سحر حويجة
يعتمد النظام السوري في مواجهة وباء كورونا، على إستراتيجية مناعة القطيع أو المناعة بالعدوى، حيث يصاب معظم أفراد المجتمع، على الرغم من تحذيرات المختصين من هذه الإستراتيجية بسبب انتشار واسع وسريع للفيروس، ينتج عنه إغراق المستشفيات بالمصابين. إستراتيجية لاقت الرفض في المجتمعات التي تتوفر فيها كل عوامل المواجهة وومساعدة المصابين بالفيروس، من مستشفيات وكادر طبي ووضع معيشي جيد، يساعد في مناعة الجسم على مقاومة الفيروس، ووعي صحي لتطبيق التعليمات اللازمة في مواجهة كورونا، وتوفر الأدوية ومواد التنظيف والتعقيم.
لكن كيف سيكون عليه الحال في بلد مثل سوريا؟ إنها مجازفة بأرواح المواطنين غير محسوبة النتائج، حيث يتوقع وصول العدوى للذروة من حيث عدد الإصابات في شهر أيلول، في ظروف عدم توفر وسائل الحماية، ونقص كبير في المشافي وامتلائها ونقص في الكادر الصحي أطباء وممرضين. على الرغم من كل ذلك، قررت الحكومة السورية افتتاح المدارس، وبدء عام دراسي جديد، قرار أثار مخاوف كثيرة وقلق عند الأهالي، واعتراض واسع على هذا القرار من قبل فعاليات اجتماعية وثقافية وشعبية، خوفاً من كارثة سوف تلحق بالأطفال والكادر التعليمي، جراء الإصابة بعدوى كورونا ونقلها إلى عائلاتهم.
على أثر ذلك برزت دعوات تطالب أهالي الطلاب إلى الامتناع عن إرسال أولادهم الى المدرسة، رغم وجاهة هذا الطلب، لكن في اعتقادي ليس حلاً، لأنه سيولد انقساماً في المجتمع بين من يرسل أولاده، وبين من يمتنع عن إرسالهم، ويولد فوضى و إرباكاً وازدواجاً في القرارات تعود سلباً على الأطفال، في عدم قدرتهم على استيعاب أن أقرانهم من التلاميذ يذهبون إلى المدرسة وهم ممنوعين من الذهاب، وعدم اكتراث السلطات لغيابهم، بل يشكل سبباً لمعاقبتهم وتأخرهم الدراسي. الأهم هو السعي و الضغط على الحكومة لإصدار قرار تأجيل المدارس إلى ما بعد شهر أيلول، حيث ستكون ذروة انتشار الوباء، وأثر ذلك خاصة على طلاب المرحلة الأولى الذين أعمارهم تقل عن عشر سنوات.
لا شك من أن استمرار العملية التعليمية في كل الظروف ضرورة مجتمعية وحق أساسي للأطفال، حتى لا يكونوا ضحايا للامية وعمالة الأطفال وزواج القاصرات والعنف. لكن في أثناء الوباء هناك شروط يجب التقيد بها، فهل هذه الشروط متوفرة في الواقع السوري الراهن؟
لا بد من الإشارة، إلى أن قرار فتح المدارس واستمرار العملية التعليمية يلقى تشجيعاً من اليونسيف، إضافة الى أن التعليم لم يتوقف في أغلب الدول المتقدمة أثناء الجائحة، ووفقا لرأي اليونسيف أن المدارس توفر للأطفال خدمات أكثر من التعليم، توفر لهم وجبات مغذيةـ ومرافق لغسل اليدين، ودعماً نفسياً، وعليه في حال فتح المدارس يجب حماية الخدمات الأساسية، ضمن ضوابط وشروط. غير أن النظام السوري يتجاهلها وهي: اتخاذ الاحتياطات اللازمة للسلامة والوقاية، ضمان سلامة الطلاب والمعلمين والموظفين عند عودتهم.
وعادة ما تُتخَذ هذه القرارات من قبل الحكومات عبر حوار مع السلطات الصحية، إذ يتعين على الحكومات أن تأخذ بالاعتبار وضع الصحة العامة، والفوائد والأخطار المتأتية عن استئناف التعليم. في سوريا يجري العكس، حيث السلطات الصحية في واد تعاني نقصاً في الأدوية والأجهزة والأماكن والكوادر الطبية، وقد خطفت كورونا عشرات من أمهر الأطباء، دون أن يتلقوا العناية والاهتمام اللازمين، والحكومة في واد أخر.
ووفق اليونسيف يجب أن تكون المصلحة الفضلى للأطفال عند اتخاذ قرار فتح المدارس في ظروف الجائحة كورونا. وينبغي تدريب الموظفين الإداريين والمعلمين على ممارسات التباعد الاجتماعي وممارسات النظافة الصحية في المدرسة. وستكون مرافق المياه والنظافة الصحية جزءاً حاسم الأهمية من إعادة فتح المدارس على نحو آمن.
وأشارت اليونيسيف إلى الإجراءات العملية التي بوسع المدارس اتخاذها:
1 ـ التدرج في بدء اليوم الدراسي وإنهائه، بحيث يبدأ وينتهي في أوقات مختلفة، لمجموعات مختلفة من الطلاب.
2 ـ التدرج في أوقات تناول الوجبات.
3 ـ نقل الصفوف إلى أماكن مؤقتة خارج المبنى.
4 ـ تنظيم دوام المدارس على فترات، بغية تقليص، عدد الطلاب في الصفوف.
5 ـ إمكانية تطبيق المدارس لنماذج ’التعليم الهجين‘، وهو مزيج من الدروس في الصفوف والتدريس عن بُعد، الدراسة الذاتية من خلال تمارين يأخذها الطلاب إلى منازلهم، والتعليم عبر البث الإذاعي أو التلفزيوني أو الإنترنت.
غير أن العودة إلى المدارس في سوريا، سوف يصطدم بواقع العملية التعليمية التي تحولت إلى كارثية بسبب الحرب: حيث المدارس في سوريا أشبه بالثكنات، ازدحام في الصفوف تصل إلى أكثر من ستين طالب في الصف، بعد أن تدمر وتضرر ما نسبته 40% من البنية التحتية للتعليم. هذا يعني أنه من الاستحالة تحقيق شرط التباعد الاجتماعي في المدارس، ولا إمكانية لتوفير أماكن بديلة في الهواء الطلق، إضافة الى نقص خدمات في المرافق الصحية: الحمامات وتوفر الماء والصابون أحد أهم شروط السلامة، والتي تفتقر إليها المدارس في سوريا حيث عدد الحمامات قليل جداً، لا يتناسب مع الأعداد الكبيرة من الطلاب في المدرسة. بالإضافة إلى قلة عدد الموظفين والمشرفين، الذين من الصعب عليهم مراقبة الطلاب وضبط حركة دخولهم وخروجهم إلى الحمام، وغسل وتنظيف أيديهم. على العكس قد ينشأ بين الأطفال تزاحم على الحمامات، تساهم في نقل العدوى بين الطلاب ونقلها إلى المشرفين والمعلمين والأهل.
أما التعليم البديل عبر وسائل الاتصال، فسوف يصطدم بواقع انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وعدم توفر أجهزة اتصالات مناسبة عند العائلات الأكثر فقراً، وعددهم لا يستهان به، إضافة إلى قلة وعي الأهل على الإشراف ومتابعة أطفالهم وتشجيعهم.
أما موضوع تنظيم الدوام على فترات فيصطدم بحقيقة أنه نظراً لقلة المدارس بالنسبة لأعداد الطلاب فإن أغلب المدارس تتبع نظام الدوامين، أما تقسيم طلاب الصف الواحد لتحقيق غاية التباعد بين الطلاب فمن الصعب تطبيقه بسبب نقص الكادر التعليمي سواء بسبب الهجرة او بسبب التجنيد وعدم إجراء مسابقات تعيين معلمين جدد نتيجة فقر الموارد المالية عند النظام وعبء دفع رواتب موظفين جدد. ولابد أن خطر انتشار ونقل العدوى بين المدرسين عن طريق الازدحام في الصفوف سيهدد الكادر التعليمي بالتعطيل ونزيف في ذلك الكادر.
كما يعاني الأطفال السوريين من نقص حاد في العديد من مستلزمات الرعاية الصحية: نصف المرافق الصحية غير صالحة للعمل، نقص الأطباء بسبب الهجرة واللجوء والتجنيد والقتل. نقص الأدوية حيث انخفضت نسبة الحصول على اللقاحات الروتينية في عام 2017 إلى أقل من 50% ، مما أدى إلى انتشار الأمراض، إضافة إلى سوء الغذاء و نقصه، بسبب الفقر المدقع الذي يشمل أكثر من 90% من الشعب السوري، يشكل قلة مناعة وسبباً لأمراض كثيرة. عدم توفر المياه الصالحة للشرب وتأثير ذلك على انتشار الأمراض والنظافة الشخصية، ففي الداخل السوري وفق تقرير اليونسيف تعتمد نصف العائلات على مصادر مياه غير أمنة.
تتسم ظروف الحياة أثناء جائحة كوفيد-19 بالصعوبة بالنسبة للأطفال و للوالدين.
أهمها علاقة الأم بالأطفال: إن الذهاب الى المدرسة، يسبب القلق الكبير للأهل أثناء غياب الطفل خوفاً من انتقال العدوى إليه، تستقبل الأم أطفالها بعد عودتهم من المدرسة بالأحضان والقبل هذه العادة درجت عليها الأمهات بالعلاقة مع أطفالهن الصغار، ثم تقوم بخلع ثيابهم المدرسية. هذه الإجراءات الروتينية ستكون سبباً لنقل العدوى للأمهات وبسرعة وستهدد حياة الأمهات، مهما اتخذن من وسائل الوقاية، فهن عرضة للإصابة بالفيروس. من المعروف أن الأطفال لديهم مناعة عالية، وهذا هو سبب عدم ظهور أعراض الوباء عليهم، ويكون الخطر الأساسي على الأباء والأمهات والأجداد.
وفي حال أصيبت الأم بالعدوى، سوف تتعطل أعمال المنزل وتصاب العائلة بالهلع، وتبدأ بعدها سلسلة من المشاكل: الحجر، النقل للمشفى حيث لا يوجد أماكن شاغرة، و الأهم عدم توفر ثمن العلاج لدى الأهل، وعند ذلك سوف يهمل الأطفال واجباتهم المدرسية وقد يؤدي الى تسربهم من المدارس.
إن الحكومة السورية، التي اتخذت من إستراتيجية مناعة القطيع وسيلة لمكافحة فيروس كورونا، تعلم حق العلم أن ذلك سيؤدي إلى انتشار الفيروس بطريقة ليست لديها القدرة على السيطرة عليه، وترك المواطن السوري لقدره، في مواجهة الفيروس، دون دعم ومساندة من الحكومة، وتركه عرضة للعدوى والموت، وإضافة سبب آخر من أسباب الازدحام في المدارس لنقل العدوى، وإن النظام يسعى من وراء فتح المدارس ليس خدمة للعلم، بل سعياً للاستفادة من دعم اليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، للمدارس والمدرسين، والجميع على ثقة أن هذا الدعم سيتم سرقته، وأن التلاميذ وأهاليهم أخر المستفيدين. إضافة الى رغبة السلطة في إظهار أن الوضع في سوريا رغم الحصار، وانتشار الوباء، يسير بشكل طبيعي، مع أن الحقيقة هي أن كل ما يجري ليس طبيعياً ولا مقبولاً وفوق قدرة البشر على التحمل.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”