Search
Close this search box.

سوريات في مواجهة إصابات الحرب

سوريات في مواجهة إصابات الحرب

إدلب: نهى الحسن

قلبت شظية من أحد صواريخ نظام الأسد الغادرة حياة العشرينية هاجر السيد، المنحدرة من ريف إدلب، رأساً على عقب خلال دقائق قليلة، فحولتها من شابة مفعمة بالحياة والحركة إلى ضحية تحتاج لطرف صناعي بعد أن بترت ساقها اليمنى .

تزداد المعاناة وتكبر وتتفاقم لدى مصابات الحرب في إدلب وريفها، اللواتي فقدن حقهن في العيش بطبيعية، إثر التعرض لإصابات خطيرة، سلبت منهن صحتهن، وتسببت لهن بإعاقات مستديمة. وبعضهن الآخر أصبحن بحاجة ملحة للسفر إلى الخارج للعلاج والإشراف المتواصل، وهو مالا يتوفر للمصابات، في ظل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المتدنية التي تعيشه البلاد في الوقت الراهن.

كما أدت المعارك المندلعة في سوريا منذ سنوات عديدة إلى وجود الكثير من حالات الطلاق التعسفي، بسبب إصابة المرأة جسدياً أو نفسياً، ما يؤدي لتراجع بعض الأزواج للعيش معهن، ويفاقم المشكلة أكثر أن تلك النساء لا يحصلن على أي تعويض من أزواجهن ليتمكنّ من الإستمرار في العيش، فيما يصعب على الكثير منهن الشروع بالبدء بعمل جديد جرّاء تأثير الإصابة التي تجعل المصابة من ذوي احتياجات خاصة غالباً.

فاطمة العلي (٤٠  عاما) من معرة النعمان تسببت غارة جوية من إحدى طائرات النظام الحربية كانت قد استهدفت منزلها  في بتر قدمها اليسرى، وعطب إحدى عينيها، ومقتل طفلتيها، إلا أن مأساتها تلك لم تتوقف عند هذا الحد وحسب، بل  وطلقها زوجها بعد مرور فترة قصيرة على هذه الحادثة، وتزوج من امرأة أخرى سليمة الجسد.

تقول فاطمة بحسرة والدموع تبلل وجنتيها : “تباً لهذه الحرب اللعينة التي دمرت حياتي، وخسرت بسببها كل شيء، لم يعد في حياتي أي أمل، وخاصة مع غياب المراكز والجمعيات والمؤسسات التي تضمن حقوقنا، وتقدم لأمثالنا الرعاية المناسبة والتأهيل النفسي والمهني “.

لم تكن الثلاثينية سعاد الأصفر أفضل حالاً من فاطمة فهي الأخرى أصيبت بشظية من إحدى القذائف التي اختارت منزلها في قرية كفرومة، حيث استقرت إحدى الشظايا في عمودها الفقري فأصيبت بالشلل من حينها، في حين استقرت شظية أخرى في جسد زوجها الذي فارق الحياة على الفور .

التحقت سعاد بقائمة طويلة من مصابات الحرب، وصنفت ضمن ضحايا الحرب السورية، وهي الآن تعيش برفقة طفليها مع والدتها التي ترعاها في إحدى مخيمات أطمة الحدودية، بعد أن نزحت مع أفواج النازحين من القرية، لتجتمع لديها مرارة النزوح وقسوته مع جحيم الإعاقة والترمل .

سعاد فقدت جميع خيوط الأمل للعيش في هذه الحياة، وتقول بأنها تتمنى الموت في كل لحظة، بعد أن أصبحت عاجزة عن رعاية نفسها ورعاية طفليها اليتيمين، اللذين اضطرا لترك المدرسة، وراحا يعملان طوال اليوم لتأمين لقمة العيش الكريمة التي أصبحت صعبة المنال في ظل هذه الظروف الصعبة .

من جانب آخر نجد البعض من مصابات الحرب رفضن الإستسلام لمصيرهن، وحاولن جاهدات التأقلم مع الإعاقة، ومعايشة الواقع الذي فرض عليهن، متحديات بعزيمتهن الصلبة وإصرارهن جميع العوائق والعثرات التي تقف أمام أحلامهن وطموحاتهن. ومن هؤلات الصيدلانية فاتنة المحمد (٣٨ عاما) من مدينة إدلب التي أصيبت بشظية من أحد الصواريخ أثناء عودتها من عملها، فبترت يدها وقدمها، تقول فاتن: ”لم أعد قادرة على العمل بعد هذه الحادثة، إلا أنني وبعد تركيب أطراف صناعية عدت إلى حياتي الطبيعية، وعاد إلي الأمل في الحياة من جديد، ولن أسمح للإعاقة أن تشعرني بالعجز واليأس “.

وكذلك مها الغنوم (٢٦ عاما) من مدينة كفرنبل بترت ساقيها بحملة قصف همجي غاشم استهدفت المدينة، لكنها لم تستسلم هي الأخرى لواقعها، بل قررت متابعة عملها في التعليم على كرسي متحرك، إيماناً واعتقاداً منها بأن الإنسان السليم عاجز من دون  إرادة والعاجز يتجاوز محنته بإرادته.

تسعى الغنوم بكامل إرادتها لأن تعلم الأطفال، وتنشئ منهم جيلاً مثقفاً واعياً، وخاصة بعدما آلت إليه حال طلاب المدارس في المنطقة، مع تراجع مستوى التعليم، وتناقص أفراد الكادر التعليمي .

تقول والدة مها وكلها فخر واعتزاز بابنتها : “ لم تيأس مها من وضعها ولم تتوقف حياتها بسبب تلك الإصابة الغادرة التي قدرت لها، بل اتخذت من حالتها حافزاً لتبث لدى غيرها من الشبان والشابات المصابين روح الأمل ونبذ اليأس والإحباط “.

الباحثة النفسية والإجتماعية منى الكامل (٤٧  عاما ) من ريف ادلب تؤكد على ضرورة تقديم الدعم النفسي لمصابات الحرب، وتعتبر أن الصدمات النفسية التي تلقتها النساء السوريات في ظل المعارك المستمرة لا يقل تأثيرها على حياة المرأة من الناحية الجسدية، لكن أثرها لايكون واضحاً كأثر فقدان طرف أو مرض مزمن.

 كما شددت الباحثة على ضرورة العمل من أجل دمج مصابات الحرب بالمجتمع، عن طريق تمكينهن عبر المراكز النسائية التي تعنى بتدريب النساء على مهن مختلفة، بحيث تلائم إمكانياتهن، وتنمي طاقاتهن الكامنة، وتظهر مواهبهن وإبداعاتهن، وبالتالي محاولة تأمين فرص عمل لهن ليتمكنّ بشكل أو بآخر من ممارسة دورهن في المجتمع بشكل شبه طبيعي .

ونوهت الباحثة في نهاية حديثها إلى أن الكثير من المصابات استطعن الخروج من دوامة العجز إلى رحاب الحياة والعطاء، بفضل دعم أفراد المجتمع، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز دعم و تمكين المرأة، والمجالس المحلية التي تساهم في تقديم العون والتفهم .

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »