القاهرة – قمر الخطيب
فرت ريما، 35 عاماً، مع طفليها من سورية بعد فقدان زوجها في الحرب، فما كان عليها إلا أن تتجه لمصر لتنضم إلى عائلتها وتبقى في حمايتهم.
تقول ريما ل”شبكة المرأة السورية”: “في منتصف عام 2017 فقدت زوجي ولم يكن هناك أحد من عائلتي التي غادرت إلى مصر منذ عام 2012، فاتجهت من دمشق إلى الخرطوم جواً، ومن الخرطوم إلى بورسودان براً، أقمنا ليلتين في منزل المهرب لحين اكتمال العدد، وفي مساء 13 آب/ أغسطس انطلقت رحلتنا في سيارة ربع نقل ذو صندوق مفتوح، وكان معي 17 مهاجرا وثلاثة أطفال، وطفليي أنا.
انطلق بنا بسرعة رهيبة ثلاثة مهربين يتحدثون لغة غريبة عنا، الصمت هو الناطق الوحيد لوجعنا، مصابنا واحد، جمعتنا الصحراء وكان خوفاً من المجهول ينتابنا، ساعات طوال ونحن نشق الأراضي ذات الدروب الوعرة، شمسها أحرقت وجوهنا، وانهكت اجسادنا التي حشرت داخل ذاك الصندوق، مامن صوت يسمع الا صوت بكاء اطفالي المذعورين ولا حول لي ولا قوة لطمأنتهم. وفي منتصف اليوم الثاني تم إنزالنا عند سفح جبل لننتظر سيارة أخرى لتكمل الطريق بنا، وهنا طلب منا المهربين مبلغ 200 دولار غير الـ 500 دولار التي سبق ودفعناها في السودان، وإلا سنُترك في وسط الصحراء ويعودوا هم، عملية نصب واحتيال ولا مجال الا لنرضخ، فدفعنا لهم، وتابعنا السير على الأقدام حوالي 1 كم ونحن نحمل امتعتنا وأطفالنا حتى بلغنا الجانب الآخر من الجبل حيث كانت تنتظرنا سيارة ثانية. خُيل إلي بأننا قطيع من الأغنام يساق إلى حيث أرادوا، وأول معاناتنا كانت فقدان الماء والطعام حيث استخدموا المياه لتبريد السيارة التي اشتعلت بسبب السرعة.
“ثلاثة أيام بلياليها قضيناها ونحن تائهين، وجوهنا احترقت واجسادنا بُليت، والجبال تحيط بنا والسماء سقفنا، وعندما نسأل المهربين عن حال الطريق، يصرخون بوجوههنا ويهددونا بالسلاح حتى لا نتكلم، ولكن فجأة وفي وسط الظلام لاحت أمامنا أعمدة كهرباء أسوان، ودخلنا مصر آمنين بعد كل ذاك الشقاء”.
ريما هي لاجئة من بين ثلاثة آلاف من النساء وحوالي 25 ألف من الذين خطت أقدامهم هذه الطريق ونجوا منها بصعوبة ولم يبق لهم سوى ذكريات عن معاناة لا يشعر بها إلا الذي ذاقها.
#طريق_الموت
منذ عام ٢٠١٣، بعد أن صدر قرار بمنع دخول السوريين لمصر لأسباب مجهولة، لم يكن أمامهم الهرب من الحرب إلى مصر الأمان إلا عن الطريق الواصلة بين بورسودان شمال شرق السودان إلى مدينة أسوان على الحدود المصرية، ولكن ماهو الهدف الأساسي لإصرار المهاجرين ليأتوا من هذا الطريق ودافعهم لتحدي المخاطر بالرغم من أن بعض النهايات قد تكون مأساوية بالنسبة لهم؟
هذا ما أجابنا عليه الأستاذ يوسف المطعني المتخصص بقضايا وشؤون السوريين في مصر، حيث أوضح لـ”شبكة المرأة السورية” أن هناك أسباباً كثيرة لاختيار السوريين لمصر الدولة الحاضنة لهم؛ فالمجتمع المصري تقبل وجودهم وتعايش معهم كأخوة تربطهم علاقات تاريخية ونسب ولغة متقاربة وعادات وتقاليد مشتركة، على عكس بعض البلدان العربية المجاورة كتركيا وغيرها حيث لم يتقبلوا وجودهم وتمت معاملتهم كلاجئين غير مرحب بهم، كما أن مصر دولة آمنة ومريحة للسوريات على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، ودوناً عن غيرها من البلدان اتخذتها بعض السيدات كملاذ لإعادة التوطين من خلال السفارات الأجنبية جميعها الموجودة فيها.
كما أوضحت الأستاذة عبير حموي، المسؤولة في فريق الجالية السورية بمصر المتابع لحل قضايا ومشاكل السوريين على جميع الأصعدة ميدانياً وعلى صفحات التواصل الاجتماعي؛ أنه حينما تاهت سبل الحياة في بلدنا وازداد خوف النساء من مستقبل مجهول لأطفالهن لجأن لمصر بحثاً عن الأمان وفرص حياة أفضل. لكن لم يكن بوسعهن الوفود إلا عن طريق السودان، وطبعاً لا يخفى على أحد ما مررن به من خطف وسرقة وتهديد واستغلال من قبل المهربين، كما تابعنا بعض الحالات لسيدات لاقين حتفهن أو أصبن بإعاقة دائمة نتيجة السرعة القوية التي كانت تؤدي إلى حوادث أليمة. قصص كثيرة كان مفادها التحذير لعدم تصديق أكاذيب المهربين واللجوء لهذه الطريق، ومن جهتي لا أنصح بتاتاً بالقدوم والتعرض للخطر والموت مهما كانت الأسباب.
وقد أكدت الحموي أنهم يسعون جاهدين لتقديم يد العون لتلك النساء المتضررات أو لمن لا معيل لهن عن طريق صفحاتهم الخدمية على الفيس بوك التي تضم حوالي ١٥٠ الف متابع، من خلال ترويج ما يصنعن في منزلهن أو خارجه وتشابك السوريين مع بعضهم البعض لتبادل المهن والأعمال، وأيضاً وجود فريق كامل من المتطوعين من الأخوة المحامين والأطباء ليتم متابعة القضايا والمشاكل القانونية وتقديم النصائح الطبية، وفي بعض الأوقات الكشف المجاني من قبل الأطباء أيضاً. والجدير بالذكر بأن هجرة السوريين لمصر كانت من أنجح الهجرات لما وجدوه من محبة وتعاون من الشعب المصري لهم منا كل الإحترام.
#قصص_يجب_ان_تروى
حياة، 20 عاماً، تروي قصتها لنا حيث قالت: “قررت عائلتي الهرب من سوريا خوفاً على أخي الشاب أن يضطر للالتحاق بالخدمة الإلزامية، حيث لا يوجد غيره معيل لنا، لانه الكبير بين أخوتي ووالدي طاعن في السن، ولم نستطع توفير المال مقابل الفيزا وربما نتعرض لخداع ما، فقررنا الاتجاه لطريق الصحراء، وبعد معاناة طويلة قاربنا من الوصول لأسوان، ولكن نتيجة السرعة وارتطام عجلات السيارة في الصخور والحفر العميقة سقط والدي منها لان مكانه كان في مؤخرة السيارة مع الرجال الآخرين ولم يستطع أن يتمسك جيداً بالحدائد الموجودة على حافتها، كان مشهد لا ينسى ونحن نرى جسد والدي يرتطم هنا وهناك، صراخنا واستنجادنا لم يفي بالغرض لكي يوقفوا تلك السيارة المجنونة حتى أتى شاب وركل زجاج السيارة المطل على السائقين بقدمه ليتوقفوا وعادوا ادراجهم لمكان سقوطه، ولكن للأسف كان قد فارق الحياة، ولأن الرحمة والإنسانية قد زُهقت في قلوبهم طلبوا منا دفنه سريعاً حتى نكمل الطريق ولا نضيع وقتنا به، ودُفن بثيابه كما الشهداء”.
حياة بعد أن وصلت لمصر اضطرت للعلاج عند طبيب نفسي مختص فقد دخلت باكتئاب حاد وكوابيس رافقتها لأيام طويلة، واحتاجت لأشهر من العلاج لتتخلص من الحالة التي دخلت بها جراء ما حدث معها وما رأته.
وقد أفادنا المطعني من خلال حديثه معنا: أن الدخول عن طريق السودان مخالف للقانون، وإذا دخلت السيدة ولم يتم القبض عليها، تلجأ لمفوضية الأمم المتحدة ويتم تقنين وضعها بشكل كامل، وإذا قُبض عليها، يتم التعامل معها بأرقى المعاملات التي ربما لا تُعامل معها المصرية، فيتم رعايتها طبياً ويقدم لها كل ماتحتاجه لحين انتهاء إجراءاتها.
وأردف المطعني: “للأسف لا يمكن التدخل من قبل محامي ولا غيره لتغيير الإجراءات القانونية المتبعة بحق الوافدين، فهي علاقة بين الأمن والمفوضية، وبنسبة ٩٩٪من السيدات اللواتي يحتجزن يستطعن الدخول بشكل اعتباري ونظامي، وقد تابعت إجراءات الكثير من الحالات المحتجزة من السوريين ورأيت كيفية معاملتهم بشكل انساني، وقد شاهدت بنفسي كيف يتم اقتسام الطعام بين الأمن والمحتجزين، بالتالي هي فترة مؤقتة النساء يدخلن مباشرة بعد هذه الفترة، والشبان يتم التأكد من وضعهم الأمني قبلاً.
“وأذكر أنه مرت علي حالتان لا يمكن تخطيهما، إحداهن لحامل توفت مع جنينها وطفلتها ذات الثلاثة أعوام على الطريق، وأخرى عجوز أيضاً وقعت من السيارة وتُركت في الصحراء تعاني حتى الوفاة، بالإضافة لحالة وضعت طفلها في أحد أقسام الحجز، فتم تحويلها للمشفى فور ولادتها للتأكد من سلامتها.
وقال المطعني إنه يتم التواصل مع الحكومة المصرية وبجهود مكثفة لإعادة دخول السوريين بشكل نظامي لمصر مع مراعاة الجانب الأمني تلافياً لأي حوادث أخرى من طريق السودان، وأنصح أخواتي السوريات الابتعاد عن طريق اللجوء هذا ولو اضطررن للمكوث في السودان لحين إنهاء أمور دخولهن جواً مع الحكومة المصرية بشكل آمن دون عراقيل تذكر.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”