Search
Close this search box.

 دور  العنف الثقافي و المؤسساتي في زيادة العنف ضد المرأة

 دور  العنف الثقافي و المؤسساتي في زيادة العنف ضد المرأة

سحر حويجة

يتنشر العنف الجنسي  والجسدي والنفسي  ضد المرأة، في جميع الدول  سواء المتقدمة أو المتخلفة دون استثناء، ولكن  ما تختلف فيه المجتمعات والحكومات هو:

ـ اعترافها  بظاهرة العنف   و فك جدار الصمت  من حوله.  وتختلف الدول  بالتشريعات  والقوانين التي تضعها الحكومات،  لتحمي النساء من العنف،  وتقاضي من يعنف النساء وتنصف النساء.

ـ   تختلف الدول بالسياسات التي تضعها  لحماية ضحايا العنف،  وتعيد تأهيلهم وتعوضهم عن الاعتداء ضدهم وتشجعهم على الكلام والتفكير وتمنحهم الأمان. كما تختلف المجتمعات بمدى مواجهتها للعنف ضد المرأة،  وذلك بنقطة  جوهرية  هي مدى إدانتها للعنف أو تبريرها إياه،  باسم مبادئ  رمزية مستمدة من الدين أو العادات آو التقاليد. وتختلف الدول أيضاً في الأشكال الثقافية التي يتخذها العنف.

عرفت  المادة الاولى من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة  لعام 1979 :  بأي تفرقة  أو استبعاد أو تقييد يتم بشأن الحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان أخر  أو توهين أو إحباط إمتاعها بهذه الحقوق  أو ممارستها لها،  بصرف النظر  عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.

وجاء  في الإعلان العالمي للقضاء على العنف  ضد المرأة لعام 1993 :  “بأن العنف ضد المرأة هو أي فعل  عنيف قائم على أساس الجنس،  ينجم عنه أو يحتمل  أن ينجم عنه أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية  للمرأة،  بما في ذلك  التهديد باقتراف مثل هذا الفعل, أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في  الحياة العامة أم الخاصة.”

 على الرغم من أن حوادث العنف وجرائمه تكون فردية،  على شكل اعتداء على الجنس الأخر، لكن العقل الاجتماعي والنظام المؤسساتي،  القائم  في مجتمع ما، هو الذي يرتب الفوارق ويسند الميزات إلى هذا الجنس،  ويحرم الجنس الآخر منه.

إن العلاقة بين التمييز ضد المرأة الذي ينتجه المجتمع،  والعنف الذي يرتكبه الأفراد، علاقة مترابطة ومتداخلة ينتج الواحد عن الأخر، ويعززه. 

 حيث أن التمييز بحد ذاته عنف،  لأنه يستهدف ماهية الأخر،  إنه كالعنصرية انتقاص من حقوق الأخر،  و نفي للإنسانية  الكاملة للمرأة ولمبدأ المساواة المؤسس للحياة  الاجتماعية في عصرنا،  بعد أن أثبتت  المرأة كفاءتها  في القيام في الأدوار التي كان الرجال يضطلعون بها  تقليدياً. المرأة تستهدف بالعنف باعتبارها امرأة لا باعتبارها إنساناً  أو مواطنة.

  تقوم الإنسانية على الإنسان  المرأة والرجل،   ولعل صيغة  حقوق الإنسان للمرأة، الأكثر أهمية وتعبير من صيغة حقوق المرأة.

يرتبط  العنف بالتمييز،  ويشكل  العنف آلية للحفاظ على التمييز،  فالكثير من الرجال يستعملون العنف لفرض الأدوار النمطية التقليدية على النساء،  وتنظيم العنف لصالح  الرجل،  هذه أهم سمات  النظام الأبوي،   يعرّف النظام الأبوي:  بأنه نظام سياسي قانوني تكون فيه السلطة وحق التصرف للأشخاص والأموال  فيه خاضعين إلى قاعدة نسب أبوي.

 النظام الابوي  يعارض و يختلف عن النظام الديمقراطي،   فالنظام الأبوي  يعني اختلاط والتباس  بين  وظيفة الاب ووظيفة صاحب السلطة.  التباس الوظيفتين لا يحول دون  المساواة فحسب  بل يجد ترجمته على الصعيد السياسي  من حيث انه يمنع أو يحد من ظهور البنى   المؤسسة للحضارة الحديثة  والحياة الديمقراطية،   فواجب طاعة الزوجة يجعل هذا الزوج زوجاً وسيداً في آن،  بما أن للزوج حق تأديبها،  يعني أن  يكون الرجل  خصما وقاضيا في الوقت نفسه،   هو قانون سيادة القوي على الضعيف،  ما يقال عن الحياة  الخاصة يقال عن الحياة العامة:  من  العقبات التي تواجه  الديمقراطية،  هو التباس صورة ووظيفة الأب بوظيفة صاحب السلطة،  في المجالين العام والخاص، سمة المجتمع الأبوي المتماهي مع الاستبداد السياسي،    حيث نجد غياب القانون باعتباره سلطة لا شخصية فوق الجميع.

 التمييز واللا مساواة في القانون :  يشكل القانون درعا حاميا ضد ممارسات التمييز في البلدان المتطورة، بينما القانون    يكرس التمييز في المنطقة العربية.   من خلال  موقف الحكومات من الإتقافية الدولية المناهضة للتمييز الجنسي،  ومن القوانين التمييزية ضد المرأة،   الموجودة  في العديد من التشريعات،  لكن المجال الذي تبرز فيه اللامساواة بين المرأة والرجل، ويتسم فيه تطور التشريعات بالبطء، هو قانون الأحوال الشخصية،  الذي لم تخترقه الحداثة  ويشكل أحد الضمانات  لاستمرار الأدوار الجندرية التقليدية.   حيث يضع  المرأة تحت وصاية الأب والزوج  ولا يمنع تعدد الزوجات ويجعل الطلاق بيد الرجل،  واغلب هذه التشريعات تنص على طاعة الزوجة للزوج وتشترط موافقة الزوج على عمل زوجته  وعلى سفرها خارج البلد  ولا يمنح الجنسية لأبناء المتزوجات من الأجانب وتمنع زواج المسلمة من غير المسلم،  وتمنع الإجهاض .

 إن التمسك بالقوانين التمييزية في مجال الأحوال الشخصية وغيرها  من قوانين هو عنف  مؤسساتي بنيوي،  لا ينبع من أفراد بل من بنى اجتماعية وقانونية يتبناها الأفراد والمجموعات وتوجه سلوكهم. 

 

    تلعب مؤسسة الفقه دوراً خطيراً في نشر ثقافة العنف والدفاع عن منظومة الفقه القديمة  عن طريق  خلطة وتناقضات عجيبة بل مضحكة،   عند البحث  عن حلول لقضايا عصرنا، وعن  مفاهيم أنتجها العصر الحديث,   مثل  قضايا:  منح الجنسية او عدم منحها للمرأة المتزوجة من أجنبي،   قضية المشاركة السياسية للمرأة  عبر الانتخاب والترشيح، مفهوم المساواة والمواطنة، هذه القضايا لا وجود لها  في الفقه والفكر السياسي   القديم.

وبعد أن أصبح من الصعب،  بناء أي فكر سياسي او ممارسة سياسية على  أساس اللامساواة الصريحة، لذلك يميل السلفيون الجدد الى  الحديث عن   الاختلافات  وفق تصوراتهم  االجندرية.  فأفضلية الرجل لم يعد مصدرها مبادئء دينية  فقط بل  تدعمها البراهين العلمية،   حيث   يغيب مبدأ القوامه دون ان يغيب تبعيته السياسية  بالاستناد الى  اعتبارات عن طبيعة المراة والرجل  واستعدادهما الفطري،   لأن عملية  تولية الأمور العامة واختيار من تناط بهم تلك المهمة تتطلب  خبرة ومعرفة تامة بمن يعهد إليهم بهذه الأعباء الثقيلة،  والرجال اقدر على ذلك لتولي هذه المسؤوليات من النساء.

 عبر التشريعات والفقه والعادات يتم انتاج    ثقافة العنف ضد النساءـ هي التي تجعل الناس يعتقدون ان العنف ليس عنفا، ويعتبر العنف الثقافي من.اشد أنواع العنف    الذي يبدو بديهيا   ويفرض نفسه على الضحية والجلاد والقاضي.

   كيف نواجه ثقافة العنف ضد النساء في سياق بناء   المساواة و ثقافة المساواة؟

 التمييز يؤدي إلى العنف   ففي مبدأ الطاعة ما يسوغ العنف الزوجي، ومبدأ الأب  رأس العائلة يبقي على التمييز،  ويذكر بالقوامة والطاعة والتاديب ومجموعة من  صيغ العلاقات التراتبية التي ترتبط برئاسة الرجل للأسرة,.  فهناك ارتباط وثيق بين ممارسة العنف من صاحب العضلات الأقوى،  والنظام الذي يضمن استمرار قوة صاحب العضلات الأقوى، هذا النظام هو نظام التمييز ضد النساء.  

إدارة المقدس  من قبل رجال دين،  يستغلون  سلطتهم المعنوية وقدرتهم على التأثير في المجتمع، و  يعملون على إنتاج  ثقافة  جنسية تعتبر الفوارق بين الرجال والنساء طبيعية فطرية وتعتبر تحرر المرأة من الأدوار النمطية خروجا على النظام الإلهي،  يختزلون القران  ورسالته الأخلاقية في مجموعة من الأحكام، ويرفضون دعوات إعادة التفكير في علاقتنا اليوم بالنصوص المقدسة، ويتشددون بالأحكام الخاصة بالمرأة أكثر من  فقهاء العصور القديمة أنفسهم،  ويعملون على  إضفاء طابع القداسة على العادات التي لم يرد ذكرها في القرآن مثل تحريم موانع الحمل والحقوق  الإنجابية للمرأة.

و لا يكتفون بتصدير الفتاوى،  و الخطابات المبررة للعنف والتمييز،  بل ينصبون أنفسهم  سلطات تراقب الخطابات الأخرى  المغايرة،  للحد من فاعليتها وإقصائها وتستخدم لذلك أليه  تكفير الأخر.   أحد أخطر  أشكال العنف الثقافي ذلك الذي يضطلع به  أشخاص يتكلمون باسم الله  ليكفروا دعاة الحرية والمساواة.

ويزداد هذا العنف عنفا عندما نجد صدى  لهذه الدعوات لدى المشرعين المدنيين ولدى  أصحاب  القرار السياسي،  نجدها في شكل تحفظات على الاتفاقيات الدولية، و ترديد شعارات الهوية والخصوصية. متحدية العصر. رفع التحفظات عن الاتفاقات الدولية، وإلغاء القوانين التمييزية، ومدنية الدولة والأحزاب السياسية،  وضرورة الفصل بين مجال العبادات  والمعاملات،  التي يجب ان تخضع الى سنة التطور والتحول، وإبعاد الدين عن التشريع والسياسة،  ووضع حد  التكفير و الفتاوى التمييزية،   هو الأساس  لتقويض  التمييز والعنف ضد المرأة.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »