عبير محمد
تعيش سماح مع زوجها وابنتين، في قرية دون دخل ثابت، حيث يعمل زوجها في دكان لتصليح الأجهزة، بدخل لا يكفي إعالة شخص واحد.
في بداية زواجهما ذهب الزوج للعمل في لبنان لكنه اضطر للعودة إلى قريته في سوريا بسبب أزمة صحية ألمت به، فعاد إلى دكانه الصغير ليتابع عمله فيه، مما دفع بزوجته سماح، الحاصلة على معهد صحي، للعمل في مجال صنع الطعام والحلويات وبيعه للناس، بالإضافة إلى عملها كمدربة في النادي الرياضي.
تقول سماح: “سأعمل كي لا أحتاج أحداً، ولتأمين مصروف المنزل ومصروف البنتين”. فهي تذهب صباحاً ومساءً للنادي وعندما تكون بالمنزل تؤمن احتياجات أسرتها ثم تبدأ بصنع ما يطلبه منها الناس. بينما زوجها يذهب للمحل عندما يستيقظ بساعة متأخرة من النهار ليجلس فيه منتظراً رزقه الذي قد يأتي وقد لا يأتي، وفي المساء يعود للبيت جالباً معه زوادة المساء من المشروبات الروحية ويجلس بالبيت شبه غائب عن الوعي بعد أن شرب الزجاجة كلها، وملأ الصحن بالسجائر. لتعاد الكرة في اليوم التالي، وعندما تسأله زوجته عن حالته هذه يرد بعبارات الاستهزاء، والإحباط بسبب وضع البلد المتدهور بشكل عام. لكن ذلك لا يمنعه من طلب المصروف منها.
هو أيضا لا يتوانى عن خيانتها كلما سنحت له الفرصة. فهو الرجل الذي يحق له مالا يحق لغيره، دون أدنى إحساس بالذنب أو الانزعاج. وتستمر بهما الحال هكذا، الزوجة تكافح، والزوج متذمر وعاجز عن ايجاد مخرج لوضعهم البائس.
كما سماح هناك هلا، التي تعيش هي وزوجها وثلاثة أولاد في فقر مدقع. زوجها يعمل مجنداً بالجيش براتب محدود، لا يكاد يكفيهم لتأمين الخبز.
فتسارع هلا للعمل في الحلويات حسب التوصية، مقتنعة أن هذا هو قدرها. هم يعيشون داخل منزل مكون من غرفة، ومع ذلك استطاعت هلا أن تبقي المنزل قائماً، واستطاعت أن تقدم لابنتيها وابنها الشاب ما يكاد يكفيهم من مصاريف.
هذا هو وضع أغلب نساءنا اللواتي عملن في مهن متعددة ليساعدن أزواجهن، وليبقين على حياتهن الأسرية مستقرة كعائلة عمادها الأب ظاهرياً والأم ضمنياً، التي عليها الركيزة الأكبر.
هناك أيضاً الفتيات العازبات اللواتي عملن لمساعدة أهاليهن، فكثير من الفتيات عملن بجميع القطاعات على الرغم من أن بعضهن كن مازلن طالبات، لتأمين مصروفهن ومساعدة أهاليهن.
هند، فتاة عشرينية، لم تكن منفتحة على العالم الخارجي، وكان عليها الذهاب للدراسة بالجامعة، لتنتقل من حياة القرية إلى حياة المدينة الكبيرة بكل تناقضاتها لتنخرط بالعمل الى جانب دراستها حيث كانت تساعد عائلتها من ذوي الدخل المحدود. فعندما ذهبت لتدرس بالجامعة، كان والدها بفترة تقاعده من عمله، مما اضطرها للعمل في أحد المصانع وإرسال القسم الأكبر من الراتب لأهلها لمساعدتهم في مصروفهم الشهري، وخصوصا أن أهلها عائلة مكونة من الأب والأم و7 أبناء، وكانوا بلا دخل.
لم تتأفف هند من وضعها لكن عملها كان على حساب دراستها التي بدأت تتراجع فيها، لضغط العمل الذي كان يبدأ من السادسة صباحاً وحتى السادسة مساء. وعلى الرغم من أن الأجر كان زهيداً، كانت هند تعمل بجد وعزيمة. عملت أيضاً في مجالات مختلفة أخرى مثل التعليم، حيث سافرت إلى المناطق النائية والبعيدة، لتعليم الأطفال، فتجمع كل ما تحصل عليه من أجر في نهاية العام الدراسي، وتعود إلى منزلها وتعطيه لوالدها.
أمثال هند الكثير من الفتيات اللواتي واجهن الحياة وحملن مسؤوليتها وهن صغيرات إما ليتكفلن بمصروفهن أو لمساعدة أهاليهن. كما هناك فتيات حققن النجاحات على كافة المستويات فكن ينجحن بدراستهن وبعملهن أيضاً. بينما أغلب الشباب الذكور يعتمدون على أهلهم في دراستهم وفي جميع أمور حياتهم.
هكذا هي حال النساء في مجتمعنا الذي نصفه يعمل بطاقاته الكاملة ليعيل أسرته والنصف الآخر مستسلم ويائس ويندب حظه.
نصف يعمل بالظل وبصمت دون تذمر والنصف الآخر يجلس على كرسيه العاجي دون حراك ليحصل في النهاية على ألقاب الريادة مثل عماد الأسرة، وسيد البيت.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”