Search
Close this search box.

التسول مرض اجتماعي يجتاح إدلب وريفها

التسول مرض اجتماعي يجتاح إدلب وريفها

إدلب – نهى الحسن

تتنقل الثلاثينية ام عمر يومياً بين أرصفة الطرق وأبواب المساجد في مدينة إدلب، حاملة بين يديها طفلها الصغير الذي لم يتجاوز عمره السنتين، متوسلة إلى المارة للحصول على المال الذي تحاول أن تشتري به ما يسد رمق أطفالها الخمسة.

أم عمر استشهد زوجها في إحدى غارات الطيران الحربي على مدينتها معرة النعمان، ونزحت مع أفواج النازحين الفارين من قصف النظام وحلفائه في محاولة الأخير السيطرة على المدينة، ليستقر بها الحال في أحد البيوت المدمرة والمهجورة  في مدينة إدلب.

دفعت الحرب المدمرة المستعرة في سورية على مدار تسع سنوات وما رافقها من نزوح وقتل وقصف وتهجير العديد من الناس إلى حافة الفقر في إدلب وريفها، مما دفع أعداداً كبيرة من الأطفال والنساء إلى التسول للحصول على المال من أجل تغطية نفقاتهم .

أم محمد (٤٥  عاماً) نزحت مع عائلتها من ريف حماه الشمالي وتقيم حالياً في إحدى مخيمات أطمة الحدودية، لديها سبعة أطفال وزوجها مصاب بالشلل إثر شظية غادرة من أحد الصواريخ كانت قد استقرت في عاموده الفقري فأقعدته مدى الحياة.

تقول أم محمد: “إن انعدام الجهات الداعمة والمنظمات الإنسانية، وارتفاع الأسعار الجنوني، يجبرني على التسول طوال اليوم في الشوارع والساحات العامة، للحصول على المال الذي يمكنني من شراء مادة الخبز التي باتت حلم بالنسبة للكثيرين في ظل الأوضاع المعيشية القاسية التي نعيشها في الوقت الراهن”.

كما أن ظاهرة التسول تنامت بشكل لافت بين الأطفال في الآونة الأخيرة ، حيث شوهد العديد من الأطفال المتسولين في الشوارع ممن حرموا من الحصول على حقهم في التعليم والرعاية الأساسية، كما لوحظت زيادة جرأتهم في الطلب والإلحاح حتى يحصلوا على مبتغاهم .

الطفل حازم (١٠ سنوات) من بلدة بنش استشهد والده في الحرب الدائرة، ويعيش مع والدته المريضة وإخوته الثلاثة يقول أنه يضطر للتسول من أجل الإنفاق على إخوته الصغار، وأنه في كثير من الأحيان يبحث في القمامة لجمع أي شيء (مواد بلاستيكية – خرداوات – أسلاك نحاسية- وكل ما يمكن استخدامه سواء للحرق أو لإعادة التدوير) غير آبه بما يمكن أن تسببه له عملية البحث تلك من أضرار جسيمة على صحته.

صرح حازم بأنه يكره مايفعله وأنه كان يأمل ويتمنى أن يتابع دراسته كأقرانه، ولكن لايوجد أمامه خيار آخر .

والدة حازم الأربعينية تقول بعبارات يطغى عليها الألم والحسرة: “كنت أحلم أن ينال أطفالي كل الرعاية والاهتمام والتعليم ولكن الحال الذي بتنا عليه من الفقر والحاجة جعلني أقبل مرغمة بإرسال أبنائي لهذه الأعمال”.

محمد الخالد (٣٩  عاما) عضو مجلس محلي في مدينة إدلب يتحدث عن هذه الظاهرة بالقول: “يوجد في المدينة انتشار كبير للنساء والأطفال المتسولين، وترجع الأسباب إلى الحاجة والبطالة والفقر، ومعظم هؤلاء من النازحين الذين هجروا منازلهم وخسروا مصادر رزقهم، كما أن معظمهم أيضاً من الأسر التي فقدت معيلها”.

 وينوه الخالد إلى أن أعداد المتسولين كبيرة جداً في المدينة مقارنة بالأرياف وذلك لإكتظاظها بالسكان والمحال التجارية.

ويوضح بأن المجلس المحلي بالمدينة يسعى للحد من هذه الظاهرة عن طريق تقديم المساعدات بالتعاون مع الجمعيات للأسر المحتاجة.

وعن الخطوات التي يجب مراعاتها للحد من هذه الظاهرة يحدثنا الأستاذ علي الغفير (٤٨ عاما) أخصائي في علم الإجتماع قائلا : “يجب توعية الأهالي بشأن خطورة ظاهرة التسول من خلال حملات التوعية والإرشاد للمساهمة في حل هذه الظاهرة، كما أنه  لابد من العمل على إعادة الأطفال إلى مدارسهم، وتأمين احتياجاتهم، أو إدخالهم إلى ورشات تدريبية مهنية وخصوصاً بعد ازدياد الجمعيات والمنظمات الراعية للأنشطة االتعليمية”.

وشدد الأخصائي في علم الإجتماع  أيضاً على ضرورة إدخال النساء اللواتي يمتهن التسول في مجالات عمل تختص بالمرأة لتأمين لقمة العيش بعيدا عن سؤال الآخرين، وذلك من خلال تدريبهن ضمن ورشات عمل يستطعن بعدها كسب مردود مادي يكفيهن وأطفالهن .

من جهته يرى الناشط الإعلامي عبد الله الموسى (٣٠عاما) أن التسول ظاهرة منتشرة بين المجتمعات وليست خاصة بمجتمع دون غيره، ويمكن القضاء عليها في الشمال السوري بشكل عام عبر تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وتفعيل دور المجالس المحلية، والمنظمات الإنسانية، وتوزيع مشاريع سبل العيش بشكل عادل بعيداً عن المحسوبيات .

أما المرشدة النفسية سحر المحمد فتتحدث عن تبعات هذه الظاهرة قائلة: “تترك ظاهرة التسول آثاراً سلبية على الأجيال القادمة، لأن انتشارها بشكل كبير سيجعل الأمر مألوفاً، ومع تقادم الأيام ستصبح تلك الظاهرة مهنة لا تعيب من يعمل بها، بينما كانت تعتبر في السابق أمراً مشيناً يدفع صاحبه للخجل، واختيار المناطق التي لايعرف سكانها ولا يعرفوه “.

وذكرت المحمد أن كل الدراسات النفسية أكدت على وجود تناسب طردي مابين التسول وانتشار الجريمة في المجتمع، نتيجة تكوين الطفل ردة فعل سلبية تعود بنتائج كارثية. وأضافت أن الطفل في هذه الحالة يفتقد كرامته مع الوقت، كما يصبح غير قادر على بناء شخصية مستقلة، أو بناء مهارات مختلفة تساعده على العيش بشكل إيجابي في الحياة، وذلك بسبب الإهانات التي يتعرض لها أثناء ممارسته للتسول، وبسبب اعتياده على ممارسة وسائل مهينة  لجلب المال.

فالتسول ظاهرة إجتماعية قد تتحول إلى أزمة في الشمال السوري بشكل عام في حال استمرار الحرب، ويغذيها تردي الأوضاع المعيشية، الأمر الذي يضع مستقبل جيل كامل أمام خطر حقيقي يلوح في الأفق البعيد .

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »