غالية الريش
لا تزال الأزمة السورية تلقي بظلالها القاتمة على مصائر ملايين السوريين كباراً وصغاراً بعد عشر سنوات على انطلاق الثورة السورية في آذار2011 ثم سيرورة تحولها الى حرب مفتوحة، وما ترتب على ذلك من تحديات إضافية: تدويل النزاع، إلى التقسيم الٌإقليمي للبلد، وفشل إدارة الدولة، وما رشح عنه إقتصاد الحرب من مشاكل وصعوبات.
هذه الدراسة تبحث في واقع العملية التعليمية للأطفال في سورية، وما أصابها من أضرار في بناها التعليمية، على مستوى الكادر التدريسي، والنزيف البشري الذي سببته الحرب وتداعياتها في موت أو نزوح وهجرة الأدمغة التعليمية، أو على مصائر جيلين من الأطفال – حتى الآن- في التخلي القسري عن التعلم، أو في اضطراب البيئة التعليمية، ومناهجها المقررة، والحلول المقترحة المتوخاة.
كما أجهزت الحرب على البشر والحجر والإقتصاد في سورية، أجهزت أيضا على سير العملية التعليمية للأطفال والطلاب فيها، وقادت إلى اعتباره الآن بلدا من أكثر الدول خطورة في العالم وفق تقرير أعدته منظمة”أنقذوا الأطفال”المعنية بالدفاع عن حقوق الطفل(1) وعن المصائر المفزعة التي “تتوارى خلف الأرقام المعلنة عن ضحايا الحروب”(2) حيث تستمر الأزمة الإنسانية – السياسية، ويواصل الاطفال في سورية دفع الأثمان الباهظة التي تركت وتترك آثارا قاتمة بعد مرور /10/ سنوات على بدئها.
خلفية المشهد:
أشارت منظمة ” أنقذوا الطفولة” أواخر أيلول2020 إلى حجم معاناة الأطفال السوريين غير المسبوقة، ومن إرتفاع معدلات سوء التغذية بعد عشر سنوات من النزوح والنزاع، حيث يواجه(700) ألف طفل إضافي الجوع في سورية، بسبب الوضع الإقتصادي المتردي، فضلاً عن القيود المفروضة بسبب انتشار جائحة كوفيد 19 وارتفع عدد الأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد خلال الـ6 أشهر التي سبقت إعداد التقرير(4.6) مليون طفل، هذا الواقع يرمي بظلاله الكئيبة اليوم على واقع التعليم في سورية.
إضاءة على واقع تعليم الأطفال في سورية:
واظبت المدارس على الاستمرار في العمل في مناطق النزاع، ولكن الهجمات المتعمدة على المؤسسات التعليمية لم تتوقف. حسب تقرير الأسكوا في 2020 جرى التحقق رسميا من(426) عملية قصف على المدارس منذ عام 2011 وأكثر من 40% من البنى الأساسية المدرسية مشلولة، حيث تضررت مدرسة من كل ثلاث مدارس أو دمرت، أو استخدمت كملجأ. وقد أدى استخدام المدارس على نطاق واسع كملاجئ جماعية للنازحين داخلياً إلى زيادة الضغط على البنى الأساسية للتعليم.
يحتاج نحو 6 ملايين شخص منهم (5.9) مليون طفل إلى دعم تعليمي. قبل عامين من الآن كان حوالي مليوني طفل في سن الدراسة غير ملتحقين بالمدارس داخل سورية، إضافة إلى 1.3 مليون طفل معرضين لخطر التسرب، سيرتفع العدد الإجمالي إلى حوالي 2.8 مليون طفل، إذا ما حسب الأطفال السوريون غير الملتحقين بالمدارس والمقيمون في المجتمعات المضيفة الرئيسية الخمسة والبالغ عددهم 800 ألف طفل.(3)
سبق أن بادرت اليونيسيف بالتعاون مع منظمة الرؤية العالمية لتحقيق عملية تحت عنوان ” لا لضياع أي جيل” إلى ازدياد إجمالي معدل الإلتحاق بالمدارس سنة 2018 مقارنة مع 2017، لكنه لم يصل إلى مستويات ما قبل النزاع. بالإستناد إلى بيانات منظمة اليونسكو انخفضت المعدلات الصافية والإجمالية للإلتحاق بالمدارس إنخفاضا حاداً في المرحلتين الابتدائية والثانوية أثناء النزاع، وتشير المعدلات الإجمالية الأعلى بالنسبة إلى المعدلات الصافية إلى تدهور جودة التعليم بسبب بعض العوامل، مثل استبقاء الطلاب في الصف، وتجاوز الطلاب لسن الدراسة، وعلاوة على ذلك لم يعد أكثر من 140 ألف مُدرس يشغلون مناصبهم. تسهم ندرة المعلمين في تدهور جودة التعليم كما هو مبين في ارتفاع نسبة التلاميذ إلى المعلمين.
ويواجه الأطفال عقبات تعرضهم لخطر الانقطاع عن الدراسة. ومع انخفاض دخل الأسرة وتدهور مستويات المعيشة، يزداد احتمال المشاركة في الأنشطة المُدِّرة للدخل لدعم الأسر.
على ضوء المبادرة الواردة أعلاه جرى تقييم مجتمعات داخل سورية، وأفاد التقييم بنسبة 81% منها بأن عمل الأطفال هو عائق أمام متابعة الدراسة. وأفادت نسبة45% منها بأن تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة هو مسألة مثيرة للقلق، حيث جُنِد فتيان مراهقون تقل أعمارهم عن ال15 سنة ولا تتجاوز أعمارهم عن ال12 سنة في بعض الحالات.
إنه أمر يغذي ثقافة العنف كما توضح المبادرة، ويجعل إعادة إدماجهم في المدرسة وفي المجتمع المدني أمراً صعبا للغاية، وأفادت نسبة 45% من المجتمعات المحلية التي جرى تقييمها عن حالات الزواج المبكر لفتيات لا تتجاوز أعمارهن العاشرة.
هذه الانتهاكات للحقوق الأساسية للأطفال لابد أن تؤدي إلى تفاقم الإعاقات في الصحة العقلية والعاطفية، ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة لا يمكن معالجتها، ويشكل فقدان الوثائق المدنية عائقا آخر امام الإلتحاق بالمدارس وإكمال الصفوف، ولا سيما عند اجتياز الإمتحانات الرسمية.
يعاني نظام التعليم في سورية، من الإجهاد الكبير ونقص التمويل والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال.
يوجد في سورية أكثر من 2.4 مليون طفل غير الملتحقين بالمدرسة منهم 40% تقريبا من الفتيات، ومن المرجح ارتفاع العدد خلال السنة 2020/2021 نتيجة تأثير جائحة كوفيد19 التي أدت الى تفاقم تعطل عملية التعليم في سورية.(4)
التلامذة الأطفال الذين تمكنوا من الالتحاق بمدارسهم يتابعون تعليمهم على الأغلب في صفوف مكتظة، وفي مبان لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية.(5)
هذه الشهادات على أهميتها لم تتضمن وجود وتعدد سلطات الأمر الواقع في سورية مع مطالع الـ2021 وانعكاسها السلبي على وحدة وسير العملية التعليمية، إذ أن لكل منطقة مشاريعها الخاصة وسياستها التعليمية التي كثيرا ما تعكس إيديولوجية التشكيلات السياسية المهيمنة.
خاتمة:
أمام هذا الوضع الكارثي، والآثار المترتبة عليه على المديين المتوسط والبعيد، تواجه سورية تحديا حقيقياً وهو فقدان جيل كامل من المواطنين لفرص التعليم، جيل صاعد من الشباب، يرجح أن تظهر آثاره في المراحل اللاحقة من حياتهم، في تضاؤل فرص العمل المتاحة لهم في المستقبل، فضلاُ عن التشوهات النفسية والاجتماعية.
لا نضيف جديدا إذ نؤكد على ضرورة الحل السياسي الشامل، الذي من شأنه توفير بيئة تعليمية مستقرة، تعمل على تعويض واستيعاب الفاقد التعليمي من خلال تقوية القطاعات التعليمية والاقتصادية، التي تتيح لغالبية أبناء الشعب الدخول إلى المدارس بمراحلها الثلاث، والاهتمام المضاعف بالتعليم الصناعي والفني بدءاً من المرحلة الإعدادية وتسهيل دخول طلبتها إلى الكليات الأساسية، فضلاً عن المعاهد المتوسطة تبعا لخطط استيعاب اليد العاملة المدربة والمؤهلة، وفرص العمل التي لا بد أن تتيحها سياسة إعادة الإعمار والبناء القادمة.
هوامش:
-1- في بيانها الصادر يوم20/11/2020 : وهي أفغانستان- العراق- سورية- الكونغو- مالي-نيجيريا.
-2- سوزانا كروغر الرئيسة التنفيذية لفرع منظمة ” أنقذوا الأطفال” في ألمانيا.
-3-وفق تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية.
-4- تقرير اليونيسيف –بيان مشترك بمناسبة اليوم الدولي للتعليم.
-5- نفس المصدر.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”