Search
Close this search box.

الحرمان من الميراث يضاعف معاناة المرأة السورية

الحرمان من الميراث يضاعف معاناة المرأة السورية

إدلب – نهى الحسن

لم تجد الأربعينية نوال الصالح من ريف إدلب بداً من اللجوء إلى المحاكم، بغية الحصول على حقها من الميراث الذي سلبه منها إخوتها وأبوا أن يعترفوا به، على الرغم من الفقر المدقع الذي تعيشه مع أطفالها الستة بعد استشهاد زوجها خلال الحرب الدائرة.

نوال مثال لحالات كثيرة مشابهة في إدلب وريفها، التي استشرى فيها إلى حد بعيد توريث الأبناء الذكور على حساب الإناث في تقليد بال لايبرره شرع أو منطق، فعلى الرغم من النصوص الدينية العديدة التي وردت لإنصاف المرأة وإعطائها حقوقها كاملة، مازالت الكثير من النساء، لا سيما في المجتمعات الريفية، يحرمن من إرثهن، سواء طواعية بسبب العادات والتقاليد المستبدة، أو كرهاً من العائلة التي لا تسمح بأن تذهب أموالها لشخص غريب، وهو ماحدث مع السيدة الخمسينية فاطمة الغريب المنحدرة من مدينة معرة مصرين بريف إدلب التي صرحت  بأن والداها تنازلا عن كل مايملكانه لإخوتها الذكور قبل وفاتهم، بينما حرمت هي وأختها من كل شيئ، بحجة أنهما لا يريدان أن تذهب الأرض لأزواجهن  الغريبين، وعن علاقتها بإخوتها الآن تقول: “كل واحد منهم مشغول بنفسه، فبعد ارتفاع أسعار الأراضي أصبحوا يمتلكون ثروات طائلة، بينما لازلت أنا وشقيقتي نعاني قلة ذات اليد، والفقر الذي يأبى ان يفارقنا، في حين أن إخوتنا لايلتفتون إلينا، بل إنهم ربما لا يكلفون أنفسهم بزيارتنا حتى”. وتختتم فاطمة حديثها بأنها لاتستطيع إلا أن تسامح والدها ووالدتها التي كان لها دور أيضاً في حرمانها وأختها من حقهما، على الرغم من أن الشريعة تمنع حرمان البنات من الميراث.

ويعتبر بعض الآباء بأن إعطاء البنت حصتها  من الميراث هدر لتعبهم وجهدهم طيلة  حياتهم، فأبو باسل ( 66عاماً) من قرية حربنوش أجاب حينما سئل عن سبب حرمان ابنته الوحيدة من الميراث: “لست مستعداً لأن أفرط بقطعة واحدة من أرضي لشخص غريب عن العائلة، فقط لأنه متزوج من ابنتي، هذا شقاء عمري وأنا أرى أن لأولادي الذكور فقط الحق  في الحصول عليه، أما ابنتي فزوجها هو الذي يكفل لها معيشتها ونفقتها، وأنا متأكد بأن إخوتها لن يتخلوا عنها في حال لا قدر الله وأصاب زوجها مكروه ما”. 

وتتعدد أساليب حرمان الفتيات من ميراثهن الشرعي، فالكثير من الأهالي يحرمون بناتهم من الزواج إلا في حال التنازل عن ميراثهن، فالثلاثينية حليمة القاسم إحدى الفتيات اللواتي لم يتمكّن من أخذ نصيبهن من الميراث، حيث أجبرت من أهلها على التنازل عن حقها في الميراث لأجل الزواج. تقول حليمة بحزن: “تعرضت بعد الزواج لضغوطات كثيرة من قبل زوجي، كان آخرها أنه هددني بالزواج علي في حال عدم تحصيل حقي في الميراث”.”وتتساءل حليمة بغصة:” هل رجوعي عن ذلك سيلزم إخوتي برد الحق لي؟ أم سأخسرهم مدى الحياة عند مطالبتي بذلك؟”

  كما وتعتبر زوجات الأب من أكثر ضحايا التركة، حيث يرفض الأولاد الذكور للمتوفى مقاسمة الإرث مع امرأة يعتبرونها غريبة عنهم، خاصة إذا أنجبت أولاداً، فتجدهم وبمجرد وفاة الوالد يكيدون المكائد لإخراج زوجته صفر اليدين، وهذا هو حال السيدة عبير العلي ) ٣٥ عاما) من بلدة بنش، التي كانت قد تزوجت من رجل غني لديه ثلاثة أولاد ذكور متزوجين، وبعد وفاة زوجها إثر نوبة قلبية، اتفق الثلاثة على طردها من البيت بعد انتهاء العزاء، رغم أن لديها طفلا كان في عامه الأول، ومنعوها حتى من إخراج ثيابها وذهبها بحجة أن والدهم هو من اشتراه لها، وقام الثلاثة بتقسيم الإرث فيما بينهم، وشقيقهم الرضيع تركوه مشردا دون السؤال عنه، مستغلين أن الزوجة هي من عائلة ضعيفة وفقيرة تعجز عن تحصيل حق ابنتها.

الأستاذ والباحث في علم الإجتماع عمار عرنوس )٤٦ عاما) من ريف ادلب يقول في موضوع ميراث المرأة: “من ما يحدث بين الأفراد من خلافات ونزاعات حول الميراث يعود إلى عدم معرفة الفرد ماله من حقوق وما عليه من واجبات، أو يقوم بتجاهل هذه الحقوق والواجبات لأسباب تتمحور حول الجشع والأنانية وحب الذات، مستغلا أن المرأة في المجتمع كائن ضعيف مهمش ليس لديها الجرأة بالمطالبة بحقها من الميراث، وذلك احتراما منها للعادات والتقاليد الإجتماعية، حتى لو كانت هذه العادات والموروثات تحرم المرأة من حقها الطبيعي والشرعي.”

ويتأسف العرنوس لكون المجتمعات الريفية تكون  فيها العادات والتقاليد السائدة أقوى من القانون، والنظرة الإجتماعية للمرأة التي تذهب إلى القضاء وتشتكي طلبا لحقها ينظر لها على أنها متمردة، وتكون معرضة للهمس والعيب والخروج عن التقاليد، كما أن خوف المرأة وحرصها على عدم تفسخ أفراد الأسرة، وحصول الفرقة والنزاع بينهم بسبب التركة يدفعها للتنازل، ولعل المحزن والمقلق هو أن  يتم تقسيم الميراث بين الأشقاء والفتاة لم تزل عزباء أو صغيرة في العمر، وهذا يعني أنها يجب أن تعيش مع الإخوة وتصبر على هذه الظروف الإجتماعية، وعندما يتقدم بها العمر تكون التركة قد تم التصرف بها.

وشدد الباحث الإجتماعي في هذا الصدد على ضرورة التوعية القانونية والإجتماعية والدينية في حقوق المرأة في الميراث، واتباع التنشئة الإجتماعية السليمة في الأسرة، وعدم التمييز بين الأبناء الذكور والإناث في المعاملة.  والتذكير بأهمية إعطاء المرأة حقوقها كاملة من الميراث، ولايجوز الإعتداء على هذه الحقوق.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »