Search
Close this search box.

كورونا يُهدد بهدم ما ناضلت أجيال النسويات من أجله

كورونا يُهدد بهدم ما ناضلت أجيال النسويات من أجله

بقلم: مويرا دونيكان

ترجمة وإعداد: قمر عبد الحكيم

تسبب تفشّي فيروس كورونا في انكماش الاقتصاد وانخفاض الخدمات العامة بشكل مضطرد، وظهرت بعض المخاوف التي تتعلق بالصحة العامة أدت إلى توجيه كميات هائلة من الأعمال والمسئوليات إلى المنزل، وبالتالي فإن النساء وحدهن من يتحملن هذه الأعباء الزائدة. وبالرغم من رفع الحظر وتراجع الفيروس إلى حدٍ ما، إلا أن العديد من هذه الاحتياجات، التي كانت سابقاً تتم خارج المنزل، أصبحت الآن متروكة للأسرة لتقوم بها داخل المنزل. وبذلك فإن النساء يتأثرن بشكل غير متكافيء، والنتيجة هي تقييد طويل الأمد لحياة المرأة داخل إطار المنزل، الأمر الذي من شأنه أن يهدم التقدم الذي أحرزته المرأة على مدى قرن من الزمان في المطالبة بالمساواة والحق في الولوج إلى الحياة العامة.

تلزم بعض النساء منازلهن لأنهن فقدن وظائفهن بالفعل، فلقد ألحق الركود الاقتصادي الذي سَبَّبَّهُ الوباء أضرارًا هائلة بالأعمال التي تُديرها النساء، مما يعني أن هذه المرة، على عكس ركود عام 2008، تشكل النساء غالبية العاطلين عن العمل. ففي نيسان/ أبريل، ارتفع معدل البطالة إلى 15,5 ٪ بالنسبة للنساء، حيث شكلت النساء السود واللاتينيات أعلى متوسط لمعدلات البطالة.

مع إغلاق المدارس ودور الرعاية النهارية، أصبحت بعض المسؤوليات، مثل رعاية الأطفال ورعاية المسنين التي كانت سابقاً تابعة للخدمات العامة أو المؤسسات التجارية، الآن محصورة في المنزل. وبينما يتزايد العمل المأجور دون هوادة، لازالت معظم المؤسسات تحرم موظفيها أبسط الامتيازات التي يتطلبها الواقع الجديد، ففي ظل تفشّي هذا الوباء، أصبحت حياة النساء أقل حرية وأكثر ثقلاً بالأعباء. وإلتزاماً بقواعد الصحة العامة، وجب على كل فرد –رجالاً ونساء- البقاء في المنزل قدر المستطاع، الأمر الذي من شأنه أن يُشكل عائقاً يعرقل نشاط المرأة ويحملها أعباءاً زائدة من الأعمال المنزلية أثناء تواجدها داخل المنزل.

من المرجح أن العديد من النساء اللاتي لازلن يشغلن وظائف عن بُعد سيبقى عملهن عن بُعد حتى بعد انحسار الفيروس ورفع القيود المفروضة عليهن، ذلك أن الوباء تسبب في إعادة تقييم العلاقة بين التكاليف العامة التي تتكبدها الشركات ووجود حيز مادي للعمل. قبل فترة ليست ببعيدة، أعلن موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” عن خططه المستقبلية التي تتعلق بالعمل الدائم عن بعد حتى بعد إنتهاء الوباء، ومن المحتمل أن تحذو الشركات الأخرى حذوه، مما يعني فقدان العديد من النساء اللواتي اعتدن العمل خارج المنزل دخولهن، ولكن حتى أولئك اللواتي لم يفقدن دخولهن قد يضطررن أيضاً للبقاء في المنزل؛ فمع ارتفاع معدلات البطالة ووجود فائض في العمالة، فإن النساء العاملات اللاتي لا يسمح لهن أطفالهن أو أعمالهن المنزلية أو أي عوامل تشتيت منزلي أخرى بالحفاظ على إنتاجيتهن يدركون تمام الإدراك أن أصحاب العمل سيجدون التخلص منهن أو استبدالهن أمراً في غاية السهولة.

في الوقت نفسه، من المرجح أن يظل الأطفال مع أمهاتهم في المنزل لفترات طويلة، لأن موعد إعادة فتح لازال غير معروف في أجزاء كثيرة من البلاد، ولكن نظام جامعة ولاية “كال” أعلن تعليق الدراسة حتى فصل الخريف، وهي خطوة من المحتمل أن تدفع العديد من الأنظمة الجامعية والمؤسسات التعليمية الأخرى للقيام بها. وحتى عندما تفتح المدارس أبوابها من جديد، فإن العديد منها سوف تتبع نظام التعليم عن بُعد وستعلن جداول زمنية للطلاب بحيث يتعلموا من منازلهم لأيام محددة من كل أسبوع.

