Search
Close this search box.

الخبز لم يعد «خطاً أحمر»… في بلد الأزمات والطوابير!

الخبز لم يعد «خطاً أحمر»… في بلد الأزمات والطوابير!

فيصل علوش

بعد تنهيدة طويلة مُشبَعةً بالمرارة والقهر؛ أقسمت تلك السيدة التي تحمل خبزها فوق رأسها، وأكياس النايلون السوداء المعبأة بالخضروات في كلتا يديها، بأنها انتظرت منذ الساعة صباحاً حتى حصلت على حصتها من الخبز. التفتُ إلى ساعتي كانت تشير إلى الواحدة والنصف بعد الظهر.

مضيت في دربي وأنا أرثي لحال تلك المرأة، وحالنا جميعاً، وأتساءل متى ستتمكن بعد هذا الانتظار الطويل، من تنظيف وتوضيب بيتها، وإعداد الطعام لأسرتها؟. وهل سيكفيهم الخبز الذي حصلت عليه؟. ثمّ ماذا لو جاءهم ضيوف، وقت الطعام، على حين غفلة؟

وتشهد سوريا حالياً أزمة خبز خانقة غير مسبوقة، زادت من طول الطوابير المتشكلة أصلاً أمام الأفران، لتنضاف إلى طوابير الغاز والسكر والرز، فضلاً عن طوابير السيارات أمام محطات البنزين، حتى أضحت سوريا «بلد الطوابير» بامتياز، كما بات يُطلق عليها السوريون.

وفي محاولة بائسة لحلّ الأزمة، و«تخفيف الازدحام، ومنع بيع الخبز بالسوق السوداء وترشيد الاستهلاك، ومنع انتشار فايروس كورونا أيضاً»، كما قالت، لجأت الحكومة السورية إلى تقنين توزيع الخبز عبر «البطاقة الذكية» وفقاً لعدد أفراد الأسرة، حيث خصّصت ربطة (7 أرغفة) للعائلة من شخصين، وربطتين للعائلة من 4 أشخاص، وهلمّجراً.

إلا أنّ ذلك أدّى إلى مفاقمة الأزمة أكثر بدلاً من حلّها، وخصوصاً أنّه ترافق مع تراجع إنتاج الخبز إلى أكثر من النصف. و«المضحك المبكي» في الأمر، هو لجوء مخابز حكومية إلى نصب أقفاص من الشبك الحديدي لتنظيم طوابير الخبز، ما أثار سخط السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي. في حين اعتبر مدير مخابز دمشق أنها «طريقة لتنظيم الدور والفصل بين الرجال والنساء والعسكر»، مشيراً إلى أن «ثقافة الدور غير موجودة في بلادنا»!. علماً أنّ القاصي والداني يعرف أن من يقوم بخرق الدور هم عناصر القوى الأمنية والوحدات العسكرية التي باتت أكثر من الهمّ على القلب في سورية.

وفي الغضون، شاعت تجارة الرغيف في السوق السوداء وقفز سعره إلى مستويات قياسية. فوصل سعر ربطة الخبز التي تباع بـ50 ليرة، إلى 1000 ليرة، بينما قفز سعر ربطة الخبز السياحي إلى أكثر من 1300 ليرة، خلال النصف الثاني من الشهر العاشر.

«الخبز خط أحمر»!

ورأى البعض أن ما يجري مع مادة الخبز، إنما هو مقدّمة لرفع سعره وسحب الدولة دعمها له. حيث تقول الحكومة إن هذا الدعم يكلفها 378 مليار ليرة سورية سنوياً، بسبب الفرق بين سعر المبيع والتكلفة الحقيقية. يُذكر هنا أنه بعد عام 2011 بدأت السلطات بالتخلي عن دعم المواد الرئيسية تدريجياً، وحصل ارتفاع في أسعار معظمها.

وبات رفع سعر الخبز مُرجّحاً، مقارنة مع ما حصل بالنسبة لسلع أخرى، مثل البنزين وقبله السكر والرز، فضلاً عن تصريح رئيس الحكومة حسين عرنوس، حول أنّ الخبز المدعوم لا يزال «خطاً أحمر لن يتم المساس به؛ إلا في الحدود البسيطة»(!)، كما ذكر موقع موالٍ للحكومة. ما يعني أنه سيتم الشروع برفع سعره تدريجياً، جرياً على عادة مألوفة لدى النظام منذ زمن طويل.

وهذا يعني في المحصلة، أنّ الخبز لم يعد خطاً أحمر، كما كان يفاخر المسؤولون السوريون منذ نحو خمسين عاماً، حيث يُستغلّ دعم بعض المواد الأساسية لشراء صمت السوريين وإسكاتهم عن القيام بأية احتجاجات، انطلاقاً من اعتقاد السلطة أنّ «الرعية تمشي على بطونها»، وبأنّ «من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه»!، حسب الأمثال المتداولة.

وكان السوريون في الداخل قد صُدِموا مؤخراً جرّاء رفع سعر لتر البنزين «المدعوم» من 250 إلى 450 ليرة سورية، وغير المدعوم من 450 إلى 650 ليرة، وسط أزمة في توفر المحروقات، وساعات تقنين طويلة للكهرباء.

نقص القمح والطحين

ويرى البعض أنّ أزمة الخبز «عمل مقصود ومبرمج ضمن سياسة تجويع»، يعتمدها النظام لأنه يريد من السوري أن يشغل وقته وجهده كلّه برغيف الخبز ولقمة العيش، كي لا يفكر بالقضايا الوطنية والسياسية الكبرى، التي باتت في مهبّ رياح العواصم الإقليمية والدولية الفاعلة والمتدخلة في سورية.

ومثل هذه السياسة واردة ومحتملة، لكن الوقائع تشير، وحسب مصادر كثيرة، إلى أنّ السبب الأول في زيادة أزمة الخبز، هو النقص الحاد في مادة القمح وعجز الحكومة عن تأمينها. وقد تراجع إنتاج القمح في سورية من نحو 4 ملايين طن إلى أقل من 1,5 مليون طن خلال العشرية الأخيرة. ما يدفع السلطات إلى استيراد أكثر من مليون طن من القمح سنوياً لسدّ حاجة الاستهلاك المحلي.

وتبدو الحكومة هذه السنة عاجزة عن استيراد الكمية المطلوبة، في ظل تشديد العقوبات الأميركية وفراغ خزينتها من العملة الصعبة، إضافة إلى امتناع الإدارة الذاتية (الكردية) عن بيع القمح لدمشق، كما تقول بعض المصادر. ومما قاله عرنوس في حديثه السابق، إن «القمح الذي اشترته دمشق يكفي لإنتاج الخبز لمدة شهر ونصف الشهر فقط».

وما لفت الانتباه في تصريح عرنوس كذلك، إشارته إلى أن سعر طن القمح الذي اشترته الحكومة هو 280 دولار أمريكي، بينما سعر القمح العالمي، كما يشير الخبراء، يتراوح  بين 220 و240 دولار للطن، حسب نوع القمح ومكان إنتاجه ومصدره. فلماذا هذا الفرق الكبير في السعر، وإلى أين يذهب؟.

ارتفاع الأسعار

ويشاع حالياً أن النظام يعتزم رفع سعر ليس الخبز وحده، وإنما الغاز وأجور النقل، في وقت ترتفع فيه أسعار معظم المواد الغذائية بوتيرة متصاعدة وشبه يومية. وهو ما يؤدي إلى زيادة عجز ملايين الأسر عن تأمين احتياجاتها الأساسية، فضلاً عن دفعه أكثر من 9 ملايين مواطن سوري للعيش تحت خط الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، حسب «برنامج الغذاء العالمي».

وقد أصدر الرئيس الأسد مرسوماً تشريعياً مؤخراً، نصّ على صرف منحة لمرة واحد بمبلغ قدره 50 ألف ليرة، ولكن هذا المبلغ لا يكفي مصروف ثلاثة إلى أربعة أيام لعائلة سورية متوسطة. في وقت تعاني فيه الغالبية الساحقة من السوريين من ضعف القدرة الشرائية، ووصول متوسط إنفاق الأسرة إلى نحو 450 ألف ليرة، حسب مركز قاسيون للأبحاث من دمشق، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 50 ألف ليرة.

أيّ بؤس، وأيّ طامة تحلّ بالسوريين وعليهم… يا للفاجعة.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »