د. صباح ضميراوي
لن تنسى آية ذلك اليوم الذي تحول فيه زوجها إلى وحش، وهو يهجم عليها ليهشمً وجهها إن استطاع، لكنها ابتعدت في اللحظة الأخيرة. لن تنسى الكلمات البذيئة التي ينعتها بها كلما شعر أن طاعتها له ليست عمياء، لن تنسى كيف يربط أطفالهم من أيديهم على مقبض الباب ويضربهم ويبقيهم هكذا لساعات، حتى يخال لمن يراه يفعل ذلك أنهم ليسوا أولاده ولا تربطه بهم أية مشاعر. ومع ذلك ومع كل هذا الجور الذي تلقاه وأطفالها منه، لم تكن تشتكي ظلمه وقسوته عليهم لأحد، كان لديها يقين بأنها لو تكلمت لأحد فلن يغير عادته بالضرب، بل ربما ازداد عنفاً وشتماً. وعندما تلجأ إلى والدتها على أمل أن تنصفها، كانت تكرر على مسامعها عبارة واحدة فقط: “في رجال كتير بيضربو، هيك طبعهم”.
حتى الجارات عندما كانت آثار الكدمات تظهر على وجهها أو على احد الأولاد، كانت نظراتهن تقول هذا حال أغلبنا مع التلميح لها أن على المرأة أن تصبر على نصيبها في هذه الحياة وألا تخرب بيتها بإيدها. وذات ضرب مبرح قالت لها أمها: “سيمل زوجك من ضربك كما حصل مع خالتك سميحة التي مازال انفها مائلاً من ضربة وجهها لها زوجها في بداية زواجهما”.
في شوارع المدينة القديمة والمدمرة كانت آية تسير ولا تعرف إلى أين تتجه. لن تذهب لبيت أمها فهي تعرف الجواب كالعادة: “اصبري يابنتي ماعنا طلاق بعيلتنا وعيب عليكي تنزعي سمعة العائلة”. ولن تذهب إلى القريبات اللاتي يحولن قصتها إلى مادة لأحاديثهن وليصلن في النهاية إلى نتيجة تعرفها: “لو ماحاجتو للضرب ماضربها”. كما لن تذهب لجاراتها وتحكي لهن مايحصل معها من قهر وجور وهن يحسدنها انه مازال عندها رجل، وبالتأكيد ستسمع منهن أمثالهن المعتادة: “الرجل رحمة حتى لو كان فحمة، ظل راجل ولا ظل حيطة، الخ”. عدا عن الخوف الذي كان بداخلها منهن، فربما تسرقه منها وفاء الجارة المقابلة لبيتها، والتي مات زوجها من سنوات بعد ان ترك لها ثلاثة أولاد وتعمل في بيتها بحفر المحشي وصنع المونة لبائع الخضرة القريب منهم، الذي تدعي وفاء أنه يتحرش بها باستمرار، لكنها تتحاشى الاصطدام معه خوفاً من أن تخسر العمل الذي يؤمن لقمة أولادها. أو هبة التي طلقها زوجها وترك لها أربعة أولاد ولا تعرف كيف ومن أين تعيلهم، ولولا عملها عند إحدى الطبيبات كمربية منزل لماتت هي وأولادها من الجوع، كما يقولون. لا، لن تقول شيئاً وهي تعلم أنهن يحسدنها ويتمنين وجود رجل بحياتهن حتى لو ضربهن كل يوم، ولذا آثرت الصمت والصبر فربما يمل مع الزمن من ضربها، أو يكبر ويصبح أقل رغبة وقدرة على الضرب، أما السب والكلمات البذيئة فمقدور عليها.
وتدور الأيام لتسكن في نفس الحي جارة جديدة تعمل في إحدى الجمعيات، لم تكن تعرف اسمها ولكن سمعت أنها متعلمة وكان يبدو عليها الهدوء والوقار. كانت تتقرب من كل الجارات وتسمتع لهن دون أن تفشي أسرارهن أو خصوصياتهن التي يخبرنها بها، بل كانت تنصحهن وتشد من عزيمتهن لمواجهة متاعب الحياة. وفي إحدى زيارات آية للجارة الجديدة سألتها عن الكدمات التي تزين وجهها، حاولت أن تتجاهل السؤال، لكن هدوء ووقار الجارة وإحساسها بالراحة معها دفعها لتقول لها ماحدث واستحلفتها ألا تبوح به لأحد. وبعد عدة زيارات بدأت الجارة تؤنب آية على سكوتها وأنه السبب في تمادي زوجها بالضرب والشتم، وطلبت منها أن تسمح لها بالتدخل لتنقذها. قالت لها : “من الخطأ ان تسكتي وبإمكانك أن تشتكي على الزوج ليكف عن ضربك وإهانتك، لكننا سنلجأ للحوار معه أولاً”. رفضت آية بشدة وقالت: “وماذا أفعل إن طلقني؟ وأين أذهب بأولادي ومن يعيلهم؟”. فطلبت منها الجارة أن تتدخل هي بدون شكوى وبدون جمعية، وبدأت مع الزوج بالجلسة الأولى والتي رفضها في البداية لكن لطف الجارة وهدوءها وأسلوبها جعله يجلس ويستمع، وبدأت تسأله عن طفولته وأبيه وأمه، وعن عمله وعن أصدقائه. ومع الوقت أاصبح يرتاح لحديثها وحوارها معه، بل شعر بالخجل مما كان يقوم به من عنف وسب وضرب، ووعد بانه سيكون عند حسن ظن الجارة الطيبة.
شعرت آية بالامتنان تجاه الجارة الجديدة التي علمتها ألا تسكت عن حقها، وأن تبحث عن الطريقة كي تستعيده دون التسبب بأذى للآخرين.
اللوحة للفنان السوري “ياسر خطار”
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”