الرجال أيضاً قابعون في منازلهم، لكن الكثير منهم ليسوا ذات أهمية تُذكر. أظهرت الدراسات أن الرجال يبالغون في تقدير مساهماتهم في المنزل، حيث أنهم يقللوا عدد الساعات التي تقضيها النساء في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال والمسنين، وقد تفاقمت أعداد هذا النمط من الرجال بعد ظهور الوباء. أوضح استطلاع رأي أجرته مجلتي “نيويورك تايمز” و “مورنينج كونسلت” أنه في الأسر التي بها أطفال في سن المدرسة صرح 45% من الرجال بأنهم يقضون وقتاً في تعليم أبنائهم منزلياً أكثر من الوقت التي تقضيه الزوجات. أما بالنسبة للنساء، فكان المنظور مختلفاً تماماً، قالت 3% فقط من الزوجات أن أزواجهن يشاركون في التعليم المنزلي للأبناء!

في غضون ذلك، من المرجح أن يظل التعليم المنزلي هو المعيار المتبع في المستقبل المنظور، فقد أعلن “أندرو كومو” حاكم ولاية “نيويورك” قبل عدة أيام عن خططه المستقبلية لتحسين البرامج التعليمية العامة في الولاية بدءاً من الروضة وحتى الثانوية، ذلك بالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس، وهي مؤسسة لها تاريخ طويل في المناداة بخصخصة التعليم العام، وكانت قد كسبت التأييد لتعزيز تدابير الحماية الوظيفية للنساء العاملات في مجال التدريس. تنص الخطة على تطبيق التكنولوجيا لتمكين التعلم عن بُعد بصورة أفضل.

يقول “كومو”: “النمط القديم لنظامنا التعليمي، حيث يجلس الطلاب جميعاً في الفصل الدراسي، لم يعد مناسباً لوقتنا الحالي”. ولكن ما لم يذكره “كومو” هو أن التعليم عن بُعد يتطلب إشرافاً على الأطفال، والنتيجة هي أن أحد الوالدين -وهم بأغلبية ساحقة من الأمهات- سيتم تفويضه بشكل فعال للقيام بدور المعلم في المنزل، ولكن بدون تدريب أو أجر، مما يتطلب البقاء لفترة أطول في المنزل مع الأبناء.

يرتكز قرار “كومو” على الافتراض الجنسي المتحيز ضد المرأة بأن النساء متاحات بشكل دائم لمزيد من الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر. في الواقع، ينقل هذا القرار التقليد الموروث من مستوى الظلم الثقافي والزواجي إلى مستوى السياسة العامة. أي أنه إذا كانت الدولة ستتراجع عن واجبها بتعليم الأطفال ورعايتهم؛ إذاً فلا بد من تكليف النساء بالتعويض عن إخفاقات الدولة.

مع تراجع خدمات الدولة، تقدم الشركات الخاصة قليلاً من التنازلات بشأن الاحتياجات المنزلية بالنسبة للنساء العاملات، والرجال لا يساهمون في تعويض هذا النقص، مما يعني أن عالم ما بعد الوباء قد يكون عبارة عن حياة أضيق وأكثر خوفًا وتقييدًا للنساء. وقد يعني ذلك أيضاً أن المرأة ستكون عاطلة عن العمل وغير قادرة على كسب المال الذي يسمح لها بإعالة نفسها وأسرتها أو الحصول على الاستقلال في الزيجات الاستغلالية أو المسيئة أو حتى غير السعيدة. يمكن أن يعني ذلك عالمًا اجتماعيًا وتجاريًا أقل حيوية بشكل عام لكون غالبيته من الذكور. ويمكن أن يعني أيضاً أن النساء سوف يقمن بعمل أكثر ولكن بحرية أقل، حيث يتم تحميلهن أعباء إضافية باعتبارهن الملاذ الأخير عندما يقف أصحاب العمل والمؤسسات والدولة مكتوفي الأيدي. وقد يعني ذلك خسارة جل ما ناضلت النسويات من أجله: تحرر المرأة من النطاق المنزلي، والتحرر من الاعتماد المالي على الرجال، وحرية الوصول إلى الحياة العامة!

ما زالت الحياة بعد الوباء غير واضحة تماماً، ولكن من المحتمل، بشكل كبير، أن يقتصر الكثير من الأعمال على ذلك المكان الذي لطالما ناضلت المرأة عقوداً للخروج منه: المنزل!

المصدر:

https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/may/21/this-pandemic-threatens-to-undo-what-generations-of-feminists-have-fought-for?fbclid=IwAR0zciKcDzhBQ5FWcZGcUuapuWvj8ctgQPr6_vf3l6nrpQidMaUL2_4QszM

 

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »