جيهان الخلف
إعادة الإعمار في الشمال السوري، ليست عملية إنشائية ذات بعدٍ اقتصادي فحسب، بل هي إعادة إعمار للبنى التحتية، وإتاحة الفرص الحقيقية لبناء الإنسان في هذه المناطق، التي تعرّض فيها إلى تهتكٍ عميق بقدراته وآفاق تمكينه، نتيجة حالة الصراع السياسي في البلاد.
إعادة الإعمار في الشمال السوري من منظور نسوي، تقتضي أن تشترك النساء السوريات في هذه المنطقة في هذا المشروع، الذي يحتاج تحقيقه إلى توفر شروط سياسية واقتصادية وقانونية واجتماعية.
لقد أثبتت دراساتٌ وتجارب مختلفة، أن مشاركة المرأة في إعادة الإعمار، وفي ترسيخ قيم السلام، ضرورة لا يمكن تجاهلها، أو القفز من فوقها، فالمرأة هي الأقدر على التأثير في بنية الأسرة، وبالتالي بنية المجتمع.
علي سليمان حمد، محامٍ وباحث في القانون الدستوري ناقش مفهوم إعادة الإعمار في الشمال السوري، فقال في ذلك: “الوثيقة التي تحفظ حقوق المجتمع، وتتيح مشاركةً فعّالةً للنساء، هي الوثيقة الدستورية، وذلك من خلال إدراج موادٍ في صلبها، تكفل حقوقها”. ولكن المحامي علي سليمان يعرف أن مناطق شمال سورية لاتزال بلا أي وثيقة دستورية، أو عقد اجتماعي، بسبب استمرار الصراع السوري، وعدم التوصل لسلام مستدام، ومع ذلك يحق التساؤل، كيف يمكن حفظ الحقوق وتأدية الواجبات، بدون محددٍ دستوري، وتحديداً بما يخص حقوق المرأة.
وهذا الأمر يحتاج من الجهات الفاعلة دولياً والجهات المشرفة محلياً، أن تضع تصوراتها التي تؤكد على فعالية مشاركة المرأة بكل مراحل إعادة إعمار الشمال السوري، سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ أو الإشراف والقيادة، باعتبارها النصف الاجتماعي الأكثر تماساً مع أهمية الاستقرار والسلام.
ولكن، كيف يمكن للمرأة المساهمة في عملية إعادة الإعمار، دون قدرات كافية تؤهلها للانخراط الملموس بهذه العملية، ووفق رأي المحامي علي سليمان حمد: “إن الأمر لا يحتاج إلى طبيبات وأطباء من ذوي الاختصاص، بقدر حاجته إلى التنظيم وإعادة تأهيل المرأة على مراحل”.
ولكن الشمال السوري يحفل بكثير من منظمات توعية وتمكين النساء، وهذه المنظمات لديها برامج توعية ولكن عملية مشاركة المرأة في إعادة البناء على علاقة بظروف عديدة، ومع ذلك يمكن تحقيق وتوفير هذه الظروف ليكون للمرأة السورية في الشمال دور ملموس، وعائد يخدم تنميتها العامة.
تتفق معظم الدراسات الدولية، التي ترصد توجهات منظمة الأمم المتحدة، على أن إعادة الإعمار في المناطق التي تعرضت لحروب داخلية، تحتاج لجهود أبناء هذه المناطق، حيث يوفر اشتراك أبناء وبنات المنطقة أساساً للحمة اجتماعية لا يمكن أن تحققها العمالة الخارجية. فهناك فروقات بين هذه اللحمة الاجتماعية التي تنتج بنية تحتية، وبين عمالة تقوم بالتشييد فحسب.
الناشطة في مجال تمكين وتدريب المرأة وفاء جاسم الخطيب ترى “أنه يوجد دور رئيسي للمرأة في إعادة الإعمار، وذلك لأنها تمثّل نصف المجتمع، وأينما وجد النزاع يجب أن تكون المرأة جزءاً من الحل الانتقالي”
هذا الدور يحتاج إلى توفر إمكانات لدى نساء الشمال السوري كي يستطعن المشاركة في الحل، كي يملكن الفرص ضمن اعتبارات مراعاة النوع الاجتماعي كما تعتقد وفاء الخطيب.
إن إشراك النساء في إعادة إعمار الشمال لا ينبغي أن يكون مجرد شعار، فهناك طيف واسع من النخب النسوية، تدل عليها وفرة منظماتهن الاجتماعية والمدنية والسياسية، وهذا الأمر يسهّل “مشاركة المرأة في جميع المجالات المختلفة” كما تقول الناشطة وفاء، وتضيف “نحتاج إلى نصوص تساهم في الحماية القانونية، التي توجب مشاركة النساء بنسبٍ محددة مسبقاً”.
إن مشاركة المرأة السورية في الشمال في إعادة إعمار المنطقة، يحتاج إلى النهوض بواقعها على المستويين المادي والفكري/النفسي. وهذه عملية لا يمكن أن تتم بدون تزامن بناء الإنسان السوري الجديد، ومع ذلك يجب تمكين المرأة في المجلات السياسية والقانونية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث تصير شريكاً جدياً في صناعة مستقبل بلادها ومنطقتها وأسرتها.
إن مصطلح إعادة الإعمار يحيل إلى شق اقتصادي، يتعلق بإعادة بناء البنية التحتية الاجتماعية، التي لابدّ من توفرها، سواء ما يتعلق منها بالعقارات السكنية، أو خدمات الماء والصرف الصحفي، والكهرباء، والغاز.
لكن ظروف إعادة الإعمار في الشمال السوري، تحتاج إلى ما هو أبعد من تخطيط وتنفيذ البنى التحتية، تحتاج إلى تأهيل الإنسان في منطقة إعادة الإعمار، وهذا التأهيل يرتبط بشروط يجب تحققها، بعد توفير مصادر مالية سواء ذاتية أم دولية لخدمة هذه العملية.
تقول عضو المجلس المحلي في مدينة جرابلس في الشمال السوري خولة علي: “يتوجب إيجاد مراكز لرعاية أوضاع المرأة بكل جوانبها النفسية والتعليمية أولاً”. لكن إهمال ضرورة توفير مراكز صحية تتعلق بقطاع النساء، مثل الصحة الانجابية، أو التشافي من أمراض ذات طابع جنسي، أو عيادات دعم نفسي، يضرّ بعملية إعادة الإعمار في الشمال السوري، لأنه يترك خلفه ثغرة معيقة لها.
ربما يلعب النزوح المتكرر دوراً في إعاقة انخراط المرأة في الشمال السوري، وهناك كثير من النساء يفتقدن في المخيمات إلى أوليّات الحياة، حيث هناك غياب للخدمات الصحية والتعليمية وحتى المعيشية اليومية.
هذه الحالة تقول فيها عضو المجلس المحلي في جرابلس خولة علي: “لدينا مجتمع نسائي غائب عن الوعي للمستقبل، غير مدرك لأهميته”. وهو أمر يتطلب التوعية قبل الإشراك بعملية إعادة الإعمار. وهذا حكماً سيرتبط بضرورة فهمها لحقوقها وواجباتها كامرأة، وهو يحتاج في النهاية لنص قانوني، بإمكان الحكومة المؤقتة أن تسنه.
لكن زيادة الهيمنة الذكورية في منطقة موزعة عملياً على الفصائلية العسكرية، تحتاج إلى برامج جديدة تساعد المرأة وفق وثيقة قانونية ملزمة، على التخلص من بوتقة العادات والتقاليد والمجتمع الذكوري التسلطي، وهذا يتم عبر “توفير مؤسسات تعليمية بكل أفرعها تخدم الجنسين، وهذه تعتبر دعامة إعادة إعمار صحيحة”.
المرأة التي تتلقى تعليماً متقدماً هي غير المرأة التي تكون درجة تعليمها منخفضة، على مستوى المشاركة في بناء المجتمع، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. فالمتلقية لتعليم عالي أو متوسط تستطيع الانخراط في مؤسسات العمل وصناعة القرار الإداري والاجتماعي، وحتى السياسي.
لذلك تبدو مقولة مشاركة المرأة بإعادة الإعمار، مقولة رغبوية إذا لم ترتبط بوجود أو توفير ظروف تأهيل علمي وعملي للمرأة التي تشكل نصف طاقة المجتمع المهدورة.
بالتعاون مع “نينار برس”