Search
Close this search box.

حضور قاعدي للمرأة في(رابطة/حزب) العمل الشيوعي في سوريا

حضور قاعدي للمرأة في(رابطة/حزب) العمل الشيوعي في سوريا

بسام سفر

يعد حضور المرأة في قيادة الهياكل التنظيمية السياسية والإدارية دليلاً قاطعاً على جدية هذه الهياكل لخدمة البلاد والمجتمع المحلي الذي تنتمي إليه, وغالباً ما يدل ندرة وجود المرأة في هذه المواقع القيادية على عدم تقدير دورها وحضورها في هذه الهياكل القيادية. في سوريا، ومنذ خمسينيات القرن الفائت نادراً ما نجد شخصية نسائية ذات حضور سياسي شغلت مواقع مهمة في الهياكل القيادية التنظيمية السياسية سواءً في المعارضة أو السلطة, خصيصاً إذا ابتعدنا عن الحضور الديكوري في المواقع القيادية لدى النظام. ورغم كل الحضور السياسي المعارض وتاريخيته منذ نشوء الحلقات الماركسية والرابطة وبعدها حزب العمل الشيوعي الذي يوثقه الكاتب والباحث راتب شعبو في كتاب “قصة رابطة العمل الشيوعي في سورية” فصل من تاريخ اليسار الجديد, الصادر عن دار المرايا للإنتاج الثقافي في القاهرة بالشهر الثاني من العام2020.

 ومن خلال رصد الباحث شعبو نادراً ما وجدنا دوراً للمرأة في الهيئات والهياكل القيادية في( الحلقات/ الرابطة/ الحزب), ولم يظهر اسم لمشاركة في حلقات “اللاذقية وريف جبلة, وحماة, ودير الزور, وجامعة دمشق وحلب, والغاب, وصفوف الجيش العربي السوري”.

المشاركة التاريخية للمرأة:  

تظهر المشاركة النسوية الأولى في الحلقة ذات الميول التروتسكية والمؤلفة من( غياث نعيسة, أكسم نعيسة, مها محمود, حسين شاويش, مروان عبد الرزاق, علي الشهابي).

وعقدت الحلقات ثلاث اجتماعات موسعة آخرها في آب من العام1976, الثالث في حلب وضم حوالي” ثلاثين مندوباً غالبيتهم لم يتجاوز الثلاثين من العمر, يمثلون حوالي120 عضواً. لم يكن بين المندوبين أي حضور نسائي”.

أما الظهور الثاني لمشاركة نسوية في رابطة العمل الشيوعي كان” بعد صدور العدد(17 من الراية الحمراء), إذ تم اعتقال أكرم البني, الذي روى كيف حمل بفرح نسخة من هذا العدد إلى المدرسة الكادرية كأول نموذج للطباعة الجديدة التي استمر بعد اعتقاله لعشرات الأعداد, فقد سبق له أن نقل خبرته في صف الأحرف إلى مصطفى خليفة وصفوان عكاش اللذين شكلا مع سحر البني, خلية فنية جديدة للاستمرار في طباعة أدبيات الرابطة بعد اعتقال أكرم في حملة أيلول 1978 التي أدت توقيف عمل المدرسة الكادرية”.

ويعرض الباحث شعبو لتاريخية المرأة في حزب العمل الشيوعي عبر جانبين، الأول هو نظرة الحزب إلى المرأة في المجتمع وارتباط هذا بنظرته للعائلة، والثاني دور المرأة ومشاركتها في تجربة الحزب.

 أن التفكير في موضوع العائلة وتحرر المرأة سوف يتراجع أكثر مع تزايد الانحطاط في خضم العمل السياسي وتزايد الضغط الأمني وأجواء القمع المستمر الذي شهدته التجربة، الواقع أن الحزب لم يقدم فهمها محدداً لهذا الموضوع, لكن حين كان هناك متسع من الأمن, انشغلت الحلقات الماركسية بدراسة الفهم الماركسي للعائلة, في سياق طموحها, كجزء من موجة اليسار الجديد, إلى إعادة صياغة العالم بما يتجاوز” العالم القديم”.

 أنتجت حلقات في حماة وحلب واللاذقية, أكثر من دراسة تتناول موضوع تحرر المرأة والعائلة والزواج الأحادي. كانت هذه الدراسات تكتب بخط اليد وتوزع بين الحلقات. ظهر في تلك الدراسات اتجاهان، الأول: يربط بين الحب والجنس ويناصر العلاقة الأحادية التي تنتهي بالزواج ضمن قانون يرضي المجتمع, وهم الأغلبية داخل الحلقات.

والثاني: تيار قليل العدد, يستند أساساً إلى وليم رايخ(1897-1957) وكتابه” الثورة والثورة الجنسية” الذي يدافع فيه عن علاقات جنسية متعددة شريطة أن تتم بالتراضي.

 ويذكر كامل عباس في مقالة له عن نشرها في موقع الرأي في25/11/2018,أنه خلاصة الدراسة التي قدمتها حلقة اللاذقية كانت تقول:” إن الأسرة في المجتمع مثل حجرة البناء, إذا كان الملاط الأسمنتي يربط بين الحجارة, وبه تقوم أعمدة البيت, فأن ملاط الأسر في النسيج الاجتماعي هو التعاون والتآلف والعلاقات الطيبة بين الأسر, ومن يود أن يكون طليعياً في خدمة مجتمعه يجب أن يكون ناجحاً في أسرته ومحيطه أولاً”.

ويأسف عباس على ضياع تلك الدراسات فلم تصدر في كراس أسوة ببقية القضايا التي عالجتها الحلقات وصدرت في سلسلة الخط الاستراتيجي، ويوضح أنه” أصبح الرفاق مشغولين بالنضال ضد الامبريالية والصهيونية وبقضية فلسطين المركزية. وبإسقاط إحدى دول الطوق من أجل تحطيم الكيان الصهيوني, أكثر بكثير من تحرر المرأة داخل سورية. وهكذا غاب الفعل الواعي داخل المنظمة لقضية تحرر المرأة كقضية اجتماعية لصالح القضية الوطنية”.

ويشرح الكاتب شعبو أنه لم تكن مشاركة المرأة في مراحل تطور التجربة التي امتدت من الحلقات إلى الرابطة ثم إلى الحزب, مشاركة كبيرة في العدد ولم يكن للشابات المشاركات في التجربة مواقع قيادية فيها، غير أن هذه المشاركات كانت في تزايد مستمر, وكانت الأعلى إذا ما قيست بمشاركة المرأة سواء في التنظيمات الشيوعية السورية الأخرى, أو في باقي التنظيمات السياسية السورية المعارضة. ويشير شعبو إلى أنه لا يوجد ذكر لأسماء نساء بارزة في الحديث عن مرحلة الحلقات الماركسية, رغم أن ناشطي الحلقات يتحدثون عن وجود نسائي, وإن كان قليلاً, في الحلقات وبشكل خاص في حلقة اللاذقية, وفي حلقة حماة التي برز منها أسماء نسائية لاحقاً مثل هالة العبد الله, ولعل أقدم العناصر النسائية في تاريخ الحلقات كانت ليلى نحال, التي التحقت بالعمل الفعلي بعد صيف1973, وانهيار حلقة اللاذقية عقب خروج زكريا شريقي منها.

ويضيف أنه ظهرت مشاركة ملحوظة للمرأة في مرحلة الرابطة في مجال المهام اللوجستية, مثل الطباعة والضرب على الآلة الكاتبة ونقل البريد أو توزيع المناشير فضلاً عن المهام التثقيفية والدعاوية ونشر خط الحزب, ولكن دون الوصول إلى مراكز قيادية متوسطة أو عليا.

وكانت نتيجة تلك المشاركة اعتقال عشرة نساء هن”صباح عبدلكي, هالة العبد الله، خلود العبد الله, نجود اليوسف, سناء الكردي, ليلى نحال, روزيت عيسى, رنا سيور, راغدة عساف, فيروز خوري”، بحملة أيار1978.

 وأربع نساء في حملة ربيع1979, وهن:” حسيبة عبد الرحمن, سحر البني, ملاك سيد محمود, انتصار ميا”.

واعتقلت بعض المناضلات بشكل فردي أثناء توزيع المنشورات, وهن (فاطمة لاذقاني, وهند قهوجي, وغادة العلي”.

 وهكذا برزت ظاهرة الاعتقال السياسي للنساء والاحتفاظ بهن في السجن لفترات طويلة. مع ذلك, بقيت المرأة في الرابطة في صفوف القاعدة بنسبة غالبة, يدل على ذلك غيابها الكامل عن عضوية الهيئة المركزية ولجنة العمل, وضعف تمثيل المرأة في المؤتمر الأول التأسيسي حيث جاءت نسبة مشاركة المرأة فيه من (4%), من أصل (55) مندوباً امرأتان( حنان شريف, ومها محمود).

 وفي المرحلة الحزبية( بعد آب1981) اتسعت مشاركة المرأة في الحزب، ولكن دون حصول تغير نوعي في دورها على مستوى التنظيم, فبقيت في صفوف القواعد غالباً. وتميز بعضهن بدعم العمل الفني وتنضيد المقالات قبل طباعته( حنان الشريف, وفاء الحسن, سحر البني), ووصلت أربع مناضلات إلى مراكز قيادية وسيطة( المنطقية) هن( حسيبة عبد الرحمن, سحر البني, فاديا شاليش, ومنير حويجة).

ووصلت ضحى عاشور العسكري, إلى أعلى منصب قيادي تتبوأه امرأة في تاريخ حزب العمل الشيوعي, حيث شغلت موقع عضو في الهيئة القيادية التي كانت بمثابة هيئة طوارئ, ذلك أن حملة الاعتقالات العاشرة(1987) تركت الحزب بلا قيادة. فتم تشكيل هيئة قيادية( قامت بدور لجنة مركزية ومكتب سياسي) ضمت كل من( مازن شمسين, محمد ديب قات, وجريس التلي, وبهجت شعبو عبد العزيز الخير). وسرعان ما اعتقل مازن شمسين ومحمد ديب قات, فجرى استدعاء محمد غانم من اللاذقية، وضحى عاشور من حلب لترميم القيادة بمن هو متاح.

 ويصف شعبو هذه الظاهرة بأنها نقطة ضعف التجربة الحزبية رغم تزايد الحضور النسائي في التنظيم, وعقب المؤتمر مباشرة كانت حنان الشريف من بين المعتقلين الذين اعتقلوا بعده، ثم أفرج عنها بعد شهر من الاعتقال ليعاد اعتقالها ثانية أثناء زيارتها في السجن لمنيف ملحم زاعمة أنه زوجها, ثم أفرج عنها بعد حوالي 20 يوم.

وفي حملة اعتقالات العام1986, اعتقلت( حسيبة عبد الرحمن, فاطمة عباس, شفيقة العلي, زهرة كردية), وقبلهن اعتقلت هند قهوجي في العام1984, وفي الحملة الكبرى على الحزب في العام 1987, بلغ عدد النساء اللواتي اعتقلن أكثر من (100) رفيقة وصديقة, أطلق سراح قسم منهن بعد أيام أو أشهر قليلة, وجرى تحويل قسم آخر إلى سجن دوما في دمشق, حيث تم للمرة الأولى في تاريخ سورية الحديث تخصيص سجن نسائي للمعتقلات السياسيات, وتذكر الراية الحمراء في العدد(127، في حزيران1988):” نقل إلى سجن المناضلات السياسيات في دوما/ دمشق, ست وعشرون مناضلة, بينهن أمهات عديدات, وحوامل أنجبت( رنا محفوظ, وضحى عاشور فيه, وقضت مولدة كل منهما حياتها الأولى داخل جدران السجن), وعازبات, وبينهن مهندسات وموظفات وعاملات ومعلمات وثوريات محترفات، ومازال أكثر من نصف هذا العدد معتقلاً في فرع فلسطين(235), وبعضهن رهائن عن أزواجهن الملاحقين”.

 واحتفظ بالمعتقلات وهن:” سحر البني, منيرة حويجة, سحر حويجة, سناء حويجة، لينا المير, فاديا شاليش, ناهد بدوية, رماح بوبو, عفاف قندلفت, غرناطة الجندي, وجدان ناصيف, أميمة شمسين, سوسن معاز, هيام أبو عاصي, منى الأحمد, سلاف بارودي, هالة فطوم, سمر شما, تماضر العبد الله, هيام نوح, سميرة خليل, فاطمة خليل, أسمهان مجارسي, رنا محفوظ, هيام معمار, وفاء إدريس, هتاف القصير, مي الحافظ, سونا السباعي, بثينة تنبكجي, أنطوانيت اللاطي, جوليا مطانيوس, لينا وفائي, مريم زكريا, منيرة الصارم, أسيا الصالح, حميدة التعمري, غادة غيبور”. وأطلق سراحهن في تشرين الثاني من العام1991.

واعتقلت كل من” خديجة ديب, ضحى عاشور, تهامة معروف, وفدوى محمود) في العام 1992, وفي العام التالي اعتقلت سيليا عباس وراغدة حسن، فضلاً عن المناضلات اللواتي نجون من الاعتقال وبقين خارج دائرة” الشهرة” التي سببها الاعتقال.

وتنتقد حسيبة عبد الرحمن عدم مشاركة المرأة في المواقع القيادية في(رابطة /حزب) العمل الشيوعي, بالحجج التي تسوقها المنظمة لتبرير عدم وصول النساء إلى مواقع قيادية, مثل مراعاة الظرف الأمني والتعذيب”مع العلم أن صمود النساء بالحصيلة النهائية أفضل”.

 ويؤكد شعبو إن حسيبة من بين أهم الرموز النسائية للرابطة والحزب, سواء من حيث كفاحيتها أو صمودها أو وعيها والتزامها الثوري الذي أوصلها إلى المعتقل مرات عديدة.

 ويقدم شعبو استطلاعاً شمل خمس عشرة من النساء اللواتي ناضلن في صفوف الحزب, عبر جميعهن عن عدم الرضا لضعف الدور القيادي للمرأة في الحزب, منهن من رد الأمر إلى ظروف العمل السري وقسوته, ومنهن من رد إلى سيادة العقلية الذكورية داخل الحزب، كما في المجتمع.

 ويفسر كامل عباس جاذبية الرابطة للشباب والشابات بأنه” إصرار المنظمة على الاستمرار رغم كل القمع الموجه ضدها من أجهزة الأمن, جعلها محط احترام في عيون الشباب والشابات السوريين, وكانت كل حملة قمع ترفد المنظمة بشابات وشباب جدد يعوض نزيف كادرها بذهابه إلى السجن”.

تظاهرة أمهات وزوجات المعتقلين:

 يفرد الباحث شعبو فقرة خاصة لتظاهرة الأمهات والزوجات قائلاً: تمكن حزب العمل الشيوعي في سورية بعد جهود وترتيبات طويلة من تنظيم مظاهرة لأمهات معتقلي الحزب أمام قصر الجمهوري في حي المهاجرين بتاريخ19آذار 1990, حيث تجمع حوالي(300) امرأة من أقارب معتقلين حزب العمل( أمهات, أخوات, زوجات), وهتفن يطالبن بالإفراج عن أبنائهن, تم ترتيب الأمر بحيث يفاجأ الحرس بتشكيل تجمع نسائي بعد أن تصل النسوة في مجموعات صغيرة كل مجموعة في سيارة أجرة.

 استمرت المظاهرة ما يقارب الساعة قبل أن يفرقها الحرس بخشونة, حيث أحضروا باصات وأرغموا النسوة على الصعود بها, ثم اتجهت الباصات إلى أماكن مختلفة من دمشق وأنزلت النسوة, وبذلك أنقطع التواصل فيما بينهن.

ويصف شعبو الحدث أنه المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب يساري من تنفيذ عمل ميداني بهذا الشكل, وإن كان لا يندرج في إطار المظاهرات العامة على اعتبار أن جسد الحدث يتألف من أهالي معتقلين وتقتصر المطالبة فيه على الإفراج عن أبناء وأقارب، غير أن الحضور في المجال العام ومطالبة السلطات بطريقة احتجاجية كانت بحد ذاتها خطوة جريئة في سورية في ذلك الوقت. وهي واحدة من محاولات حزب العمل إثبات وجود على الساحة وكسر القوقعة التي يفرضها النظام بالقمع والتعتيم على جميع الأحزاب السياسية المعارضة.

ويعرض الباحث شعبو شهادة أحدى رفيقات الحزب من اللواتي ساهمن في ترتيب وتهيئة هذه التظاهرة, إذ تقول:” كان الحزب يتواصل مع أهالي المعتقلين السياسيين من حزب العمل من خلال الرفاق والأصدقاء الذين تربطهم صداقات وقرابات مع هؤلاء الأهالي. عمل الحزب مع هؤلاء الأهالي وخصوصاً الأمهات والزوجات بغرض دفعهن للمطالبة بأبنائهن عن طريق تنظيم مجموعات وتقديم طلبات جماعية في العام1989, ثم تبلورت فكرة أن تقوم هؤلاء الأمهات والزوجات بمظاهرة في عيد الأم في العام1990, للمطالبة بالإفراج عن أبنائهن. بدأ العمل من قبل مجموعة من أعضاء الحزب الملاحقين بوضع خطة عمل واتصال مع الأهالي في دمشق كنا نقوم كل يوم بزيارة لأهل معتقل والحديث عن الأمر. وكانت الفكرة أن النظام لن يتطاول على أمهات لأنهن نساء أولاً ولأن غالبيتهن كبيرات في السن, وكل ما يردنه هو إيصال فكرة أننا نريد أبناءنا ولن ننسى أبناءنا ونحن نعتز بهم, وهذه الفكرة كانت صحيحة(100%).

 زرنا كل أهالي المعتقلين في دمشق, وكان لكل منا أيضاً أن يتصل مع مدينة أخرى ويعتمد هناك على مجموعة رفاق وأصدقاء في هذه المدينة من أجل التنظيم والتواصل. تحدد اللقاء في دمشق عند كراج العباسيين, على أن تقوم كل أربع أو خمس نساء بأخذ “تكسي” إلى المهاجرين حيث يوجد القصر الجمهوري.

 كان العمل حثيثاً جداً، كانت المجموعة التي في دمشق: عبد العزيز الخير وخديجة ديب وأنا. زرنا بيوت أهالي المعتقلين الموجودين في دمشق جميعاً بدون استثناء, وفي زيارات كثيرة كان يذهب معنا عبد العزيز, وحين لا يستطيع الذهاب نذهب خديجة وأنا, وفي بعض الأماكن كنت أذهب وحدي, وفي أماكن أخرى تذهب خديجة وحدها, لاعتبارات أمنية, لكن بالمجمل كنا مع بعض. زرنا الأهالي من الأحياء الراقية والغنية والتي كان أهالي بعض الرفاق يقطنوها إلى الأحياء الفقيرة: (التجارة، القصور، الشعلان، أبو رمانة، مساكن برزة، المخيمات، جرمانا، الدويلعة ،عشوائيات القدم، الدحاديل، ونهر عيشة).

وتروي أن الرعب مسيطر على كل شيء, وبالرغم من أن الأبناء والأزواج كانوا معتقلين والبعض مضى على اعتقاله سنوات طويلة, أقل مدة كانت ثلاث سنوات أي منذ حملة1987, كان الجميع متحمساً للفكرة وكانت اللقاءات ودودة معنا, بالرغم أن البعض كان يتوقع أو يعرف أننا ملاحقين أمنياً.

 وتؤكد أن أحدى الأمهات كانت تنسق معنا خطوة بخطوة في دمشق, وتنزل على المواعيد وكأنها صبية في ريعان الصبا, و كان( ابنها, وأختها, وأخيها, وابن أخيها وصهرها معتقلين), وهي اعتقلت لمدة شهرين أو ثلاثة،  وأبنائها الثلاثة وابنتها أيضاً, وأفرجوا عن أبنتها بعد شهور.

كانت هذه المرأة تملك من الحب والصمت والوعي والقوة ووضوح الرؤيا ما يجعلك لا تستطيع نسيانها أبداً. لم تكن تعرف أسمي حينها لكنها تعرف وضعي الأمني, وعندما كنت أسألها أين أستطيع رؤيتك؟, كانت تقول أستطيع الذهاب إلى كل الأماكن, أنت حددي المكان الذي يناسبك ولا يشكل خطراً عليك(هذه المرأة هي سميحة فطوم), كانت الأمهات شجاعات كثيراً ممن عرفتهن, لكن تلك المرأة دائماً بذاكرتي لتميزها ومعرفتها بتفاصيل العمل السياسي.

 أذكر منهن( أم هيثم العلي, وأم علي الشهابي التي كانت عندما ترى أماً مترددة قليلاً ترفع صوتها وتقول باللهجة الفلسطينية الجميلة:” شو جبنتي؟”

وأم محمد ديب من السلمية, كانت مسؤولة عن حضور الجميع, وهي آخر من ركبت في( تاكسي) مع مجموعة إلى المهاجرين بعد أن أمنت على كل النساء.

وأم مازن شمسين من اللاذقية معها أمهات المعتقلين وبعض الزوجات, خافت الأمهات على زوجات المعتقلين لأنهن صبايا ويخفن من الاعتقال، عندما تكون الزوجة صبية كن يطلبن منها أن لا تذهب.

وتضيف أنه عندما تذكر أسماء أمهات ستظلم أمهات أخريات لأن جميعهن كن مستعدات, ونزلن, وكان العدد كبيراً، وجابهت النسوة رجال الحرس بعدما فاجأتهم بنزولهن بهذه الأعداد والتنظيم، وكن قد اتصلن بوكالة رويتر وبالبي بي سي التي ذكرت الخبر مرة واحدة أو مرتين.

 ويذكر الباحث شعبو أن الحزب أصدر بلاغاً إثر تلك التظاهرة جرى توزيعه على وكالات الأنباء جاء فيه:” دشنت المرأة في سورية عقد التسعينات بعمل كفاحي ينطوي( رغم تواضع حجمه) على دلالات عميقة عما يختمر في أعماق شعبنا وما يحلم به ويسعى لتحقيقه في هذه المرحلة من تاريخه”(الراية الحمراء, العدد131).

 وتروي السيدة” ثورة كردية” من السلمية, وهي من الشابات المستقلات اللواتي ساهمن في تنظيم هذه المظاهرة تفصيلاً مؤثراً, كيف كانت الأمهات يتوجهن إلى المارة الذين يستوقفهم هذا التجمع, ويشرحن لهم أوجاعهن على غياب أبنائهن, وتعرضهم للتعذيب وانقطاع أخبارهم.

 وبحسب كردية فإن الأمهات نظمن بعد ذلك, في بداية الصيف من العام نفسه, تجمعاً آخر في دمشق في منطقة جسر الرئيس, وكانت أعدادهن قليلة ولم يتجهن بالتالي إلى أي مكان آخر.

 ويقرأ الباحث شعبو الحدث أن الوجه النسوي لهذه الأنشطة ليس إلا محاولة لتفادي البطش المتوقع حيال النشاط نفسه, فيما لو تولاه الآباء والأخوة الذكور أو حتى كان مختلطاً.

 ورغم أن المرأة لم تسلم من قمع وبطش النظام, الشيء الذي كانت تشير إليه” الراية الحمراء” بسخرية على أنه إنجاز للنظام السوري في” المساواة بين الجنسين”, إلا أنه يبقى للمرأة موقعها كأم, وزنا واعتباراً اجتماعيا ً وأخلاقياً يلجم إلى حدود معينة البطش بها, وهو ما يفسر تكرار إيصال هذه الرسالة على هذا الحامل النسائي أو قل الأمومي.

 ومن ناحية أخرى, أنه من المرجح أنه ما كان لأمهات معتقلي حزب العمل جرأة الخروج للمطالبة بالإفراج عن أبنائهن لو كان لهذا الحزب أنشطة عسكرية ويحمل وزر إراقة دماء أو أعمال تخريبية عامة, وما كان لهن أن يخرجن لو كان لهذا الحزب أنشطة أو أفكار وسياسات غير وطنية.

لا شك أن الأفكار والسياسات الوطنية للحزب ومقاومته الاستبداد ورفضه الفكر والممارسات الطائفية, كان بمثابة رصيد معنوي أو درع معنوي لمثل هذه الأنشطة الأهلية التي, للأسف, لم تتجاوز ذلك إلى الدائرة الوطنية العامة, إلى دائرة فعل عام يطالب بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين.

ويشير شعبو إلى سعي حزب العمل الشيوعي في سوريا بما هو متاح بين يديه للتأثير في الحياة السياسية ومسعاه لأن يكون وزناً سياسياً فاعلاً، ومن الحق القول إنه الحزب اليساري الأكثر سعياً في سوريا, لتحقيق شروط نضال معارض, في ظل القمع الدائم.

أخيراً رغم كل الجدية السياسية لحزب العمل الشيوعي في سوريا إلا أن الهيئات القيادية فيه لم تناقش حضور المرأة فيها خصيصاً أن المساواة في الحقوق هي التي حكمت العمل الحزبي في كل هيئاته, ونادراً ما حدث تميز في الهيئات من زاوية الحقوق الرفاقية, ألا أن عدم حضور المرأة هو أحد عيوب التنظيمات الحزبية و( المجتمع الذكوري), رغم كل التبريرات التي تساق لعدم حضور المرأة في هذه الهيئات.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »