Search
Close this search box.

قضايا للرجال

قضايا للرجال

رولا إبراهيم

“ما سيؤذي أكثر ليس كلام أعدائنا بل صمت أصدقائنا”.

 –                                           مارتن لوثر كينغ

كثيراً ما ينظر إلى “قضية العنف ضد المرأة”، على أنها تهمّ النساء وبعض الرجال المنفتحين فقط، لكن هذا بعيد عن الحقيقة، إذ إنها قضايا الرجال أيضاً.

إن تداول مصطلح “العنف ضد النساء” يعقّد المشكلة، كما إن تعابير من مثل “قضايا المرأة، جندر أو جندرية، نسوية” تجعل كثيراً من الرجال يميلون، حين يسمعونها، لإبعادها عن أذهانهم معتقدين أنها مشكلات تخص النساء، بل إن بعض الرجال لا يقرؤون، بالمعنى الحرفي للكلمة، ما بعد الجملة الأولى، حيث يصبح مصطلح “المساواة بين الجنسين” مرادفاً لمصطلح قضايا المرأة، وكأن النوع الاجتماعي (الجندر) لا يشمل الرجال.

إذا استعرنا طريقة التحليل اللغوية للناشطة النسوية جوليا بينيلوب، وحللّنا بنية هذه الجملة “ضرب نبيل  سهام””، هذه الجملة تتألف من فعل وفاعل ومفعول به، فالفاعل واضح هنا، والجملة صريحة لا لبس فيها. لكن، لنلق نظرة على صياغات أخرى للفعل نفسه:

  • “ضُربت سهام من قبل نبيل”: هنا يُصرَف الانتباه الأول عن الفاعل، للدفع نحو التركيز أكثر على سهام.
  • “ضُرِبَت سهام”: جملة بفاعل مستتر “نبيل” والمهم هو الفعل والشخص الذي وقع عليه الفعل.
  • “سهام امرأة مضروبة”: هكذا تصبح هوّية سهام أنها مضروبة، وهذا ما حدث لها من قبل نبيل، لكن نبيل ترك الجملة منذ زمن.

تحليل البنية اللغوية للجملة يوضح أن الطريقة التي نستخدم بها اللغة تتآمر لإبقاء الإهتمام بعيداً عن الرجال. وتصبح البنية المعرفية مصمّمة لإلقاء اللّوم على الضحية على نحو لا واعٍ، وتدفع هذه البنية التفكير لطرح الأسئلة حول المرأة التي تعرّضت للفعل العنيف أو المؤذي: “ماذا كانت تلبس؟”؛ “لماذا ذهبت إلى ذلك المكان؟”؛ “ماذا قالت حتى ضربها؟”؛ “لماذا بقيت معه؟”؛ “لماذا رجعت إليه؟”.

في الوقت الذي يجب أن تنصب الأسئلة على الرجل، المعتدي، مثلاً: لماذا يضرب نبيل سهام؟ لماذا يعبّر نبيل عن غضبه بالضرب والتكسير؟

لماذا يُعدّ العنف المنزلي مشكلة كبيرة ولا تعترف بها القوانين؟  لماذا يعتدي الكثير من الرجال جسدياً وعاطفياً ولفظياً وبطرق أخرى على النساء والفتيات والرجال والفتيان؟ ما الذي يحدث مع الرجال؟ لماذا هذا العدد الهائل من الرجال البالغين الذين يعتدون جنسياً على فتيات صغيرات وصبيان صغار؟ لماذا يقتلون المرأة بداعي الشرف؟ لماذا هذه المشكلة شائعة في مجتمعاتنا لا تعترف فيها القوانين؟

لماذا نسمع عن فضائح في بعض المؤسسات الإعلامية والدينية؟ لماذا يغتصب الرجال النساء والرجال؟ ثم ما هو دور المؤسسات والقوانين والإعلام؟

إن طرح الأسئلة الصحيحة هنا هو الذي قد يقودنا إلى التغيير.

يشرح كتاب ’المرأة والحرب‘ لكارول كوهين علاقات السلطة المجندرة والمرأة. “إن منظومة تقوم بتمكين بعض فئات الناس على حساب فئات أخرى تتطلب مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وقانونية وتعليمية لتحقق توزيع السلطة هذا وتدعمه، كما تتطلب أيديولوجيا تبرّر الحقوق والفرص المتفاوتة”.

قضية العنف ضد المرأة والرجل لا تتعلق بالمعنّف فقط، بل هي مشكلة اجتماعية بنيوية، فمن يقوم بفعل الإساءة هو شخص عادي تلقى تربيته في هذا المجتمع وعاش في ظلّ قوانينه وسلطته، وقام بالدور الإجتماعي المتوقع منه.

لمعرفة الصورة الذهنية التلقائية عن رمزية أحد مصطلحات الجندر قبل إعمال العقل والرقابة الفكرية فيه، طلبت على صفحتي الشخصية على فيسبوك ترك تعليق عن أول كلمة تخطر في البال عند سماع كلمة “نسوي” أو “نسوية”، وسأناقش هنا ردود الرجال فقط من المعلّقين.. أما ردود النساء فلها دراسة أخرى.

 بعض الكلمات يدلّ على قلّة الثقة بمن يمثلّون العمل النسوي، مثل: “تمويل، حق يراد به باطل، ورثة العقم الفكري، تجارة، مبالغة، مجتمع مغلق، نساء شريرات، تمييز، نقمة”. وطالت بعض التعليقات الفكرة ذاتها، وذلك بإرسال رسالة مبطنة مفادها أن النسوية فكرة سيئة وحتى مثيرة للضحك: “كثير نسوان، فنون نسوية، نسونجي، كلمة مثيرة للإشمئزاز، مطبخ، الويل الذي سيعيشه الرجال إذا أفلحت النسوية، خداع ولعب بالمصطلحات، وأيضاً نسونة العالم”.

تعليق واحد تكلم عن حقوق الإنسان وآخر عن التحرر والمدنية والعالم المزدهر.

وكأنهم يقولون: لا تقترب من النسوية، لا فكرةً، ولا عملاً، ولا أشخاصاً. اصمتوا وحافظوا على النظام… على القواعد.

لذلك نحن بحاجة إلى فكر لا يصوّر المسألة على أنها معركة بين الجنسين، ويوضّح ما هي الحركة النسويّة وما هي أهدافها، نحتاج إلى رجال شجعان ينشرون الوعي عبر ثقافة الأقران، والمساعدة في نقل المعلومة، والمعرفة من رجل لرجل عبر أفراد عاديين لتشجيع بعضهم البعض لنبذ العنف، رجال لا يلتزمون الحياد، لا يقبلون السلوك والكلام غير اللائق بخصوص المرأة، وينظرون إلى السلوك العنفي على أنه غير مقبول اجتماعياً، ويقولون بأفكار قد لا تستطيع المرأة قولها، مثل فكرة “نحن نعيش معاً في هذا العالم”.

بهذه الطريقة يجري تكريس أفكارٍ وقيمٍ جديدةٍ، يفقد بموجبها الرجل العنيف مكانته الاجتماعية، وتُكسَر حالة الصمت حول ممارسات تدل على القبول بالثقافة الذكورية.

 خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

 

 

 

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »