Search
Close this search box.

مصطلحات ومفاهيم و سياقات قانونية

مصطلحات ومفاهيم و سياقات قانونية

ورقة مقدمة إلى منظمات المجتمع المدني السوري

من إنتاج وحدة الدعم بالقانون الدولي

في البرنامج السوري للتطوير القانوني

1. مقدمة:

تعمل وحدة الدعم بالقانون الدولي في البرنامج السوري للتطوير القانوني على المساهمة في دعم منظمات المجتمع المدني

والمنظمات الحقوقية السورية على التوظيف الفعال للقانون الدولي على المستوى اللغوي/النظري وكذلك العملي

‏التطبيقي.

‏ولآن القانون الدولي ليس “أبيض أو أسود” ويحتمل التفسير والتأويل والاستخدام في مواقع وسياقات متناقضة أحيانا

فعادةً ما يتم استخدام بعض المصطلحات أو المفاهيم أو السياقات في مواضع إما أن تكون غير صحيحة قانونيا أو غير دقيقة» أو مخالفة للسياق أو لا تنطبق عليه. وتكمن الخطورة في أن يؤدي هذا إلى ضياع أو تشتت الجهد الكبير المبذول من قبل هذه المنظمات على مستوى التوثيق والمناصرة وكافة أشكال العمل الحقوق.

‏تردنا يومياً أسئلة كثيرة حول مفاهيم» مصطلحات وسياقات قانونية متعلقة بالقانون الدولي الي تحتاج إلى توضيح أو

تأكيد/تصويب سياقات استخدامها. وكذلك تقوم وحدة الدعم بالقانون الدولي بشكل دائم بمراجعة ما يصدر عن شركائها

من المنظمات السورية من بيانات أو تقارير أو أية أوراق أخرى وتقوم أحباناً بملاحظة وتدوين بعض من هذه المواضع التي لا يتم فيها توظيف القانون الدولي كما يجب لما فيه من خدمة وتعزيز لجهد تلك المنظمات.

‏في إطار الدعم القانوني المتواصل الذي تقدمه وحدة الدعم بالقانون الدولي في البرنامج السوري للتطوير القانوني وكجزء من مشروع توعوي متكامل يهدف إلى المساهمة في توظيف فعَال للغة القانون الدولي في جهود المنظمات» نقدم لكم مجموعة من هذه المصطلحات والمفاهيم والسياقات القانونية الي قسمناها إلى أربعة محاور متجانسة قدر الإمكان لكي تكون مساهمةً منا في دعم مراجعكم وتيسير الوصول إليها وتوظيفها بشكل فعالء على أمل أن تتحول هذه المساهمة إلى نشرة دورية قريباً.

المحور الأول: سياقات قانونية عامة

2.جدوى القانون الدولي:

‏عند انتهاك القوانين والسياسات واللوائح الدولية» لا ينبغي توقع المساءلة دائماً وفوراً بالمعنى القضائي الصارم كما هو الحال في السياق القانوني المحلي. بدلا من ذلك» يجب اعتبار المساءلة بمثابة أي إجراء عقابي ضد المخالف الذي له تأثير عليها. يمكن أن يشمل ذلك مساءلتهم عن طريق التأثير على سمعتهم وتراثهم وأموالهم والسرد الذي يحاولون فرضه وقدرتهم على تكوين حلفاء دوليين وقدرتهم على الفوز بالانتخابات أو في مواقع السلطة.

‏توجد بعض الآليات القضائية وشبه القضائية مثل المحاكم الدولية والمحاكم الخاصة واللجان والهيئات التنظيمية …إلخ. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي يتم إنشاؤه من قبل الدول وبالتالي غالبا إذا ما يُحاسب الذين ينتهكون القوانين» سواءً كان ذلك انتهاكاً من قبل دول أخرى أو منظمات دولية مثل الأمم المتحدة تراعى الإرادة والمصالح السياسية.لذلك من الأهمية بمكان أنه عندما يتم استكشاف خيارات المساءلة عن الانتهاكات» يجب أن نكون مبدعين وثابتين وواقعيين.

يجب عدم التعامل مع القانون الدولي والمنظومة الدولية» وفي مقدمها الأمم المتحدة بكافة هيئاتها على اعتبار أنهم

قادرين ومستعدين وفوراً للاستجابة بشكل كامل وفعال لرغبات وحقوق الشعوب والأفراد والتصدي بنفس السياق

للانتهاكات والمنتهكين. إن توظيف القانون الدولي هو أحد وسائل المحاسبة والفاعلية في سبيل القضايا. بمقابل أصحاب الحق» هناك مجرمون يوظفون نفس القانون الدولي لصالحهم! لا يمكن التعامل مع القانون الدولي على اعتبار أنه إما أن يكون في صالحنا وإما نرفضه.

3.الفرق بين المحاسبة والمساءلة

يمكن استخدام المساءلة والمحاسبة بالتبادل لأن كلاهما يشير إلى المساءلة ومحاسبة الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان على أفعالهم.

 

وبشكل أكثر تحديدا تأتي المساءلة من فعل سأل بينما تأني المحاسبة من فعل حاسب. لذلك لا يوجد سوى اختلاف

دلالي صغير بين المصطلحين» حيث يشير مصطلح المحاسبة إلى عملية محاسبة الجاني فعليًا والحصول على حساب معه /معها من خلال العدالة وتحميله مسؤولية الانتهاكات؟ بينما تشير “المساءلة” حرفي إلى دعوة الجاني للإجابة» وجعله يجيب على أفعاله.

  1. عالمية حقوق الإنسان

إن مبدأ عالمية حقوق الإنسان من أهم مبادئ حقوق الإنسان والذي تم التأكيد عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ‎.1948‏ وبعني المبدأ بأن حقوق الإنسان متأصلة لجميع البشر في أي مكان في العالم بغض النظر عن التكوين الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي لأنظمتهم.

5 .المحاسبة غير القضائية

المحاسبة غير القضائية هي شكل من أشكال المحاسبة التي ليست بالضرورة نتيجة حكم في محكمة. بدلاً من الاعتماد على أحكام المحاكم أو المحاكمات الجنائية التقليدية في المحاكم المحلية أو الدولية» تهدف المحاسبة غير القضائية إلى استخدام أدوات أخرى لمحاسبة الجناة على أفعالهم وتوفير شكل من أشكال العدالة والحقيقة والإنصاف للضحايا. على سبيل المثال» أشكال المحاسبة غير القضائية هي لجان التحقيق الى تسمى الأفراد المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وفضحهم, وتقدم تدابير التعويض للضحايا من خلال العمليات الإدارية بدلاً من المحاكم» والتشهير الاجتماعي للجناة» ورفض تعيين الموظفين العموميين المتورطين بانتهاكات حقوق الإنسان وإصلاح مؤسسات الدولة. يمكن أن يكون لأشكال المحاسبة غير القضائية أيضًا عنصر عقاب عندما نفكر في أدوات مثل العقوبات أو حالة اعتبار الشخص غير مرغوب به» أو حظر السفر ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.

بكلمات أخرى» المحاسبة غير القضائية هي كل جهد يؤدي إلى التأثير على مصالح وخطط وجهود المنتهكين وعرقلتها والحاق الأذى والضرر عليها و/أو المساهمة في وقف أو الحد من الانتهاكات وكذلك في أي جهود محاسبة أخرى جنائية كانت أم لا. والمحاسبة غير القضائية ليست بالضرورة المسار الوحيد الذي يعوض أو يحل محل المحاسبة القضائية ولكنها أحد مكونات المحاسبة بالعموم وقد تدعم وتعزز من جهود المحاسبة القضائية» والعكس صحيح.

  1. مصطلحا الحكومةوالنظام

مصطلح “النظام” ليس مصطلحا قانونيًا بموجب القانون الدولي. في سياق القانون الدولي» غاليًا ما تم استخدام مصطلح “تغيير النظام” في النقاش حول شرعية الاستبدال القسري للحكومة التي قادها صدام حسين بعد تدخل القوات المسلحة الغربية في العراق. عند استخدامه للإشارة إلى حكومة» غاليًا ما يكون للمصطلح دلالة ازدراء كما يتضح من مصطلح “الأنظمة العنصرية” المستخدم في المادة 1 (4) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.

تجدر الإشارة إلى أن نظام وآليات العمل في مختلف هيئات الأمم المتحدة وأساليب الانخراط معها تفرض استخدام اللغة الرسمية للأمم المتحدة خاصة فيما يتعلق بأسماء الدول الأعضاء. وعليه» وعلى سبيل المثال» استخدام مصطلح “النظام السوري” في بيان أو مداخلة رسمية في مجلس حقوق الإنسان من قبل منظمة تتمتع بالصفة الاستشارية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي قد يكون سبباً في إنذارها أو حتى تجريدها من هذه الصفة. أيضا العديد من الهيئات الأممية تشترط أن تلتزم جميع الأطراف خلال مراسلاتها معها سواء في الشكاوى أو التقارير أو ما إلى ذلك باللغة الرسمية للأمم المتحدة والا فهي قد لا تعتبر تلك المواد صالحة وتقوم بإهمالها.

عدا عن ذلك من الضروري الالتفات لحساسية بعض المصطلحات الني تعطي طابعاً سياسياً خلال الانخراط مع بعض الدول الي تفضل التعامل بحيادية مع أي نزاع. استخدام مصطلح النظام مع بعض هذه الدول قد يوحي لها انخراطها مع جهة ضد جهة سياسياً مما قد يؤثر على رغبتها واستعدادها لمزيد من الانخراط بالشأن الحقوق السوري.

هذا لا يعني أبدأ أنه ممنوع على المنظمات الحقوقية السورية استخدام مصطلح “النظام”, إلا أن الأمر عائد لها في تقييم مستوى الفائدة والضرر في هذا السياق.

  1. الفرق بين قانون قيصروالعقوبات الأوروبية

فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مالية على السلطات السورية منذ عام 2011. وبفرض نظام العقوبات تجميد الأصول على أولتك الذين تم تحديدهم على أنهم مسؤولون عن القمع العنيف للسكان المدنيين في سوربا. كما أنها تستهدف الشركات ورجال الأعمال الذين يستفيدون من علاقاتهم مع هذه السلطات واقتصاد الحرب. تشمل الإجراءات التقييدية أيضًا حظر استيراد النفط وفرض قيود على بعض الاستثمارات وتجميد أصول البنك المركزي السوري المحتفظ بها في الاتحاد الأوروبي» وقيود تصدير المعدات والتكنولوجيا  التي يمكن استخدامها للقمع الداخلي» وكذلك على المعدات والتكنولوجيا لرصد أو اعتراض اتصالات الإنترنت أو الهاتف. حتى الآن تأثر 277 رجل أعمال و71 كيانًا بعقوبات الاتحاد الأوروبي مثل حظر السفر أو تجميد الأصول.

يستهدف قانون قيصر الشركات والمؤسسات والأفراد – السوريين والأجانب – الذين يتعاملون مع السلطات السورية» لاسيما فيما يتعلق بأربع مجالات اقتصادية: البناء (على وجه التحديد المتعلقة بمنع الأعمال التجارية الداعمة لخطط إعادة الإعمار للسلطات السورية) والنفط والجيش» والطائرات والهندسة. بصرف النظر عن قانون قيصر تعود العقوبات الأمريكية على سوريا إلى عام 1979 عندما تم إدراج سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب» وفرضت قيودًا على تجارة المنتجات ذات الاستخدام المزدوج مع سوريا والتي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية والمدنية. ثم توسعت الضغوط الأمريكية على السلطات السورية بأمر تنفيذي عام 2011 يحظر التجارة في النفط السوري. هناك نوعان من الاختلافات الرئيسية بين عقوبات الاتحاد الأوروبي وقانون قيصر:

  1. يستهدف قانون قيصر أيضًا أي أفراد وكيانات ومؤسسات أجنبية متورطة في سوريا بينما يركز الاتحاد

الأوروبي فقط على الأفراد والكيانات السورية والأفراد والكيانات الأوروبية المشاركة في صفقات مع سوريا.

قبل إنشاء قانون قيصر كانت سوربا بالفعل خاضعة لعقوبات من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هذه الإجراءات»ء كما ذكر أعلاه» حظرت التعامل مع كيانات الدولة السورية وكذلك مع مئات الشركات والأفراد. الفرق الرئيسي بين العقوبات الأمريكية السابقة على سوريا وعقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا هو أن قانون قيصر يستهدف أيضّا كيانات خارج سوريا. بشكل أساسي يحذر التشريع الأفراد والكيانات في جميع أنحاء العالم من أن أي شكل من أشكال الأعمال التجارية مع السلطات السورية ستتم مقاضاته من خلال استخدام الحرمان من الوصول إلى رأس المال » وحظر السفر إلى الولايات المتحدة ويمكن أن يؤدي إلى الاعتقالات. تشمل الأفراد والكيانات المستهدفة أيكا جميع شبكات الأعمال التجارية العابرة للحدود والتي تعتبر ضرورية لبقاء السلطات السورية الحالية – مثل حزب الله وكذلك حلفاؤها في روسيا والصين وإيران.

  1. يرتبط قانون قيصر ارتباطا مباشرا بإجراءات محددة يجب أن تتخذها السلطات السورية لرفع العقوبات.

تحدد عقوبات فيصر ست متطلبات لرفع العقوبات عن سوريا:

– وقف قصف الطائرات السورية والروسية للمدنيين.

– لم تعد القوات الإيرانية والسورية والروسية والجهات المرتبطة بها تقيد وصول المساعدات الإنسانية إلى

المناطق المحاصرة وتسمح للمدنيين بالمغادرة بحرية.

– إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومنح المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان حق الوصول الكامل

إلى السجون والمعتقلات السورية.

– وقف قصف المنشآت الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمعات بما في ذلك الأسواق من قبل

القوات السورية والروسية والإيرانية والجهات المرتبطة بها.

– تحقق إمكانية العودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين النازحين بسبب النزاع.

– وأخيرّه محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب الي ارتكبتها السلطات

السورية» بما في ذلك من خلال المشاركة في عملية موثوقة ومستقلة للحقيقة والمصالحة.

الإهمال و/أو الخروقات من قبل مفوضية اللاجئين (و/أو غيرها من هيئات ومنظمات الأمم المتحدة)ترتبط مساءلة هيئات الأمم المتحدة بطبيعتها بشخصيتها القانونية وما إذا كان القانون الدولي لحقوق الإنسان ينطبق

على أنشطة الأمم المتحدة. وفقًا لخبراء قانون حقوق الإنسان» تتمتع هيئات الأمم المتحدة بشخصية قانونية كافية

للالتزام بقانون حقوق الإنسان وأن المبادئ العامة للقانون الدولي – بما في ذلك القواعد الآمرة والقانون الدولي العرفي -يمكن أن تلزمها في العديد من الظروف. بالإضافة إلى ذلك» يعتمد النهج الثاني على حقيقة أن أحد أهداف الأمم المتحدة وهيئاتها هو تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مكلفة بحماية حقوق ورفاهية اللاجئين» وقيادة وتنسيق العمل الدولي لحمايتهم  في جميع أنحاء العالم والبحث عن حلول دائمة لمحنتهم”. لذلك» فإن دورها التشغيلي “يشمل المسؤولية الكاملة والمساءلة أمام المجتمع الدولي عن جميع جوانب دورة الحياة الكاملة لحالة اللاجئين”. بالإضافة إلى تطبيق قانون حقوق الإنسان “الصارم” على مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» كذلك يمكن تطبيق القانون “غير الملزم”, وخاصة فيما يتعلق بقرارات الجمعية العامة.

يُستخدم “القانون غير الملزم” أيضّا للإشارة إلى المبادئ التوجيهية لسياسة المفوضية والكتيبات وقرار اللجنة التنفيذية للمفوضية» الملزمة للمفوضية هناك مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة وهو يساعد الأمين العام في النهوض بمسؤولياته في مجال الرقابة على موارد المنظمة وموظفيها عن طريق توفير خدمات مراجعة الحسابات والتحقيق والتفتيش والتقييم. وتعمل في إطاره ‘” شعب:

– شعبة التفتيش والتقييم – تجري الشعبة تقييمات للوقوف على مدى أهمية برامج المنظمة وكفاءتها وفعاليتها

بما في ذلك أثرها فيما يتعلق بأهدافها وولاياتها.

– شعبة المراجعة الداخلية للحسابات – تضطلع الشعبة بعمليات لمراجعة الحسابات لتقييم مدى كفاية وفعالية

الضوابط الداخلية بغرض تحسين عمليات إدارة المخاطر والرقابة والحوكمة لدى المنظمة.

– شعبة التحقيقات – تجري الشعبة تحقيقات لإثبات الوقائع المتصلة بتقارير سوء السلوك المحتمل كيما

يسترشد بها الأمين العام في البت في إجراء المساءلة المناسب الذي سيتخذ.

كما أن هذا المكتب يتلقى الشكاوى الفردية.

كما يمكن التوجه إلى الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان بشكاوى تتعلق بهيئات الأمم المتحدة.

هناك تطور بخصوص تحديد مسؤولية المنظمات الدولية ولكنه حتى الآن لم يتبلور كانعكاس للقانون الدولي العرفي كما هو الحال في مجمل المواد المتعلقة بمسؤولية الدول (هيئة القانون الدولي طورت مسودة المواد حول مسؤولية الدولة حول الأفعال الخاطئة دولياً وهي الآن تعتبر بكثير من بنودها انعكاساً للعرف الدولي» كما طورت مسودة حول مسؤولية المنظمات الدولية ولكنها لم تستوف حقها بعد من المراجعة والممارسة ي تعكس العرف الدولي).

المحور الثاني: في سياق آليات المحاسبة

1.محكمة الجنايات الدولية

‏وهي محكمة جنائية تم إنشاؤها بموجب ميثاق روما الأساسي لعام 899١ء‏ والذي دخل حيز التنفيذ في شهر يوليو ‎2002

‏اليوم 177 دولة أعضاء في محكمة الجنايات الدولية. المحكمة كيان مستقل عن الأمم المتحدة وتختص في النظر في المسؤولية الجنائية للأفراد عن أنواع من الجرائم:

‏1. الإبادة الجماعية.

‏2. الجرائم ضد الإنسانية.

‏3. جرائم الحرب.

‏4. جريمة الاعتداء.

إن ولاية المحكمة الجنائية هي ولاية مكملة لولايات الدول الأعضاء وبالتالي لا تنظر المحكمة في جريمة ما تقع ضمن اختصاصها الا إذا كانت الدولة صاحبة الاختصاص الأصلي عاجزة عن أو غير راغبة في ممارسة اختصاصها القضائي على الجريمة موضع النظر.

‏عدا عن اختصاص المحكمة في أربع أنواع من الجرائم» فإن قدرتها على ممارسة اختصاصها القضائي مشروطة بالتالي:

أولا  ليس للمحكمة اختصاص على الجرائم التي وقعت قبل دخول ميثاق روما حيز النفاذ في 2002 . وليس للمحكمة ولاية على الجرائم الني ترتكب على إقليم دولة عضو في ميثاق روما إلا إذا تم ارتكاب تلك الجرائم بعد نفاذ الميثاق بالنسبة للدولة إلا إذا أصدرت الدولة إعلانا بعكس ذلك.

‏ثانيا لا يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها فيما يتعلق بأحد الجرائم ضمن اختصاصها إلا إذا:

‏أحالت دولة طرف للمدعي العام حالة يبدو بأن جريمة أو أكثر ضمن اختصاص المحكمة قد تم ارتكابها فيها.

  1. أحال مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة الى المدعي العام.
  2. كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق من تلقاء نفسه في حالة يبدو أنه تم ارتكاب جريمة أو أكثر ضمن

اختصاص المحكمة فيها في دولة طرف .

  1. قامت دولة غير عضو في ميثاق روما بإيداع إعلان لدى مسجل المحكمة تقبل فيه ممارسة المحكمة لاختصاصها بشأن جرائم وأفعال تم ارتكابها على أراضي تلك الدولة او من قبل مواطنيها.
  2. في الحالتين ‎)1) ‏ و(3)» يتوجب بأن تكون الدولة عضو في ميثاق روما وأن يكون السلوك قيد البحث قد وقع على أراضيها أو على متن سفينة أو طائرة مسجلة لديها أو أن يكون الجاني المشتبه به من مواطني هذه الدولة.

2. جرائم الحرب”  

يعرف ميثاق روما جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية. والانتهاك الخطير هو الانتهاك الذي يعرض الأشخاص او الأعيان المحميين للخطر أو يخرق قيمًا مهمة. ولكي يكون الفعل جريمة حرب لا بد أن يتم ارتكاب الفعل في سياق نزاع مسلح وأن يكون مقترنا به. تقنن المادة / من ميثاق روما العديد من الأفعال التي إذا ما تم ارتكابها في سياق نزاع مسلح تشكل جرائم حرب.

وفي قضية تاديتش في الICTY  قالت المحكمة بأن الفعل الذي يرقى لجريمة حرب (إذا لم يكن لدينا تقنين واضح كالمتوفر في ميثاق روما)ء هو الفعل الذي تجتمع فيه هذه الشروط الأربعة في آن واحد:

  1. لا بد للفعل أن يشكل انتهاكا يخرق إحدى قواعد القانون الدولي الإنساني.
  2. لا بد لهذه القاعدة المنتهكة أن تكون عرفية» وإن كانت موجودة في اتفاقية» بأن تكون هذه الاتفاقية منطبقة على الحالة.
  3. لا بدان يكون الانتهاك خطيرا لحد القول بأنه يخرق قيمة هامة» ويجب أن يؤدي الانتهاك الى عواقب جسيمة على الضحية.
  4. لا بد لهذا الانتهاك بأن يستوجب تحت القانون العرفي او الاتفاقيات المنطبقة» المسؤولية الجنائية الفردية للفاعل.

.”3. الجرائم ضد الإنسانية”

يعرف ميثاق روما الجرائم ضد الإنسانية بأنها مجموعة من الأفعال التي تخرق القانون الدولي والتي إذا ما تم ارتكابها ضد السكان المدنيين على نطاق واسع أو بشكل ممنهج من قبل الدولة أو جهة فاعلة غير حكومية» تشكل جريمة ضد الإنسانية.

تقنن المادة 7 من ميثاق روما ‎15 شكلا  من الجرائم ضد الإنسانية. ويمكن أن يتم ارتكاب الجرائم ضد الانسانية في الحرب أو خارج إطار الحرب.

4 . جريمة الإبادة الجماعية

بحسب المادة 5 من ميثاق روما يمكن تعريف جريمة الإبادة الجماعية بأنها “أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد

إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكا كلياً أو جزئيا:

  1. قتل أفراد الجماعة.
  2. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد المجموعة.
  3. إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كليا أو جرثياً.
  4. نقل أطفال الجماعة عنوة الى جماعة أخرى.

لا بد من التشديد هنا على أنه على الرغم من السهولة النسبية لتكييف أحد الأفعال المادية كونه أحد الأفعال السابق

ذكرها إلا أن التحدي يكمن في إطار جريمة الإبادة في إثبات أولا: أن المجموعة المستهدفة هي إحدى الجماعات الأربعة المذكورة (قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية)» وثانيًا: بأن النية من هذا الفعل كانت تعمّد مهاجمة المجموعة بصفتها القومية أو الأثنية  أو الدينية أو العرقية لإهلاك هذه المجموعة بشكل جزيي أوكلي. بدون توفر أو إثبات عنصر النية» مازال يمكن إثبات ان الأفعال المرتكبة قد ترق إلى جريمة ضد الإنسانية.

  1. ” محكمة العدل الدولية”

محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي للأمم المتحدة» وبالتالي جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هم أعضاء في المحكمة أيضا (المادة 97 من ميثاق الأمم المتحدة). بموجب المادة ‎34( 1 )‏ من ميثاق المحكمة “للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى الني ترفع الى المحكمة”. وتوضح المادة 36(1) من ميثاق المحكمة بأن اختصاص المحكمة يشمل جميع القضايا الي يعرضها عليها المتقاضون وأي مسائل منصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الأمم المتحدة أوفي المعاهدات والاتفاقيات المعمول بها. كما يمكن للدول بموجب المادة 36(2) بأن تصرح في أي وقت بأنها تقبل بولاية المحكمة الملزمة في نظر جميع المنازعات الثانوية الي تقوم بينها وبين دولة أخرى تقبل هذا النوع من الالتزام بالولاية الجبرية.

الى جانب إصدار الأحكام في القضايا المعروضة أمامها بين الدول» يمكن للمحكمة إصدار الآراء الاستشارية بناء على طلب الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو أي من أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المأذون لها من قبل الجمعية العامة (المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة)

  1. لحماية القانونية للشهود

تختلف الحماية القانونية لشهود الجرائم الدولية في مؤسسات القانون الجنائي الدولي السابقة والحالية.

من بين تدابير حماية الشهود الجي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة على سبيل المثال تشمل:

– سحب اسم الشاهد و/ أو معلومات التعريف من السجل العام للمحكمة

– تعديل صورة وجه الشاهد و / أو صوته في الإجراءات المتلفزة

– تعيين اسم مستعار للشاهد

– السماح للشاهد بالإدلاء بشهادته في جلسة مغلقة

– السماح للشاهد بالإدلاء بشهادته عن بُعد عبر الفيديو

تهدف هذه التدابير إلى تقليل المخاطر على سلامة الشهود نتيجة الإدلاء بالشهادة.

على الرغم من أن جميع الأطراف الحاضرة في المحكمة يعرفون» ويجب أن يعرفوا هوية الشاهد إلا أنهم ملزمون

بالقانون وأوامر القضاة باحترام التدابير وحماية هوية الشاهد وفقًا لذلك. في حالة قيام أي طرف بالكشف عن هوية أو أي معلومات تعريفية أخرى لشاهد محمي يمكن اعتبار هذا الطرف في ازدراء المحكمة ويكون عرضة لعفوية قصوى قدرها 100000 يورو أو السجن لمدة سبع سنوات أوكليهما.

يوجد بالمحكمة الخاصة لسيراليون قسم الشهود والضحايا وهي الهيئة المحايدة المسؤولة عن دعم وحماية جميع

الشهود قبل وأثناء وبعد الشهادة. يقدم خدمات تعتمد على الحالة مثل الأمن والدعم النفسي والاجتماعي وإعادة التوطين

والدعم المادي. تتوفر معلومات محدودة حول أفضل السبل لدعم وحماية الشهود في محكمة جرائم الحرب الدولية» لكن هناك اهتمامًا متزايدًا بهذه المحاكم كأداة لتحقيق العدالة الانتقالية وبناء السلام.

في إطار محكمة الجنايات الدولية» هناك قسم خاص يدعى وحدة الضحايا والشهود ضمن قلم المحكمة» وهي معنية وفقاً للمادة 43 (6) من ميثاق روما بتوفير “تدابير الحماية والترتيبات الأمنية» والمشورة والمساعدات الملائمة الأخرى للشهود وللمجني عليهم الذين يمثلون أمام المحكمة» وغيرهم ممن يتعرضون للخطر بسبب إدلاء الشهود بشهاداتهم وتضم الوحدة موظفين ذوي خبرة في مجال الصدمات النفسية بما في ذلك الصدمات ذات الصلة بجرائم العنف الجنسي.”

ويتكرر توضيح نطاق الحماية في المادة 68 أيضاً. ولمزيد حول الموضوع توفر محكمة الجنايات الدولية الكثير من التفاصيل على موقعها (متوفر باللغتين الإنكليزية والفرنسية فقط).

لجان التحقيق الخاصة

إن لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق أحد أهم الأدوات الحي تعتمد عليها الأمم المتحدة في عملها لتوثيق مجريات

الأحداث والتطورات الحاصلة في نزاع مسلح أو حالات انتهاكات لحقوق الإنسان. وهذه اللجان تساعد في الترويج لعمليات المحاسبة وضمان حفظ الأدلة وتوفير المعلومات الموثوقة للمجتمع الدولي حول التطورات الحاصلة في مكان ما حول العالم. ولا يوجد جهة واحدة تقوم بإنشاء هذه اللجان فقد أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة مثلاً فريق الخبراء المعنى بكمبوديا بينما أنشأ مجلس الأمن لجنة التحقيق الدولية لدارفور» وأنشأ مجلس حقوق الإنسان لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية» وأنشأ الأمين العام لجنة التحقيق الدولية المعنية بتوغو.

من أهم ما يجب الالتفات إليه بخصوص هذه اللجان أو الهيئات أنها ليست ذات طابع قضائي ويتمثل صلب عملها في

تقديم التقارير بخصوص الحالة الِي تقوم بالتحقيق أو التقصي بخصوصها وتقديم التوصيات بناءً على ذلك.

الفرق بين آلية الرصد والإبلاغ المتعلقة بالأطفال والآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا بموجب قرار مجلس الأمن 1612 عام2005 تم إنشاء آلية الرصد والإبلاغ لرصد الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق الأطفال من قبل أطراف النزاعات المسلحة. وتختص الآلية برصد الانتهاكات التالية بحق الأطفال: استخدام الأطفال

وتجنيدهم القتل والتشويه» الاختطاف الاغتصاب والعنف الجنسي» الهجمات ضد المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.

يشرف الممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح بالتعاون مع اليونيسيف على إدارة الآلية. وتقوم الآلية بتوفير المعلومات التي يتم التحقق من صحتها على شكل تقارير لمجلس الأمن لإعلام الدول الأعضاء بالتطورات والانتهاكات المتعلقة بحقوق الأطفال حول العالم. ويمكن لمؤسسات المجتمع المدني تقديم “التنبيهات البسيطة” أو “الحالات الموثقة” حول انتهاكات لحقوق الأطفال لآلية الرصد والإبلاغ.

تنخرط الأمم المتحدة مع الجهات (دول أو جماعات مسلحة غير حكومية) يتم تصنيفها في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول الأطفال والنزاعات المسلحة باعتبارها ترتكب واحداً أو أكثر من الانتهاكات الجسيمة المحددة بحق الأطفال» وأهمها تجنيد واستخدام الأطفال في النزاع المسلح. هذا الانخراط ينتج عنه عادة توقيع خطة عمل تتضمن تفاصيل عملية للجهة المصنفة في التقرير تلزمها باتخاذ خطوات تحت رقابة الأمم المتحدة وبدعم من المنظمات الإنسانية والحقوقية ومنظمات حماية الطفل والمجتمع المدي. تراقب الأمم المتحدة مدى التزام هذه الجهات بخطة العمل الموقعة ومدى تطور تنفيذها لالتزاماتها وصولاً إلى إنهاء الانتهاكات المرتكبة. بناء على ذلك من الممكن أن يقوم الأمين العام بإلغاء تصنيف هذه الجهة كأحد المرتكبين للانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال في تقريره السنوي

في 21 كانون الأول/ديسمبر 2016 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 248/71» الذي نصّ على إنشاء آلية دولية محايدة مستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة وفق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011.

يست الآلية مكتب مدعي عام أو محكمة» بل تقوم مهمتها على جمع وتحليل المعلومات والأدلة المتعلقة بالجرائم الدولية المرتكبة في سوربا للمساعدة في الإجراءات الجنائية في المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية أو التي لديها اختصاص في هذه الجرائم أو قد يكون لديها اختصاص في هذا المجال مستقبلاً. وتسعى الآلية من خلال مزاولة ولايتها إلى دعم عمليات المساءلة الرامية إلى إنصاف الضحايا الذين تعرضوا لجرائم دولية خطيرة ارتُكبت في سوربا منذ آذار/مارس 2011.

تتواصل الآلية أيضاً مع المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية» بما في ذلك المنظمات الي تنخرط في توثيق ومسح الانتهاكات والتجاوزات. وقد سبق أن اجتمعت رئيسة الآلية مع عدد من المنظمات غير الحكومية السورية. وتهدف الآلية من خلال التنسيق مع المنظمات غير الحكومية إلى تعزيز فهمها لولاية الآلية وأيضاً إلى مناقشة الطرائق الرامية إلى التعاون» بالإضافة إلى ضمان التزامها بتزويد الآنية بالمعلومات والوثائق ذات الصلة التي تمتلكها.

وقعت الآلية يوم 3 إبريل/ نيسان 2018‏ في لوزان بروتوكولًا للتعاون مع 28  منظمة سورية غير حكومية. يهدف البروتوكول إلى رسم الخطوط العريضة لمجموعة المبادئ الشاملة لتوجيه المشاركة بين الآلية والمنظمات غير الحكومية الموقّعة,وضمان التفاهم المتبادل فيما يتعلق بفرص التعاون, تعزيرًا للهدف المشترك بين الأطراف والمتمثل في ضمان تحقيق العدالة والمساءلة, وانصاف ضحايا الجرائم المرتكبة في سوريا.

  1. الفرق بين رفع ملفات التقاضيوالادعاء وما بين الشهادة

بداية لا بد من الإشارة إلى اختلاف الأنظمة القانونية والقضائية بين دولة وأخرى» وعليه فهناك دائماً اختلافات إما ثانوية وأحياناً جوهرية في الإجراءات القضائية بل وحتى في المصطلحات المستخدمة» خاصة عندما نتحدث عن اختلاف اللغات في هذه الدول من جهة»ء وصعوبة إيجاد مرادفها في اللغة العربية من جهة ثانية.

تشير مصطلحات مثل “رفع الدعوى” والتقدم بشكوى والادعاء والشهادة وغيرها إلى عناصر ومراحل مختلفة من مراحل المحاكمة العامة.

عادة ما تستخدم عبارة “الدعاوى المرفوعة” في السياق العام وليس القانوني وهي تشير إلى إحدى المراحل الأولية الأولى في بدء إجراءات المحاكمة ضد المشتبه به. وتشير هذه العبارة إلى إيداع شكوى أو عريضة مكتوبة لدى كاتب المحكمة على سبيل المثال) كخطوة افتتاحية نحو المقاضاة. (

في ألمانيا على سبيل المثال» حيث تعقد محاكمة فرع الخطيب» يمكن التقدم بشكوى أو ملف معلومات للشرطة» المدعي العام» أو المحكمة المحلية. التقدم بمثل هذه الشكوى أو المعلومات يمكن أن يكون عن طريق الضحية أو شهود أو طرف ثالث (هناك تفاصيل في القانون الجنائي الألماني الجي تنظم هذا الأمر). جهاز الشرطة أو المدعي العام مجبرون وفقاً للقانون الألماني على النظر في الشكوى وإجراء التحقيقات الأولية للتقرير بخصوص فتح تحقيق جنائي ومتابعة ملف القضية أو إسقاطها إذا لم تستوفٍ شروطاً معينة» أهمها عدم توفر أدلة كافية على سبيل المثال. في هذا السياق» يجبر القانون الألماني

جهة الادعاء الرسمي القيام بالتحقيقات المطلوبة بخصوص معلومات و/أو قضايا وصلت إلى معرفتهم سواء عبر معلومات استخباراتية أو حتى عبر تقارير إعلامية» وبالتالي يمكن للمدعي العام فتح تحقيق بدون أن يتلق شكوى محددة.

تتوفر لدى الادعاء العام سلسلة من الصلاحيات خلال فترة التحقيق منها اتخاذ إجراءات ملزمة مثل تفتيش منازل إلخ. عندما تتوفر لدى الادعاء العام الأدلة الكافية التي تجعله مقتنعاً أن القضية يجب أن تقدم للمحكمة» يتم تقديم الملف للمحكمة عبر ملف ادعاء متكامل يتضمن لائحة الاتهام للمشتبه به وكافة الأدلة إلخ. تتمتع المحكمة بسلطة التقرير بشأن قبول الملف من المدعي العام أو لاء ولذلك يعمل المدعي العام على إعداد ملفات ادعاء ولوائح اتهام قوبة وتفصيلية كي لا يكون عرضة لرفض المحكمة.

عندما تقبل المحكمة ملف الادعاء تبدأ المحكمة وتشمل فحص الأدلة وشهادة الخبراء والشهود بالإضافة إلى استجواب مختلف الأطراف من قبل القاضي أو القضاة وتستمر العملية لغاية إصدار الحكم. يتبع ذلك طبعاً الحق في الاستئناف من قبل المتهم أو الادعاء.

تشير شهادة المحكمة إلى أقوال الشهود والمتهمين» عند الاقتضاء أثناء سير المحاكمة. يتم الإدلاء بهذه الأقوال» بما في ذلك التعليقات والإجابات المعدة على الأسئلة الجي يطرحها المدعون ومحامو الدفاع» تحت القسم. على هذا النحو فإن شهادة المحكمة مطلوبة قانونًا لتكون صادقة. وتصنف الأقوال التي أدلى بها الشهود وغيرهم تحت القسم والني تبين لاحقًا أنها كاذبة بأنها “شهادة الزور”. يمكن محاكمة الأفراد الذين تثبت إدانتهم بالحنث باليمين بتهمة الكذب تحت القسم.

تصنف الشهادات على اعتبارها نوعاً من الأدلة ولكنها بالطبع ليست بذات القيمة القانونية للأدلة الحسية الني تعطيها

المحكمة عادة الأولوية.

٠9 الاختصاص أو الولاية القضائية العالمية

‏الولاية القضائية العالمية هي أكثر مبادئ الاختصاص إثارة للجدل في القانون الجنائي الدولي. يشير إلى الولاية القضائية المنشأة على جريمة دون الإشارة إلى مكان ارتكابها أو جنسية المشتبه فيه أو الضحية أو أي نقطة ربط أخرى معترف بها بين الجريمة والدولة الي تقوم بالملاحقة. إنه مبدأ اختصاص يقتصر على جرائم محددة» مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب (كجريمة قائمة بذاتها).

‏يتلخص المبدأ بأن الدولة التي تتبناه في نظامها القانوني والقضائي تفل اختصاصها القضائي خارج النطاق الخاضع

لسيادتها وبالتالي يمكنها التحقيق في والمحاكمة على ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة أعلاه بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو المشتبه به أو الضحية. هذا يعتبر الإطار الأوسع للولاية القضائية العالمية» ولكن الدول تختلف في تأطيره.

فمنها من يشترط وجود الضحية عل الأقل ضمن ولايتها الوطنية» وبعضها يريط تفعيل الاختصاص بكون إما المشتبه به أو الضحية يحمل جنسيتها وبعضها يشترط وجود المشتبه به ضمن ولايتها الوطنية. إن الدول الي تتبنى هذا المبدأ تتفاعل مع الجرائم المزعومة انطلاقاً من قانونها الوطني الذي يفرض عليها مثل هذا التحرك تماماً كما يفرض عليها التحرك فيما يتعلق بالجرائم الأخرى والتي ليست ذات طابع دولي. ولذلك يتضمن القانون الوطني لتلك الدول نصوصاً واضحة بخصوص هذه الجرائم لجهة عناصرها والإجراءات المتبعة بخصوصها والأحكام المسموح بها في حال تمت الإدانة من قبل المحكمة.

المحور الثالث: الانتهاكات

هل يمكن المطالبة باعتبار النزاع المسلح في سوريا نزاعاً مسلحاً دوليا؟

ليست هناك آلية أو جهة محددة في المنظومة الدولية مسؤولة قانوناً عن تصنيف النزاعات. هناك عدة جهات تتناول هذا الموضوع في سياق معالجتها للقضية من منطلقات سياسية أو قانونية أو إنسانية. على سبيل المثال قد تقوم الدول المعنية بحالة النزاع بنفسها بتصنيف النزاع» وقد يتناول مجلس الأمن قضايا النزاعات وقد يصنفها في سباق مناقشاته وقراراته. بعض المحاكم الدولية تفعل ذلك لتحديد اختصاصها والإطار القانوني لعملها. تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراً أساسياً في هذا المجال وعادة ما يشكل تصنيفها مرجعاً مهما لأنها تقوم بذلك لأسباب إنسانية. ولكن بكل الأحوال لا يمكن لي جهة تصنيف النزاع كدولي أو غير دولي إذا لم تتوفر العناصر القانونية الأساسية المطلوبة لهذا التصنيف. بلا شك أن إطار الحماية المتوفر في القانون الدولي الإنساني المنطبق على النزاعات المسلحة الدولية أوسع وأشمل من ذلك المنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية. فالأحكام القانونية التعاقدية (من المعاهدات) التي تنطبق على النزاع المسلح غير الدولي أقل بكثير من تلك المنطبقة على النزاع المسلح الدولي. إلا أن تطور القانون الدولي الإنساني العرفي والذي صارت قاعدة بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعتبر مصدره الأساسي يساهم في التخفيف من فجوة الحماية هذه حيث أن القانون العرفي ينطبق على الجميع وفي كل الحالات بغض النظر عن وجود معاهدة أم لا أو كان أحد أطراف النزاع طرفاً فيها أم لا.

تجدر الإشارة إلى أنه من الممكن أن تقع عدة أنواع من النزاع المسلح في نفس السياق والموقع نتيجة اختلاف الأطراف المتنازعة وتداخلها. فمن الممكن مثلا أن يكون هناك نزاع مسلح غير دولي بين مجموعات مسلحة غير حكومية في سياق نزاع مسلح دولي قائم بين دولتين أو أكثر. كما يمكن أن يقع نزاع مسلح دولي بين دولتين أو أكثر بينما يستمر نزاع مسلح غير دولي بين دولة ومجموعات مسلحة. وقد تتدخل دولة أو أكثر في نزاع مسلح غير دولي دون أن يتغير تصنيفه إلى دولي ببساطة كون هذه الدول المتدخلة ليست في نزاع مع الدولة الطرف في النزاع إنما تدخلت إلى جانبها. كما يمكن أن ينشأ نزاع مسلح دولي نتيجة تدخل دولة في أراضي دولة أخرى تخوض نزاعاً مسلحاً غير دولي دون موافقة الأخيرة وذلك دون أن تغير حقيقة نشوء هذا النزاع المسلح الدولي على استمرارية النزاع المسلح غير الدولي القائم على أراضي هذه الدولة» وهكذا. يخضع تصنيف النزاعات المسلحة في ظل تطور وتغير الظروف المعقدة سياسياً وجغرافياً وتكنولوجياً لكثير من النقاش الأكاديمي وتوجد هناك عدة توجهات وتفسيرات من قبل الأكاديميات فبعضها يتبنى تفسيراً ضيقاً وصارماً فيما يتعلق بتحديد وقت اندلاع النزاع المسلح الدولي وغير الدولي واستمراريته وتأثيره على تصنيف النزاعات الأخرى القائمة»

وبعضها يتبنى منظوراً أكثر شمولاً ويسعون من خلال ذلك إلى محاولة إثبات أوسع إطار ممكن للحماية.

  1. الانتهاكات الجسيمة والانتهاكات الخطيرة

هناك مشكلة لغوية واضحة ومؤثرة في التعامل مع المصطلحين. مثال: البرتوكول الإضافي الأول يتعامل مع مصطلح    grave breachesباعتباره انتهاكات جسيمة حصراً. ميثاق روماء الترجمة الرسمية للأمم المتحدة» في المادة 8(2)(ج) والمادة 8(ج)(ه) يشير إلى مصطلح  serious violations بترجمتين: انتهاكات جسيمة وانتهاكات خطيرة.

في النصوص القانونية ذات الصلة  مصطلح  grave breaches يستخدم في سباق المواد الخاصة بالنزاع المسلح الدولي» بينما يستخدم المصطلح serious violations   في سياق النزاع المسلح غير الدولي. لا يؤثر اعتماد أي من المصطلحين على احتمالية أن يرقى فعل الانتهاك نفسه إلى جريمة حرب  وبالتالي لا داعي للتخوف من عدم استخدام مصطلح الانتهاكات الجسيمة في السياق السوري مثلاً.

هناك منطق وتحليل قانوني مطول مصحوب بالكثير من الجدل بخصوص الخلفية والسبب القانونيين للتمييز بين

المصطلحين» وذلك مرتبط بشكل أو بآخر بواجب الدول أن تقوم بممارسة اختصاصها العالمي على grave   breaches  الانتهاكات الجسيمة) ولكن بالمقابل لا يوجد نفس الواجب القانوني في مواجهة ال serious violations   (الانتهاكات الخطيرة) وذلك كون هذه الانتهاكات تحدث في سباق نزاع مسلح غير دولي يحدث ضمن حدود دولة ماء وبالتالي مرتبط بسيادة تلك الدولة. طبعاً هذا لا يعني منع أي دولة من تفعيل مبدأ الاختصاص العالمي» ولكنه لا يجبر الدولة المعنية بالتجاوب مع هذا الاختصاص. هذا ليس تضييقاً حيث يمكن الاستناد إلى صكوك دولية أخرى تحمل موجباً بذات السياق

  1. التمييز العنصري

بموجب المادة ‎1‏ من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري فإن التمييز العنصري هو ” أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة» في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.”

وبشكل عام فإن جميع اتفاقيات حقوق الإنسان تحتوي على نصوص تحظر التمييز بين المواطنين في التمتع بالحقوق

المكفولة. مثلا  تنص المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بانه ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه» وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون أي تمييز بسبب العرق» أو اللون» أو الجنس أو اللغة» أو الدين» أو الرأي سياسيا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب.”

تجدر الإشارة الى أن بعض أنواع التمييز بين المواطنين وغير المواطنين في دولة ما هي قانونية» مثل اقتصار حق الانتخاب على مواطني دولة ما وليس كل شخص ضمن أراضيها. كما لا يعد تمييزا بالمعنى السلبي الممنوع بموجب القانون الإجراءات الجي يتم اتخاذها لتعزيز حماية وتطوير حقوق أقليات معينة أو فتات اجتماعية معينة كالنساء مثلا.

12.القتل خارج نطاق القانون

إن الحق في الحياة مكفول بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وإن الحق في الحياة يحمي الأشخاص فعليًا من الحرمان من حياتهم بشكل تعسفي من قبل الدولة» وليس من جميع أشكال الحرمان من الحياة والتي قد يكون بعضها متوافقًا مع القانون.

إن استخدام القوة من قبل موظفي الدولة المنوط بهم إنفاذ القانون قد يؤدي أحيانا الى سلب حياة الأشخاص وليس

شرطًا بأن يكون هذا الاستخدام غير قانوني في جميع الأحوال. مثلا لو استخدم شرطي السلاح الناري للدفاع عن نفسه أو نفس أشخاص آخرين معرضين لخطر محدق وأدى هذا الاستخدام للقوة الى سلب حياة الشخص الذي شكل الخطر قد لا يتواجد هنا انتهاك للحق في الحياة طالما كان استخدام القوة من قبل الشرطي ضروريا ومتناسباً مع الخطر الذي كان محدقاً بالنفس. كما أن تنفيذ عقوبة الإعدام في بعض الدول بعد استيفاء كافة متطلبات القضاء العادل والنزيه لا يشكل حرماناً تعسفياً لحياة الشخص المحكوم. ولكن لا يمكن التذرع في هذه الحالة بمجرد وجود قانون يسمح بالإعدام لاعتبار تجريد الأشخاص من حياتهم متوافقاً مع القانون وغير تعسفي. فإذا لم تتوفر شروط المحاكمة العادلة ونتج عن ذلك الحكم وتنفيذ الإعدام» فمن الممكن أن يرق ذلك إلى حرمان تعسفي من الحياة.

وفي حالات النزاعات المسلحة» ينظم قانون الحرب تصرفات الأطراف المتنازعة» ويحق للأطراف المتقاتلة مهاجمة بعضها البعض وتسبيب الخسائر البشرية وهذا ليس بالأمر غير القانوني طالما أن قواعد الحرب الأخرى يتم اعتبارها واحترامها.

وذلك أيضاً يعني أنه لا يجوز لأطراف النزاع التذرع بقواعد النزاع المسلح لممارسة القتل بحق أي شخص باستثناء هؤلاء الذين يحق لهم مهاجمتهم: المقاتلون والأشخاص الآخرين الذين يشاركون مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية.

  1. إساءة المعاملة

إن المادة16  من اتفاقية مناهضة التعذيب توضح بأنه على الدول الأطراف الامتناع عن ومنع حدوث ” تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية أو المهينة الذي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1» عندما يرتكب موظف عموي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرص على ارتكابها أو عندما تتم بموافقة أو بسكوته عليها.”

إن أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية تعرف “المعاملة اللاإنسانية” بأنها الحاق “ألم شديد أو معاناة شديدة» جسديا أو  عقليا”.+ وهنا يمكن الملاحظة بأنه لا داعي لوجود “غرض محدد” من الفعل لاعتباره معاملة لاإنسانية» على عكس فعل التعذيب. ولأن شدة الفعل هنا قد لا تصل لنفس مستوى الشدة في حالة التعذيب» فإن أفعالاً كوضع الشخص في ظروف احتجاز سيئة (ضيق المكان» انعدام النظافة» الأعمال الشاقة المتعبة))2 أو حالات الحبس الانفرادي»3 أو نقص الماء والغذاء او الخدمات الطبية للأشخاص المحتجزين* ترق الى فعل المعاملة اللاإنسانية.

أما “الاعتداء على الكرامة الشخصية” وهي تشمل “المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة” فتعرفها أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية بأنها أفعال تهين كرامة الشخص أو تحط منها الى درجة “معروفة عموماً على أنها اعتداء على الكرامة الشخصية. وهنا يجب التنويه بأن هذا الفعل قد يطال أيضا الأشخاص الأموات أو الفاقدين للوعي.

  1. النزوح

أن يكون الأشخاص مجبرين أو مضطرين لمغادرة بيوتهم/أماكن إقامتهم الأصلية إلى مناطق أخرى ضمن حدود الدولة التي يخضعون لولايتها وذلك لأسباب تتعلق بنزاع مسلح أو أشكال أخرى من العنف. يمكن أن يكون النزوح بسبب الكوارث الطبيعية. عنصر البقاء ضمن حدود الدولة هو الذي يصنف حالة المغادرة بالنزوح الداخلي ويميزها عن وضع اللجوء الذي يشترط  فيه عبور حدود دولية. لا تنتقص حالة النزوح الداخلي من حق النازحين في الحماية» حيث أن المنطق هو أن الدولة صاحبة الولاية عليهم ما زالت مسؤولة عن حمايتهم» ويتميز اللجوء عن هذا الوضع بأن الذين يعبرون الحدود الدولية باتوا خارج نطاق حماية الدولة صاحبة الولاية الأساسية» وبالتالي فهم يبحثون عن الحماية من دولة أخرى وفي معظم الأحيان تكون الحماية مطلوبة من الدولة الي لجأوا منها.

في بعض حالات الكوارث الطبيعية» وحين يعبر النازحون حدوداً دولية بسبب اضطرارهم لفعل ذلك يعتبر ذلك نزوحاً كون النازحين لم يقوموا بعبور الحدود الدولية بحثاً عن الحماية إنما هرباً من مخاطر طبيعية.

ليس هناك صِكَ قانوني ملزم على المستوى الدولي يغطي قضية اللجوء كما هو الحال في اتفاقية 1951‏ الخاصة باللاجئين. ولكن هذا لا يعني أن النازحين غير محميين بموجب القانون الدولي» خاصة وأن القانون الدولي الإنساني المنطبق في حالات النزاع المسلح والذي يعتبر سبباً أساسياً للنزوح يفرض معايير واضحة بخصوص منع النزوح وحماية النازحين خلال وبعد عملية النزوح.

  1. التهجير القسري

هو إجبار السكان المدنيين على مغادرة أماكن سكنهم من قبل أي طرف في النزاع المسلح. هناك حالتان فقط يمكن أن يعتبر إخلاء السكان فيهما قانونياً: حماية المدنيين أو الضرورة العسكرية الملحّة. إلا أن هاتين الحالتين لا يمكن التذرع بهما لأي عملية إخلاء يأمر بها أحد أطراف النزاع» حيث يجب أن يكون مبرر حماية المدنيين أو الضرورة العسكرية الملحة موضوعياً وحقيقياً ومتناسباً. كما يجب على الجهة المسؤولة عن هذا الإخلاء/التهجير “القانوني” تأمين حماية النازحين  خلال عملية الإخلاء وتأمين حاجاتهم الإنسانية الأساسية وحماية حقوقهم في المكان الذي يتم نقلهم إليه.

يعتبر قيام أطراف النزاع بتقليص خيارات البقاء أو انعدامها للسكان المدنيين أحد أكثر الأساليب المتبعة لإجبارهم على مغادرة أماكن سكنهم. إن التذرع بوجود قوة عسكرية للعدو في مناطق المدنيين ليس سببا كافيا لإثبات الضرورة العسكرية الملحّة وبالتالي الضغط على السكان المدنيين من خلال الحصار العسكري5 أو القصف المستمر. إن أية عملية إجلاء للمدنيين يجب أن تتم بالتشاور معهم وبموافقتهم» ولا يعتبر التوقيع على اتفاقيات الإجلاء بين أطراف النزاع كافياً لتمثيل السكان المدنيين وموافقتهم.

تحظر القاعدة 129  من القانون الدول الإنساني العرفي الأمر بنزوح السكان المدنيين» كما تجبر القاعدة 131  ضمان استقبال النازحين في ظل أوضاع مرضية. مفهوم “الأمر” الوارد في القاعدة 129 بات متفقاً على عدم اعتباره أمراً مباشراً وحرفيا إنما بمعنى الإجبار من خلال نسق من الانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني والي لا تترك خباراً أمام المدنيين سوى المغادرة.

16.التغيير الديموغرافي

ليس مصطلحًا تقنيًا بموجب القانون الدولي. مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدان في عدة قرارات محاولات لتغيير التكوين الديموغرافي” لمنطقة محتلة. يمكن أن يكون التغيير الديموغرافي نتيجة لأفعال مثل التطهير العرقي أو النزوح القسري. عمل التهجير القسري محظور في القانون الدولي الإنساني سواء في سياق الاحتلال أو أثناء وجود نزاع مسلح غير دولي. كما يشكل التهجير القسري جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا تم استيفاء المتطلبات الإضافية. فالفعل الأساسي هو إجبار السكان على مغادرة مناطق سكنهم الأصلية والقانونية بهدف إحلال مجموعة سكانية أخرى مكانهم ذات طابع اثني أو ديني معين على سبيل المثال وذلك بنية تغيير التكوين الديموغرافي للمنطقة.

17 .التطهير العرقي

مصطلح “التطهير العرقي” قد استخدم في العديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة المتعلقة بالنزاع في البوسنة والهرسك وكان معترف بها في الأحكام ولوائح الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ومحكمة العدل الدولية. في تقرير مرحلي» عرّفت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة التطهير العرفي بأنه “تحويل المنطقة إلى منطقة عرقية متجانسة باستخدام القوة أو التخويف لإبعاد أشخاص من مجموعات معينة من المنطقة “.

كما عرّفت اللجنة نفسها التطهير العرقي على أنه “سياسة هادفة تصممها مجموعة عرقية أو دينية للتخلص بوسائل عنيفة ومثيرة للإرهاب السكان المدنيين من مجموعة عرقية أو دينية أخرى من مناطق جغرافية معينة “. لم يكن المصطلح المعترف به كجريمة مستقلة بموجب القانون الدولي» ومع ذلك» فإن سلوكيات مماثلة للجريمة  الموصوفة بمصطلح “التطهير العرفي” قد تشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية.

  1. الاعتقال والاعتقال التعسفي

‏التعريف: لا يوجد تعريف للاعتقال التعسفي في المواثيق الدولية. على الرغم من ذلك المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحدد المعايير الرئيسية لتحديد ما إذا كان الحرمان من الحرية تعسفياً. التعليق العام رقم 35 للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة يُعرّف الحرمان من الحرية على النحو التالي:

 “الحرمان من الحرية ينطوي على تقييد أكثر شدة للحركة في مساحة أضيق من مجرد التدخل في حرية التنقل بموجب المادة 12. أمثلة على الحرمان تشمل الحجز لدى الشرطة» والحبس الاحتياطي» والسجن بعد الإدانة» الإقامة الجبرية» والاحتجاز الإداري والاستشفاء القسري والحجز المؤسسي للأطفال والحبس في منطقة محظورة في المطار وكذلك النقل الإجباري. وتشمل أيضّا قيودًا إضافية معينة على الشخص الموجود بالفعل في الحجز على سبيل المثال» الحبس الانفرادي أو استخدام وسائل التقييد الجسدي. خلال فترة الخدمة العسكرية» القيود التي من شأنها أن ترق إلى الحرمان من الحرية للشخص المدني قد لا ترق إلى مرتبة الحرمان من الحرية إذا لم يتجاوز مقتضيات الخدمة العسكرية العادية أو تتخطى ظروف الحياة الطبيعية داخل القوات المسلحة للدولة العضو المعنية”.

وعليه» فإن الحق في الحرية ليس مطلقا والحرمان من هذه الحرية في بعض الأحيان يكون مبرراً وفقاً للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» مثل حالات إنفاذ القوانين الجنائية. وبالتالي فهذا الحرمان من الحرية ويكون مبررا يجب أن يستند إلى سلطة القانون. قد يكون الحرمان من الحرية مستنداً إلى القوانين المحلية ولكنه تعسفي بذات الوقت. فلا ينبغي أن يُعادل مفهوم “التعسف” بمصطلح “مخالف للقانون”», ولكن  يجب تفسيره على نطاق أوسع ليشمل عناصر عدم الملاءمة والظلم وعدم القدرة على التنبؤ والإجراءات القانونية الواجبة فضلاً عن عناصر المعقولية والضرورة والتناسب “. فعلى سبيل المثال» يجب أن يكون الحبس الاحتياطي على أساس تهم جنائية معقولاً وضرورياً بكافة الأحوال. بغض النظر عن أية أحكام قضائية لمدة معينة لهذا الحبس» فإن القرار بإبقاء الشخص في أي شكل من أشكال الحجز يعتبر تعسفياً إذا لم يكن خاضعاً لمراجعة دورية لتبرير استمرار هذا الحجز.

يجب ألا تكون الأسس والإجراءات القانونية المبررة للحرمان من الحرية مخالفة أو مدمرة للحق في حرية الشخص في الأساس. فعلى سبيل المثال» إن فرض عقوبة شديدة القسوة بالسجن على ازدراء المحكمة دون تفسير كاف ودون ضمانات إجرائية مستقلة يعد تعسفياً. يجب ألا يرق النظام إلى مستوى التهرب من القيود المفروضة على نظام العدالة الجنائية من خلال توفير ما يعادل العقوبة الجنائية دون الحماية الواجبة التطبيق. كما أنه من أهم ما يوضح مفهوم الاعتقال التعسفي هو قيام السلطات باعتقال الأفراد لمجرد ممارستهم القانونية لحقوقهم المضمونة في العهد ومن ذلك حرية الرأي والتعبير وفقاً للمادة 19 حرية التجمع وفقاً للمادة 21‏ حرية إنشاء أو الانضمام للجمعيات وفقاً للمادة 22 حرية الدين وفقاً للمادة 18 والحق في الخصوصية وفقاً للمادة 17 ؛‏ وكذلك الاعتقال على أسس تمييزية في انتهاك للمواد 2 (1)و 3 و 36»‏

الحظر

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» 1966» المادة 9: “لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. لا يجوز أن يتعرض أي شخص للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي”. يحظر الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي للفرد ويثبت المعايير الرئيسية لتحديد ما إذا كان الحرمان من الحرية تعسفياً.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر قاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي القاعدة 99: “يحظر الحرمان التعسفي من الحرية”.

18.1. الاعتقال التعسفي جريمة حرب:

في النزاعات المسلحة غير الدولية» وفقًا للمادة 8 (2) (ii) (c) من نظام روما الأساسي» قد يرق الاحتجاز التعسفي إلى جريمة حرب إذا كان يرق إلى “المعاملة المهينة و الحاطّة للكرامة” وتم ارتكابها “ضد الأشخاص الذين لم يشاركوا بشكل فعال في الأعمال العدائية» بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم والأشخاص العاجزين عن القتال بسبب المرض والجروح.أو الاحتجاز أو أي سبب آخر”.

في النزاع المسلح الدولي وفقًا للمادة 8 (2) (1) (vi) من نظام روما الأساسي فإن “الحرمان المتعمد لأسير حرب أو أي شخص محمي آخر من حقوق المحاكمة العادلة والنظامية” يشكل جريمة حرب.

18.2 الاعتقال التعسفي كجريمة ضد الإنسانية:

عملاً بالمادة 7)) (1) (e)من نظام روما الأساسي فإن “السجن أو غيره من الحرمان الشديد من الحرية الجسدية في انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي” يشكل جريمة ضد الإنسانية “عندما يُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين» مع العلم بالهجوم “

الطرف المسؤول: حظر الاحتجاز التعسفي ينطبق في كل من النزاع المسلح الدولي وغير الدولي وهو ملزم لكل من الحكومات والجماعات المسلحة.

19. الاختطاف

‏ليس هناك تعريف للاختطاف في القانون الدولي. وهو يمكن أن يفهم/يفسر في إطار الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري.عادة ما يرتبط فعل الاختطاف بانتهاكات أخرى منها بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التعذيب والمعاملة المسيئة» القتل خارج نطاق القانون» اتخاذ المختطف كرهينة» وغير ذلك من انتهاكات محتملة لباقي الحقوق.

‏أشارت لجنة حقوق الإنسان في تعليقها العام رقم ‎35 ‏ إلى مسؤولية الدولة في حماية الأفراد من الاختطاف من قبل أفراد أو كيانات غير رسمية.

20. الاختفاء القسري

‏التعريف (1): “القبض أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل آخر من أشكال الحرمان من الحرية من قبل وكلاء الدولة أو من قبل أشخاص أو مجموعات من الأشخاص يتصرفون بإذن أو دعم أو موافقة الدولة» يليها رفض الاعتراف بالحرمان من الحرية أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده. الأمر الذي يجعله خارج حماية القانون “.

المرجع: الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 20 ديسمبر 2006» المادة 2.

‏التعريف (2): “القبض على الأشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل أو بإذن أو دعم أو قبول دولة أو منظمة سياسية» متبوعًا برفض الاعتراف بذلك الحرمان من الحرية أو إعطاء معلومات عن مصير أو مكان وجود هؤلاء الأشخاص»ء مع نية إخراجهم من حماية القانون لفترة طويلة من الزمن. “.

‏المرجع: نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية» 17 يوليو / تموز 1998.» المادة 7 (2) (1)

‏20.1. الحظر:

‏- الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري» 20 ديسمبر / كانون الأول 2006» المادة 1: “لا يجوز إخفاء أحد قسراً”.

‏- اللجنة الدولية للصليب الأحمر قاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي» القاعدة 98: “الاختفاء القسري محظور”.

20.2 الاختفاء القسري كجريمة ضد الإنسانية:

‏بموجب المادة 7 (1) (i)» يشكل “الاختفاء القسري للأشخاص” جريمة ضد الإنسانية “عندما تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي سكان مدنيين على علم بالهجوم “.

‏الطرف المسؤول: حظر الاختفاء القسري ينطبق في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وهو ملزم لكل  من الحكومات والجماعات المسلحة.

‎٠‏ الارتزاق والمرتزقة

‏تناول القانون الدولي الإنساني قضية الارتزاق والمرتزقة قبل تأطيرها في معاهدات دولية خاصة. لا يجرّم قانون النزاعات المسلحة» وكذلك القانون الجنائي الدولي» الارتزاق والمرتزقة بصفتهم تلك. تعرّف المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول المرتزق على أنه شخص يجب أن تتوفر فيه الشروط الستة التالي (في آن واحد):

‏(أ) يجري تجنيده خصيصًا محليًا أوفي الخارج؛

‏(ب) ويشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية»

‏(ج) يُحَفْرهِ أساسًا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية» الرغبة في تحقيق مغنم شخصي وتُبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو نيابةً عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بدرجة كبيرة ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم؛

‏(د) وليس من رعايا طرف في النزاع أو متوطنًا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع؛

‏(ه) وليس فردا من أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع؛

‏(و) وليس موفدًا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفًا في النزاع بوصفه فردًا في قواتها المسلحة.

‏لا يتمتع المرتزق بحقوق الحماية المنصوص عليها في قانون النزاع المسلح الدولي إذا وقع في أيدي الدولة الطرف الأخرى و لا تنطبق عليه صفة أسير الحرب)» ويحق للدولة الحاجزة محاكمته» ولكن يجب أن تكون محاكمة عادلة. ولا يجوز مقاضاته لكونه مرتزقاً إلا بموجب القانون الوطني للدولة الحاجزة إذا كان هذا القانون يتضِمّن بنودًا تصف الارتزاق بأنه جريمة مُحدّدة.

‏وتلجأ العديد من الدول الى توظيف ما يسمى بالشركات الأمنية والعسكرية» وهي نشطت بشكل كبير في العراق كشركة بلاك ووتر وتنشط هذه الشركات حاليا أيضا في سوريا. حيث تشير التقارير الى وجود شركات حماية امنية وعسكرية مسجلة كونها محلية سورية ولكنها بالحقيقة ممولة ويتم التحكم بها من قبل بعض الدول. وفي معظم الأحيان» فإن موظفي الشركات الامنية والعسكرية هم مرتزقة» طالما تنطبق عليهم الشروط السابق ذكرها. هناك محاولات مستمرة للتلاعب بوضعهم القانوني والقول بأنهم فعليا لا يشتركون في القتال وبالتالي ليسوا مرتزقة وإنما فقط يقومون بتقديم خدمات حراسة وخدمات جمع معلومات وعند القتال فقط في إطار الدفاع عن النفس.

في سياق القانون الدولي العام» تهدف اتفاقية مناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم للعام ‎1989  إلى القضاء على  ظاهرة الارتزاق وليس تنظيم سلوك المرتزقة كما هو الحال في نطاق القانون الدولي الإنساني. تعتمد الاتفاقية نفس إطار تعريف القانون الدولي الإنساني ولكن بشكل أوسع. ما يميزها أنها لا تحصر أحكامها بالنزاع المسلح الدولي كما هو الحال بأحكام البروتوكول الإضافي الأول» إنما تنطبق على النزاع المسلح غير الدولي أيضا وتجرّم وفقاً للمادة الثانية كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة» عدا عن تجريم الارتزاق بحد ذاته» والزام الدول بعدم تجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة وفقاً للمادة 5. انضمت سوريا للاتفاقية في العام 2008 روسيا وتركيا وايران ليسوا أطرافا في الاتفاقية.

د. المحور الرابع: العدالة الانتقالية

1:العدالة الانتقالية

‏العدالة الانتقالية هي نهج للاستجابة للانتهاكات المنهجية أو الجسيمة لحقوق الإنسان الي تهدف إلى توفير العدالة

والحقيقة والإنصاف للضحايا بالإضافة إلى تعزيز فرص تغبير البلد والمجتمع والظروف الأخرى التي قد تكون أصل الإساءات. لتحقيق هذين الهدفين غالبًا ما تجمع مناهج العدالة الانتقالية بين عدة تدابير وعناصر العدالة الجنائية والتصالحية والتعويضية. غاليًا ما تتضمن عناصر مثل هذه المبادرات ما يلي:

– الملاحقات الجنائية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي

– تدابير البحث عن الحقيقة: لجان تحقيق مخصصة تم إنشاؤها في الدول ومصرح بها من قبل للأغراض الأساسية المتمثلة في التحقيق والإبلاغ عن الفترات الرئيسية للانتهاكات الماضية الأخيرة» وتقديم توصيات لمعالجة مثل هذه الإساءات ومنع تكرارها ولكن أيضّا لجان تحقيق البحث عن المختفين والمقابر الجماعية» وأية إجراءات أخرى بهدف

– برامج جبر الضرر: المبادرات التي ترعاها الدولة والني تهدف إلى المساهمة في إصلاح العواقب المادية والمعنوية لتجارب الانتهاكات السابقة من قبل الضحايا من خلال التعويض وإعادة التأهيل والترميم والرضا وضمانات عدم التكرار.

– ضمانات عدم التكرار: برامج واسعة النطاق لتحويل الجيش والشرطة والقضاء ومؤسسات الدولة ذات الصلة من أدوات للقمع والفساد إلى أدوات للنزاهة والخدمة العامة.

– تخليد الذكرى: تشمل الجهود المتاحف والنصب التذكارية وتعليم التاريخ» وغيرها من وسائل الحفاظ على الذاكرة

العامة للضحايا ورفع الوعي الأخلاقي حول الانتهاكات الماضية من أجل بناء استجابة مجتمعية ضد تكرارها.

في حين أن هذه هي مجموعة الأدوات العامة للعدالة الانتقالية» إلا أنه لا توجد في نهاية المطاف صيغة واحدة للتعامل مع الانتهاكات السابقة ويجب على كل مجتمع أن يبتكر طريقه الخاص ويستغل الفرص والتغييرات لتحقيق أهدافه من أجل الحقيقة والعدالة والإنصاف. من المهم أيكّا أن نتذكر أن تدابير العدالة الانتقالية يجب أن تكون ذات صلة بالسياق» واحتياجات ومطالب الضحايا وواقعهم المعاش لكيفية تأثر الضحايا بالانتهاكات. لا ينبغي النظر إلى العدالة الانتقالية على أنها شيء ثابت ولكن كنهج يسمح بتصميم طرق جديدة ومبتكرة للتعامل مع الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان والتعامل مع أسئلة مثل “ما الذي يجب أن يحدث حتى يشعر الضحايا بالرضا؟”, “ما الذي يجب أن يحدث حتى لا يحدث هذا مرة أخرى؟”, “ماذا يجب أن يحدث لأولتك الذين ارتكبوا جرائم؟”, “كيف يمكن للمجتمع والأجيال الجديدة أن يتعلموا من الماضي؟”, وهكذا دون الشعور بالقيود من خلال مجموعة أدوات العدالة الانتقالية» ولكن استخدامها كنقطة انطلاق لتطوير ما هو ملائم لسياق والواقع المعيشي واحتياجات ومطالب الضحايا.

من المهم أيضا عدم الشعور بالتقيد بمصطلح “العدالة الانتقالية” نفسه» بل أن تفهم تطورها منذ بدايتها. ظهرت العدالة الانتقالية لأول مرة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات وذلك في الأساس استجابةً للتحولات السياسية الي حدثت في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية – وتقدمت المطالبات بالعدالة خلال تلك التحولات. في ذلك الوقت كان نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم مهتمين بمسألة كيفية معالجة الانتهاكات المنهجية للأنظمة السابقة بشكل فعال» لكنهم ما زالوا يعززون- لا يعرقلون – التحولات السياسية التي كانت جارية. نظرًا لأن هذه التغييرات كانت تسمى شعبيًا “الانتقال إلى الديمقراطية”, بدأ الناس يطلقون على هذا المجال الجديد متعدد التخصصات “العدالة الانتقالية” أو “العدالة في أوقات الانتقال”. منذ ذلك الحين تم استخدام تدابير العدالة الانتقالية في العديد من السياقات المختلفة مثل أوضاع ما بعد النزاع (بيرو) في المجتمعات الديمقراطية (كندا،  أستراليا)» ولكن أيضا في سياقات الصراع المستمر (كولومبيا)» وفي سياقات عدم وجود الانتقال (سريلانكا).

2: الفرق بين التعويض المالي وجبر الضرر

جبر الضرر هو مجموعة من الإجراءات التي تنفذها الدولة لإصلاح عواقب انتهاكات حقوق الإنسان – إما لأنها ارتكبتها بشكل مباشر أو لأنها فشلت في منعها. ليس لديها هدف فقط لإصلاح عواقب انتهاكات حقوق الإنسان ولكنها تهدف أيضًا إلى التعبير للضحايا والمجتمع بشكل عام أن الدولة ملتزمة بمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الانتهاكات (على سبيل المثال من خلال إصلاح  القطاع الأمني المسؤول وتعديل القوانين وغيرها) والتأكد من عدم تكرارها. يعتبر جبر الضرر عادةً الطريقة الأكثر مباشرة وذات مغزى لتحقيق العدالة لأنها تتعامل مع الاحتياجات الأكثر إلحاحا للضحايا وتشكل شكلًا ملموسًا من العدالة.

يمكن أن يتخذ جبر الضرر أشكالاً عديدة» مثل التعويض ورد الحقوق وإعادة التأهيل والترضية وضمانات عدم التكرار. يمكن أيضًا توزيعها فردياً أو جماعيا عندما تعالج الضرر المرتكب ضد مجتمع بأكمله. قد تعالج الخسائر المادية وغير المادية (المعنوية) التي تكبدها الضحايا فضلاً عن العواقب العاجلة والأضرار طويلة المدى التي يتعرض لها الضحايا. بالنظر إلى الأشكال العديدة التي يمكن أن تتخذها جبر الضرر من المهم أن نتذكر أن التعويض المالي (دفع المال) هو واحد فقط من أنواع مختلفة من التعويضات التي يمكن تقديمها للضحايا.

عند النظر في جبر الضرر من المهم أن نتذكر أنه يجب أن يستجيب لحقوق الضحايا وتلبية الاحتياجات المستمرة للضحايا الناتجة عن هذه الانتهاكات. ومع ذلك لا يعاني جميع الضحايا من نفس تجربة  الأذى وسيختلف نوع التعويض المطلوب بناءً على احتياجاتهم وظروفهم كضحايا. لإعطاء فكرة عن النطاق الواسع للتعويضات يمكننا أن ننظر على سبيل المثال في انتهاك حقوق الإنسان للاختفاء القسري» ويمكن أن تكون الأشكال الممكنة للتعويضات لمعالجة عواقب هذا الانتهاك:

 

– إصلاح قطاع الأمن والقضاء وجميع مؤسسات الدولة الأخرى المسؤولة عن ارتكاب الاختفاء القسري أو عدم منعه؛

 

– تعديل القوانين المؤدية إلى الاختفاء القسري؛

– سن قوانين وممارسات جديدة تهدف إلى ضمان عدم تكرار الاختفاء القسري؛

– سن قوانين تهدف إلى إصلاح تبعات الاختفاء القسري» مثل الشهادات التي تثبت اختفاء فرد (وليس الموت فقط)ء أو تعديل القوانين للسماح للمرأة بالوصول إلى الممتلكات إلخ؛

– تقديم منح دراسية ومزايا تعليمية أخرى لأبناء المختفين؛

– تقديم الدعم النفسي لأسر المختفين؛

– تقديم معاشات تقاعدية وغيرها من أشكال المساعدة المالية لأسر المختفين؛

– البدء في عملية البحث عن الحقيقة حول الشخص المختفي» بما في ذلك تحديد مكان الدفن واستخراج الجثث وتسليم الجثث إلى عائلات الضحايا؛

– تدابير رمزية تهدف إلى استعادة كرامة الضحية» مثل تخليد الذكرى» وتحويل السجون السابقة إلى متاحف» وتدريس انتهاكات حقوق الإنسان في كتب التاريخ في المدارس؛

– محاسبة الجناة من خلال التحقيقات والمحاكمات؛

كل ما سبق ذكره هو أشكال من الجبر والتعويض ليس سوى شكل واحد من الأشكال العديدة التي يمكن للمجتمع أن يوفر فيها علاجًا لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في الماضي.

3: المساءلة والمصالحة الوطنية

المصالحة هي مجموعة معقدة من العمليات التي تنطوي على بناء أو إعادة بناء العلاقات» غالبًا في أعقاب الانتهاكات الجسيمة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان. يمكن أن تحدث على المستوى الفردي (الأفراد الذين يتصالحون ويصنعون السلام الذي يعالج تجاريهم الخاصة في الأذى والمعاناة)» والمستوى الشخصي (بين فردين تحديداً)» والمستوى الاجتماعي والسياسي (بين المجموعات المختلفة في المجتمعات المنقسمة والمستقطبة)» وكذلك على المستوى المؤسسي (بين المواطنين والدولة). يوصف بأنه “ضعيف”

إذا كان قائمًا فقط على التعايش بدون ثقة أو احترام أو قيم مشتركة بين المجتمعات ومع الدولة» أو “كثيف” إذا كان قائمًا على استعادة الكرامة» وعكس الأسباب الهيكلية للتهميش والتمييز واستعادة حقوق الضحايا.

لا ينبغ النظر إلى المصالحة كبديل لعملية العدالة والحقيقة» ولكن ينبغي اعتبارها أحد الأهداف العديدة لهذه العملية.إلى الحد الذي تنجح فيه عمليات العدالة الانتقالية في التعرف على الضحايا واستعادة حقوقهم وثقتهم بالدولة ومواطنيها ومنع الانتهاكات المستقبلية» فقد يصلون أيضًا بشكل إيجابي إلى هدف المصالحة. على سبيل المثال» أشارت المصالحة في الأرجنتين إلى استعادة الثقة في مؤسسات الدولة وإثبات فعاليتها في حماية حقوق الإنسان. كان هذا ممكناً من خلال عدة خطوات بما في ذلك محاكمة الديكتاتورية العسكرية وبرنامج التعويضات المنفذة للضحايا. لذلك» من السهل القول إنه بدون اتخاذ تدابير مناسبة لاستعادة كرامة الضحايا ومعالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى الانتهاكات وضمان عدم تكرار الانتهاكات لا يمكن العمل على تحقيق المصالحة.

على سبيل المثال» بالنسبة للعديد من الضحايا في أمريكا اللاتينية» كان يُنظر إلى استخدام مصطلح المصالحة على أنه قانون للإفلات من العقاب وتمرير مجاني لمجري النظام عندما حالت قرارات العفو دون محاسبة المجرمين. في جنوب إفريقيا يُنظر أحيانًا إلى أنه يفرض عبنًا على الضحايا ليغفروا بينما يتسترون على الافتقار إلى الاعتراف الحقيقي أو الندم على ماضي المسؤولين عن ارتكاب الفظائع.

4.5 العدالة التصحيحية/الإصلاحية

يمكن أن تشمل العدالة الانتقالية اكتر من شكل للعدالة مثل العدالة الجزائية (المحاكمات) والعدالة  التعويضية والتصحيحية» وكذلك العدالة التصحيحية هي طريقة/خطة/نموذج بديل لمواجهة الجريمة» والتي بدلاً من التركيز على الفعل الإجرامي والجاني بتركز على الضحية وعواقب الانتهاكات اللي حصلت ضده. وهذا يعني أن الدولة يجب أن تعمل على الاعتراف بمعاناة الضحايا وتعويضهم /جبر الضرر واستعادة كرامتهم» أكثر من معاقبة الجناة.أما الجناة فيجب على الدولة أن تعيد دمجهم في المجتمع في سبيل إعادة الروابط الاجتماعية. العدالة التصحيحية/الإصلاحية تعتبر العقوبة الانتقامية غير كافية» لأنها لا تعطي أهمية لمعاناة الضحايا واحتياجاتهم.

وكذلك العدالة التصالحية لا تركز على تقييم ذنب الجاني بس على تعزيز كل الآليات التي تجعله يعرف /يدرك الضرر الذي تسبب به والاعتراف بمسؤوليته ومحاولة إصلاح الضرر.

مثال على العدالة التصحيحية/الإصلاحية في العدالة الانتقالية هو عملية العدالة الانتقالية في كولومبيا. من بين كل الآليات١التدابير‏ العدالة الانتقالية اللي حصلت في كولومبيا المقاتلون السابقون في منظمة فارك وكذلك أفراد الجيش ومنظمات أخرى حصلوا على أحكام مخففة على جرائم خطيرة ولكن إذا وافقوا على ثلاث شروط: يجب أن يعترفوا بمسؤوليتهم وأن يقولوا الحقيقة (أن يجيبوا عن اسئلة الضحايا)ء وإنصاف الضحايا شخصيًا من خلال تطوير مشروع تعويضات مع الضحايا. ثم عندما ينفذون هذه الشروط فعليهم قضاء عقوبة خاصة بين 5 إلى 8 سنوات في مكان غير السجن مع بعض أشكال العقوبة الأخرى مثل حظر حرية التنقل أو الإقامة الجبرية. إذا لم يقوموا بذلك» يواجهون عقوبات في السجن العادي. وبهذه الطريقة» يتم إعطاء الدور الرئيسي للضحايا الذين

يجب على الجناة أن يعترفوا بمسؤوليتهم تجاههم» وأنو يقولوا الحقيقة ويقدموا الإنصاف للضحايا كما يرى ويقرر الضحايا ما هو ضروري ومطلوب.

تشرح نظرية العدالة التصحيحية لماذا يربط قانون الضرر بين الضحية والجاني» حيث يتطلب الأمر من الجاني واجب إصلاح الخسائر غير المشروعة التي يسببها.

المصدر:

https://tbinternet.ohchr.org/_layouts/15/treatybodyexternal/Download.aspx?symbolno=INT%2fCC

 

 

 

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »