تغطية: عماد عزوز في إطار النشاطات الثقافية التي تقوم بها “شبكة المرأة السورية”، ناقش “نادي السينما” مؤخراً فيلم “إنسان” للمخرج نبرثورس برتلاند، الذي يعمل في الواقع كعالم بيئة قرر التصدي لإخراج هذا الفيلم. (اعتقدت أن الحب من الطبيعي أن يؤلم) بهذه العبارة بدأت شهادة اول شخصية في الفيلم الوثائقي “إنسان” الذي عرض في قاعة الأمم المتحدة في أحد اجتماعاتها الدورية كشاهد على العنف في العالم. الجملة التي انسابت من هذه الشخصية كانت بمثابة الطعنة النافذة للمشاهد ستجعله طيلة ساعتين وهي مدة الفيلم مشدوداً بشدة للشاشة، حتى ولو لم يرد ذلك (وهذا ما عبر عنه معظم الحضور) لاسيما وأن هذه الشخصية تنهي كلامها بدموع تنساب مع خلفية تظهر الطيور المهاجرة وكأنها تنتقل الينا جميعا ًعبر هذه الطيور وعبر قوافل البشر التي لم تغادر الفيلم في لوحات ترسم دروب الهجرة المرة والوعرة. ليست العلاقة بين الحب والألم فقط هي التي أثارها الفيلم وإنما جملة ثنائيات تحكم وجودنا جميعا مثل العنف والتسامح، السعادة والغنى أو الفقر، المسامحة في مواجهة المطالبة بالمحاسبة والعقاب. أثار المخرج كل هذه الإشكاليات من خلال شخصيات من جميع الأعمار ومن كل انحاء الكرة الأرضية بكل التفاصيل الجغرافية والمكونات والجنسيات والأعراق بكل تناقضات ظروفها وأشكال العنف التي تتعرض لها أو تقع عليها بإرادة منظمة. ربما هذا ما اثار تساؤل بعض المشاركات والمشاركين عن فعل المسامحة أو قرارات العفو وجدواها أو مبررها خاصة في حالة الطفل الذي لم يغفر لأمه التي باعته بسبب الفقر، بينما أعلنت إحدى المشاركات في نقاش الفيلم انها تستطيع مسامحة حتى السجان الذي عذبها، خاصة وأنه قد جلب لها الدواء عندما كانت بحاجته في السجن. هذه المتناقضات دفعت مشاركة اخرى في النقاش الى الإشارة إلى أن أهمية الفيلم هي في تسليط الضوء على المشتركات كالسعادة أو الشعور الجماعي بالسعادة مثلاً وليس فقط على المتناقضات. تلك المشتركات التي تجعلنا نرى الآخر بشكل أكثر موضوعية. بين المتناقضات والمشتركات رأى البعض أن الإنسان بالنتيجة هو الإنسان في كل الأمكنة. يتطرق المخرج وهو عالم وخبير في مجال البيئة الى علاقة الإنسان بالأرض وتأثير النمط الاستهلاكي علينا جميعا ومن الجدير بالذكر أن الفيلم وعند عرضه في أروقة الأمم المتحدة قد تسبب بتوجيه المشاركات انتقادات لاذعة لها على تقصيرها وازدواجيتها في التعامل مع مشاكل العالم، وهذا ما تم التأكيد عليه من قبل المشاركين والمشاركات في جلسة النقاش أيضا.. مارس المخرج ذكاءه الشديد في طريقة أداء الشخصيات حيث تركها تتحرك بحرية وتتحدث بعفوية صادقة تجعل المشاهد يشعر وكأنه ايضا مشارك في هذا الحديث أو بالحد الأدنى يشعر المشاهد أن هذا الفيلم يمثله بشكل أو بآخر، شعور التشاركية استخدمه المخرج أيضا من خلال توسيع مساحة العرض لصور لمشاركين آخرين غير الشخصيات المتحدثة لتكون بذلك شهادة كل مشارك منهم وكأنها عبارة عن حلقة حوار مع الآخرين. ينتقد البعض طريقة تعامل الفيلم مع مسألة المثلية حيث لم يتناول سوى شخصية واحدة فقط عبرت عن رأيها معتبرة أن المثلية عيب أو شذوذ وحتى مرض أيضا، بمعنى أن المخرج لم يفسح المجال لحضور شخصية تدعم المثلية أو تدافع عنها على الأقل، خاصة أنها قضية إشكالية ومفروض تناولها من كافة الجوانب لإنصاف جمهورها. من الناحية الفنية اعتمد المخرج على البورتريه، أي الصورة الشخصية المباشرة لكافة الشخصيات مع خلفية سوداء بكل ما تحمله من معان، وعلى التصوير الدقيق للمناظر الطبيعية والبشر في أسفارهم وترحالهم مع التركيز بشكل خاص على الظلال التي بدت بحجم أكبر من الشخصية نفسها وهذه فكرة دونكوشوتية وكأن اللاجئين والمهاجرين يحاربون طواحين هواء متعددة ولا حصر لها. يبقى السؤال المهم وبعد رؤية هذا الفيلم بكل ما تركه من تفاؤل لدينا، خاصة بفيض التعاضد الإنساني الرافض للعنف والباحث عن حياة أكثر أمناً وعدالة، توضح وتكرس من تأثيره الانفعالي والعميق والمباشر الكبير علينا. هل نكتفي باستخلاص العبر؟ أم ننخرط في عملية بناء للسلام؟ لاسيما وأن العالم يشهد نزاعات دموية وعنيفة تحت عباءة الطائفية والسلفية والحروب الأهلية والمعارك الاقتصادية لتأمين الموارد أو التحكم بها؟ أم أن الواقع في مكان والفيلم في مكان آخر نتمنى أن يكون هذا الفيلم عتبة آمنة في سلم متساوي ومتآخ ورافض لكل أشكال العنف ومتوازن، عالم نرجو أن نصله قريباً. خاص بـ”شبكة المرأة السورية” |