذا الوضع”
تستخدم كلمة ” نسوية ” ، في الكتاب ، بمعناها الأوسع ، لتضم الحركات النسائية من أجل المساواة ضمن النظام القائم ، والنضالات المهمة التي حاولت تغيير النظام ..وتؤكد الكاتبة على أن الحركات من اجل التحرير وتحقيق الاستقلال السياسي وتحديث المجتمع والحركات النسوية ترافقت في عديد من البلدان غير الأوروبية مع تأكيد الهوية القومية ، وقد واجهت البلدان المشمولة بالدراسة عميقا حقيقة الغزو الأجنبي أو الاحتلال أو العدوان ، وقاومته بطرق مختلفة ولكنها تقاطعت في ثلاثة جوانب مشتركة : الأول ، هو الرغبة في تنفيذ إصلاحات داخلية من أجل تحديث مجتمعاتها والاعتراف بحقوق المرأة ، إذ ارتأت أن ذلك ضروري لمكافحة السيطرة الرأسمالية الغربية بنجاح . الثاني ، هو تفكيك البني السابقة على الرأسمالية ، وخاصة السلالات الحاكمة والمعتقدات الدينية التي وقفت في طريق الإصلاحات الداخلية اللازمة و الثالث ، فهو التأكيد على الهوية القومية التي يمكن على اساسها تعبئة الشعب ضد المستعمِرين . ولكن النضالات النسوية التي نشأت في بلدان آسيوية عديدة ، أُخفيت بطريقة ما ، ولم يؤرخ لها بإنصاف ، وصُفيت الناشطات النسويات الجذريات ولم يُعترَف بنضالاتهن لا رسميا ولا مجتمعيا “
يتبع