Search
Close this search box.

تأثير العقل الذكوري بين النساء على حقوق المرأة

تأثير العقل الذكوري بين النساء على حقوق المرأة

سحر حويجة

يعتبر العمل على إلغاء التشريعات والقوانين التمييزية، خطوة جوهرية على طريق المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وتحقيق المواطنة المتساوية دون تمييز على أساس الجنس. لكن تواجه الفضية النسوية في نضالها، جملة من العقبات يمكن تلخيصها: بالعادات والتقاليد التي تنظر للمرأة على أنها أقل مكانة من الرجل، و تعطي للرجل الحق بالسيطرة على المرأة.  سيطرة الثقافة الذكورية، على الفقه والتشريع والعائلة.

العقل لذكوري هو : مجموع السلوكيات والأفكار والقوانين التي تبرر وتدعم سيطرة الرجال على النساء، ومعارضة حقوق المرأة، والدفاع عن مجتمع ذكوري أو أبوي يمنح الرجال العديد من الامتيازات. إن الذكورة تعريف اجتماعي أسبغته المجتمعات على الرجال، قيم مكتسبة ومتغيرة، تستمد العقلية الذكورية  قوتها من  الايدولوجيا التقليدية والايدولوجيا الدينية، التي ترفض فكرة المساواة، وتنظر إليها من خارج الواقع، إما استناداً إلى الغيب أو المصالح خاصة.

نتناول في هذا المقال  سيطرة العقل الذكوري في أوساط النساء، ليس النساء التقليديات الأميات، بل نساء كسرن النمطية التقليدية، ودخلن الى المعترك العام الاقتصادي والسياسي، ونسبة كبيرة منهن حصلن على درجات عالية في سلم التعليم. في الوقت نفسه، هن لا يؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل، لأسباب أيديولوجية، ويشكلن عقبة وحجر عثرة  على طريق المساواة الدستورية والتشريعية. نعرض في هذا السياق  عدة أمثلة: الأخوات في تيار الإسلام السياسي، والمجاهدات في صفوف القوى التكفيرية، القبيسيات. ولنا وقفة عند  شخصية توكل كرمان.

 نشير بداية إلى ما يجمع الفكر الأصولي على اختلاف مواقعه من المرأة: العمل على ضبط النساء وتقييد حركة تحررهن، وتكريس مبدأ تبعية المرأة للرجل والنظر للمرأة أنها عامل مساعد للرجل. ضرورة الحفاظ على دورها التراتبي في الأسرة، تحت شعار درء الفتنة، ورفض المساواة على أنها معول هدم قواعد الأسرة، وتصطدم مع قواعد الإسلام وثوابته، وتقضي على الأخلاق السليمة في المجتمع. وإن الرجال قوامون على النساء، ولا يفلح قوم ولو أمرهم امرأة. تستخدم النساء من قبل الحركات الأصولية  بهدف الهيمنة على المجتمعات النسائية المغلقة، ونشر الدعوة وحشد الدعم للحركة.

النساء في صفوف الإخوان المسلمين

يعود انضمام النساء في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في سوريا إلى مطلع الخمسينيات، عندما تشكلت جماعة الاخوات بجهود مصطفى السباعي وأمينة الشيخة، للقيام بدور دعوي.

إن فصل العمل الدعوي عن السياسي، يساهم في تضييق المد النسوي على مفاصل الجماعة القيادية،  في الوقت نفسه الاستفادة من العنصر النسائي في الانتشار في الأوساط الشعبية وحشد الدعم للتنظيم.

في مرحلة الثمانينات تعرضت إعدادا كبيرة من النساء الداعيات،  للاغتيال والاعتقال بسبب نشاطهن، أو بسبب قرابة تربطهن مع أحد أعضاء قيادة التنظيم، بقيت النساء رهينة البنية الفكرية التقليدية للجماعة القائمة على التمييز واستبعاد المرأة من التمتع بالفرص التي يتمتع بها الرجل، وأن تبقى مرؤوسة من قبل رجال مهما كانت درجتها، وتعاني التهميش والتمييز, هذا بعض ما اعترفت به انتصار عبد المنعم المنشقة عن الإخوان في مصر، في كتابها “حكايتي مع الإخوان”.

عادت الأخوات الى استئناف نشاطهن بعد ثورة 2011، تم انتخاب نساء  في مجلس شورى الإخوان في انتخابات 2014 وأطلقت صحيفة العهد في عام 2013 وكانت مشاركة النساء فيها لافتة، كما تعزز دورهن في فروع الشباب لجماعة الإخوان بنسبة عشرة بالمائة، وشكلن جمعيات خيرية واشرفن على المؤسسات التعليمية في مناطق اللجوء. إن سعي التنظيم لتعبئة النساء في صفوفه جاء ليقطع الطريق أمام حركة نسائية مستقلة، وزيادة تمثيل المرأة في صفوف القوى الإسلامية تشكل ورقة رابحة على الصعيد الدولي. تطور نشاط الاخوات وفرضن انفسهن بسبب من تطور وعي النساء لحقوقهن، لكن هذا لم يمس الثوابت التي يقوم عليها التنظيم برفض المساواة والحرية بمفهومها المعاصر رغم موافقتهم على مشروع الدولة المدنية. غير أنه لا ضمانة للمدنية قبل أن تتحول هذه القوى الى أحزاب سياسية  والابتعاد عن المرجعية الدينية، لأن الدولة المدنية تقوم على المواطنة والمساواة دون تمييز على أساس الدين والجنس. نلحظ أن النساء يلعبن دوراً متناقضاً بين فئات تقليدية في صفوف التنظيم تدافع عن المرجعية الدينية، وبين فئات شابة دخلت التنظيم على أساس مشروعه المدني.

تنظيم القاعدة ودولة داعش

طرأ تطور نوعي على طريقة تعامل تنظيم القاعدة مع المرأة على يد داعش: عبر طرق مدروسة، عملت  داعش على تجنيد عناصر نسائية أوروبية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ووعدهن باستلام مراكز قيادية في التنظيم، حيث زجت النساء بالتنظيم بطريقة من الطرق وتم تكليفهن بالمهام الجهادية وأعمال التفجير،  لسهولة حركتهن ومن أجل الدعاية وانتشار التنظيم.

عمل تنظيم داعش على تأسيس كتائب نسائية في مناطق نفوذه، كل كتيبة منها تضم عدة مجموعات، وكانت أولى الكتائب النسائية التي تم تشكيلها هي “كتيبة الخنساء”، التي تشكلت في عام 2014. ،ذكرت بعض المصادر أنها تمكنت من تجنيد ّ 400 امرأة في الرقة، غير أن المهمة الأساسية لكتيبة الخنساء، كانت تتلخص في مهام الحسبة، عبر الانتشار في الشوارع والأزقة، من أجل ضبط ومحاسبة ومعاقبة المقصرات، وإقامة الحدود على المخالفات، وضمان استمرار تبعيتهن للمنظومة الذكورية، وإعدادهن ليكّن أداة لضرب الحركات المناوئة للدين. لكن هزيمة التنظيم العسكرية أفقدته جزء من رصيده من  النساء الأوروبيات، اللواتي قدمن الى سوريا وانكشفت أكاذيب التنظيم عليهن. وبسبب العنف الذي مارسته داعش وملاحقة النساء ومعاقبتهن تشكلت ردود أفعال مناهضة للقوى الأصولية الدينية. لكن مازال التنظيم لديه رصيد  لا يستهان به من النساء في  المجتمعات التي سيطرت عليها داعش، والقوى المتشددة الاخرى، تعارضن مبادئ المساواة والحرية لأسباب أيديولوجية.

جمعية الفبيسيات

أسستها منيرة القبسي، سجلت الجمعية حضوراً واسعاً في الشارع الدمشقي، ويقدر عدد المنتسبات الى الجمعية  أكثر من 75 الف امرأة. تجاوزت أنشطة الحركة العمل الدعوي والخيري، لهن طقوساً خاصة وسرية تقوم على الطاعة العمياء للشيخة، ولديهن مشاريع استثمارية اقتصادية.

افتتحت الجمعية المدارس والمعاهد التعليمية الخاصة لكافة الفئات العمرية، وفرص العمل في هذه المدارس تقتصر حصراً على المنتسبات، والشعب يمول هذه المشاريع بدفعه مبالغ طائلة لتسجيل أولادهم في هذه المدارس التي يعتبرونها نموذجية، وان ريعها يذهب الى المشاريع الخيرية.

استخدمت هذه الحركة نشر الدعوة الإسلامية على مستوى من الاحتراف. ساهمت في تحويل المجتمع وخاصة النسائي منه إلى مجتمع متدين بطريقة يشوبها التشدد والانغلاق الفكري. كما أن عضواتها تقلدن مناصب رفيعة في وزارة الأوقاف السورية، وهو أمر سمح لهن بالمشاركة في صنع القرار على صعيد تحديد المناهج الدينية في المساجد والنشاط فيها.

وسيمتد تأثيرهن لمنع إصدار أي قانون لا يتوافق مع الشرع  في قانون الأحوال الشخصية والقوانين التمييزية الأخرى، معتمدين على شبكة علاقات واسعة مع  السلطة من جهة ومع المجتمع من جهة أخرى. ويشكلن رصيداً لرفد القوى الاصولية في مستقبل سوريا.

السلطة دعمت القبيسيات من خلال منحها الترخيص، في حين رفضت منح تراخيص للمنظمات النسائية التي تدعو الى المساواة، كما أعطتها حق التدخل في التعليم وهو شأن عام.

 توكل كرمان    

الناشطة البارزة في الثورة اليمنية منذ عام 2011 تعرضت للاعتقال نتيجة تنظيمها وقيادتها المظاهرات المنادية بإسقاط نظام علي عبد الله الصالح لدرجة  تلقت تهديداً بالقتل عبر اتصال هاتفي من رئيس الجمهورية. كانت عضواً قيادياً  في حركة الإصلاح اليمني ذات التوجه الإسلامي وبسبب من مواقفها المؤيدة للإخوان المسلمين في مصر وعلاقتها الوطيدة بكل من تركيا وقطر اتهمت بولائها للإخوان المسلمين.

اشتهرت توكل بدفاعها عن حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وكانت أول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2011

اختارتها مجلة التايم الأمريكية في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ، حصلت على على جائزة الشجاعة من السفارة الأمريكية، وتم اختيارها كأحد سبع نساء أحدثن تغييراً في العالم من قبل منظمة مراسلون بلا حدود، تم اختيارها في المركز الأول ضمن قائمة أفضل 100 مفكر في العالم من قبل مجلة فورين بوليسي.

تم اختيارها عام 2020 كعضو في مجلس الإشراف على المحتوى في  موقع قيسبوك. الأمر الذي فجر عاصفة من الرفض والاستنكار في مواقع التواصل الاجتماعي خوفاً من دور متوقع ان تلعبه ضد حرية التعبير، على خلفية اتهامها بالانتماء للإخوان المسلمين، رغم أن هذه التهمة تتعارض مع مسيرة توكل كرمان باعتبارها  شخصية قيادية ذات تأثير كبير في الشارع، تتمتع بجرأة أدهشت متابعيها، وتم تقديرها وتكريمها على أعلى المستويات في المحافل الدولية ـ وسلوكها يشير الى إيمانها بالمساواة بين المرأة والرجل، هذا يشير الى ضرورة إجراء حوار وسجال  معها، وأن يتم التركيز في الحوار على قيم التحرر والمساواة بين المرأة والرجل. حتى لا يتم استغلال شخصية كرمان لمصلحة أجندات وتيارات  تناهض مساواة المرأة وحريتها.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

One Response

  1. مقال مهم سحر ولكن يظل السؤال لماذا لا يزال يسيطر العقل الذكوري على المرأة رغم انه يتعارض مع احترامها لذاتها ودورها في المجتمع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »