Search
Close this search box.

النساء في مسلسلات البيئة الشامية

النساء في مسلسلات البيئة الشامية

سلمى الدمشقي

دأبت الدراما السورية ومنذ سنوات ما قبل الأزمة على صنع  مسلسلات دراما ذات بيئة شامية، وقد لاقت هذه المسلسلات رواجاً كبيراً في القنوات العربية ولاسيما الخليجية منها، وذلك بسبب ما تتمتع به اللهجة الشامية من انتشار وقبول في معظم المجتمعات العربية حيث يسهل فهمها. ولما تحتويه  من مكائد وطرائف تجعل المشاهدين راغبين بمتابعتها، بالإضافة إلى أنه يغلب عليها مشاهد بطولة ضد الاستعمار الفرنسي مما يدغدغ مشاعرهم وهم الباحثون عن انتصار لكرامتهم ولواقعهم المليء بالإحباط والإنكسارات المتوالية, ولو عبر شاشة التلفاز.

وهذا كله يضمن ترويجاً وبيعاً لها وتحقيق أرباح جيدة لشركات الإنتاج، مما أدى الى صنع أجزاء عديدة من المسلسلات التي لاقت رواجاً وشهرة. ولعل مسلسل “باب الحارة” هو الأشهر في هذا المضمار حيث دأب منتجوه وبعد نجاح لافت للأنظار للجزء الأول  ( حيث حقق أعلى نسبة متابعة بين المسلسلات العربية في رمضان عام 2006 )  إلى صنع عشرة أجزاء منه بتكرار مملل للأحداث وحشو مبالغ فيه للقصص والحكايات، والتي تدور جميعها حول عضوات الحارة والصراع بين الخير والشر، ودائماً النساء في هذه المسلسلات هن صناع الحدث من وراء الأبواب عبر نقل الأخبار والتأثير على الأزواج. وطبعاً جميع نساء باب الحارة وباقي المسلسلات الشبيهة هن  معنفات بالدرجة الأولى ومستلبات من قبل أولياء أمورهن سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ الأكبر،  لا تملك أي منهن الحق في إدارة أمور حياتها ابتداء من التعليم إلى العمل خارج المنزل أو حتى الزواج ممن تريد أو رفض هذا الزواج في أحسن الأحوال. يقضين أوقاتهن في النميمة والقيل والقال وتدور حبكة المسلسل الرئيسة عن أثار هذه النميمة ونقل الأخبار على الأحداث في الحارة.

وقد فاجأنا الموسم الرمضاني الماضي بمسلسل سوق الحرير والذي عُرض على قناة MBC الأولى، وهو مسلسل بيئة شامية من اخراج بسام ومؤمن الملا  وفكرة بسام الملا وتأليف حنان حسين المهرجي  ومن انتاج شركة ميسلون للإنتاج الفني. وتدور أحداثه بين أواخر الاربعينات وبداية الستينات  في سوق الحرير وسوق تفضلي يا ست وحارات وبيوت دمشق القديمة حيث يبدأ المسلسل بحلقته الأولى بذكر حادثة حرق الفرنسيين للبرلمان وبعض مناطق دمشق  قبل خروج فرنسا من سوريا. وتمضي عشر سنوات لتبدئ مرحلة الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي قي دمشق وسوريا   وبدء معرض دمشق الدولي وانتشار المسارح والسينما وتطور الصناعة النسيجية وظهور محلات الأزياء، وانتشار الحركات الطلابية في الجامعات والأحزاب، ويستعرض تطور العلاقات السورية المصرية وصولا الى الوحدة بينهما.

ولعل من المفارقات الغريبه اختلاف أوضاع النساء بين المسلسلات السابقة وهذا المسلسل رغم أن المخرج بسام الملا، مخرج هذا العمل، من قام بإخراج الأجزاء الأربعة الأولى من مسلسل باب الحارة. ولا يبرر هذا أن المسلسل يرصد مرحلة الخمسينات ومسلسل باب الحارة يرصد فترة الأربعينات اذا لا يعقل أن يتطور وضع النساء خلال عشر سنوات هذا التطور اللافت للأنظار.

في مسلسل سوق الحرير نرى النساء طبيبات يعملن في المشافى ومدرسات في المدارس، نسبة كبيرة منهن لا ترتدي غطاء الرأس وغير محجبات، وحتى في البيت في الحارة الدمشقية نرى أن الأم هي من تملك السلطة وتتحكم بأوضاع البيت والجميع يطيع أوامرها حتى ابنها البكر، والأخت يمكن لها أن تعارض رأي أخيها وتفرض عليه رغبتها بالتعلم أو العمل ويمكن للزوجة أن تقول لا لزوجها وأن تناقشه في أمور حياتها وتفاصيل أمور أطفالها، والنساء يخرجن بمفردهن إلى السينما ليحضرن فيلم لعبد الحليم حافظ مثلاً، وإلى الأسواق والمنتزهات.

ومن النظرة الأولى للمسلسل نرى أن أوضاع النساء قد تطورت وتحسنت تحسناً ملحوظاً وأصبحت أقرب الى الواقع الفعلي في سوريا مقارنة بما اعتدنا أن نشاهده بمسلسلات البيئة الشامية.

ولكن مع توالي أحداث المسلسل وتعقد حبكته الدرامية نكتشف شيئاً فشيئاً أن نساء سوق الحرير لا يختلفن عن نساء باب الحارة من حيث الهيمنة الذكورية عليهن، فالشخصية الرئيسة في المسلسل وهي الام نراها تمارس نفس الهيمنة الذكورية المشبع عقلها بها على نساء البيت، فهي التي تزوج ابنها عمران زيجات متتالية لينجب الصبيان ولا تتورع عن الإصرار على زواج حفيدتها الطفلة.  ونساء التاجر عمران يقضين أوقاتهن في صنع المقالب لبعض حتى تنجح احداهن في امتلاك قلب الزوج، ويجتمعن جميعاً ضده في محاولات مستميتة لمنع زواجه من الزوجة الرابعة حيث لا مبرر لديه باعتقادهن للزواج بالرابعة بعد ان قامت الزوجة الثالثة بانجاب الصبيان وجميعهن حسناوات وهو يحبهن، لذلك لا مبرر لزواجه مرة أخرى حسب اعتقادهن.

زوجته الأولى والتي يحبها جداً لم تستطع الانجاب لذلك سامحته على الزواج من الزوجة الثانية التي لم تنجب الا البنات، ولهذا السبب سامحته بالزواج من الثالثة التي أنجبت الصبيان.  ولكن عمران يبحث عن تجديد لشبابه ويرغب بالزواج من زوجة مختلفة عن نساء الحارة  وعن ذوق والدته، حيث محبوبته الجديدة هي دكتورة مصرية قدمت مع عائلتها إلى دمشق.

ربما نرى في هذا المسلسل اختلافاً ملحوظاً حيث الزوجات يعين واقعهن وأنهن أسيرات لهذا الزوج ويحاولن الخروج منه ومقاومة رغبة الزوج علنا وهو يرضخ للنقاش معهن ولا يحاول أن يفرض عليهن الأمور فرضاً، ولكن عندما يصل الخلاف الى الذروة يكون التهديد بالطلاق الجماعي والعودة الى بيت الأهل هو المفصل الذي يجعل الزوجات يرضخن لرغبة الزوج.

وقد ميز المسلسل أيضاً بين نساء دمشق من خارج السور والنساء داخله، حيث النساء خارجه هن قويات أكثر ومتعلمات وجامعيات ويعملن و لايقبلن بالزواج الا ممن يشئن، حيث رفضت الدكتورة الزواج من عمران الذي جاء لخطبتها مباشرة بدون أخذ رأي الأهل أو خطبتها من أهلها، كما اعتدنا أن نرى في هذه المسلسلات، وهي ترفض مباشرة وبدون تردد لأنه متزوج.

وأيضا نرى الدكتورة تشجع زميلتها على البوح بمشاعرها لأحدهم او التلميح بها على الأقل وهذا تطور في وضع النساء أقرب الى الفنتازيا في تلك المرحلة.

أيضاً نرى نموذجاً لإحدى السيدات، والتي تقرر إقامة عمل خاص بها عبارة عن حياكة البسط بالنول وبيع هذا المنتوج وهي تلاقي التشجيع والدعم من الجميع.

ونموذج أخر للفلاح الذي يوصي ببيته وارضه لابنته الوحيدة ويرفض توريث الأرض لأبناء الأخ، كما جرى العرف الاجتماعي في ذلك الوقت ولغاية اليوم في مناطق عديدة من ريفنا السوري، حيث يرث الذكور الأرض وتحرم الإناث منها.

ولعل المسلسل السوري حمام القيشاني بأجزائه الخمسة من تأليف الأستاذ دياب عيد وإخراج المخضرم هاني الروماني  يبقى في ذاكرتنا المسلسل الأول والوحيد الذي رصد تطور وضع النساء في دمشق وسوريا بكثير من الواقعية والدقة وبعيداً عن الفنتازيا التي تميز مسلسلات البيئة الشامية جميعها.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »