Search
Close this search box.

رياض الأطفال ودورها في الفاقد النسوي

رياض الأطفال ودورها في الفاقد النسوي

 رهادة عبدوش

لم تتوقع مروة أنها ستلازم البيت كلّ هذه  الفترة، تعيد نشاطاتها في صنع الطعام والتعرف على مجموعات جديدة في فن الطبخ والحلويات وأحدث أنواع  وطرق التنظيف، ولم يخطر ببالها أنها ستكون سعيدة في تغيير نمط حياتها من محاسِبة في شركة سفريات ودليلة في السياحة الداخلية تشغلها أمور الشركة والأرقام وآخر الأبحاث المتعلقة بطرق استقطاب وجلب الزبائن إلى امرأة في المنزل تطبخ وتنظّف وتراقب  جيرانها ومشاكلهم، تجربة جديدة تحولت بعد شهرين إلى كابوس.

 فهذا الحظر الذي فرضه خطر (كوفيد 19) على سوريا منذ منتصف آذار 2020 والذي تبعه الانهيار الشديد لليرة السورية غيّر حياة الأسرة السورية 360 درجة، فقد تمّ إغلاق  العديد من المؤسسات الخاصّة والورشات والمحال والمطاعم، وصرف الكثير من العمال وتخفيض الأجور، بالتزامن مع الغلاء الفاحش الذي أجبر الأسر على تغيير حياتهم وإعادة حساباتهم.

مروة والطبقة الوسطى تحت خطّ الفقر

مروة إحدى السيدات من الطبقة الوسطى اللواتي تم تخفيض أجرها إلى النصف، وبالتالي انضمت مع زوجها العامل في مطبعة لبطاقات الأعراس وأولادها الثلاثة إلى الأسر التي تعيش تحت خطّ الفقر بشكل نظامي بحسب تعريف البنك الدولي عام 2008 وهو دولار وربع.

فراتبهما معاً يعادل 60 دولار شهرياً، وبحسب البنك الدولي يحتاج الفرد كمستوى حد أدنى في اليوم إلى 2500 ليرة سورية (متغيرة بين يوم وليلة) وهنا يقصد الفرد البالغ وغير المُسن. وهي تتوافق مع دراسة قدمها الدكتور في كلية الاقتصاد زياد زنبوعة يتحدث فيها عن الطبقة الوسطى يعطي مؤشرات أصدرتها الأسكوا عام 2014 ودراسات قدمتها عام 2016 تقول أنه  يجب أن يكون الراتب  180 ألف ليرة سورية كي يوازي عام 2010  وهذا فقط عن المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية عندما كان الدولار ب 550 ليرة سورية.

أي حالياً عام  2020 يجب أن يكون دخل الفرد بالمتوسط 800 ألف ليرة سورية بما يعادل 320 دولار أما حقيقة الأمر فإن الأسرة التي يعمل بها الأب والأم بغض النظر عن عدد الأطفال متوسط دخلهم مئة ألف ليرة سورية ما يعادل 40 دولار هذا بالقطاع الحكومي، أما القطاع الخاص فقد يكون أكثر أو أقل.

أجور رياض الأطفال تعيد النساء إلى دورهن الإنجابي

أمام هذه المعمعة تظهر مشاكل كثيرة تؤرّق العائلات السورية منها رياض الأطفال  والنوادي الصيفية التي تؤثّر أولاً على عمل النساء كونهن الحلقة الأضعف في الخيارات.

تلك المشكلة تشاركت بها مروة مع رهام و ريمة وسناء وغيرهن من السيدات اللواتي التقيتهن أمام إحدى رياض الأطفال لتسجيل طفلي، حيث ارتفع رسم التسجيل من 280 ألف ليرة العام الماضي إلى 340 الف ليرة سورية في رياض الأطفال الخاصة العادية مثل اللورد و الروضة الإيطالية بدمشق والآسية و البيزانسون وغيرهم وتصل إلى مليوني ليرة  في رياض الأطفال ذات الأجور المرتفعة مثل السورية الوطنية الخاصة والشويفات وغيرهما.

بالإضافة إلى توقف العمل في رياض الأطفال أو النوادي الرياضية حالياً بسبب الحظر لتظهر رياض الأطفال الساعية – أي الأجر بحسب عدد الساعات-  أقلها 500 ليرة في الساعة ما يعادل 2500 ليرة في خمس ساعات أي 60 ألف ليرة بالشهر على الأقل وهذا يساوي الراتب أو الأجر الشهري لتبقى الأسر ضمن خيارات أفضلها بقاء أحد الزوجين في المنزل وهنا بحسب الحلقة الأضعف ستعود النساء إلى المنزل.

وهذا ما قررته رهام التي تركت عملها لتجلس مع طفلها البالغ ثلاث سنوات وهذا أوفر من العمل بما لا يوازي ما ستدفعه للروضة وأجور للطرقات.

ومها  التي تعمل في القطاع العام فقد أعفى بعض المدراء الموظفات اللواتي لديهن أطفال في عمر الروضة من العمل بسبب إغلاق رياض الأطفال في مؤسسات الدولة، دون أن تخسر راتبها، لكنها خسرت مكانها الوظيفي.

وبحسب دراسة محلية لكلية التربية بجامعة دمشق، أجراها طلبة الدراسات العليا عام 2016 وصل عدد روضات الأطفال في سوريا نحو 2061 روضة ولم يبق منها بعد مضي خمس سنوات من الحرب سوى 600 روضة، وبلغ عدد رياض الأطفال التابعة لوزارة التربية السورية نحو 88 روضة، بينما بلغ عدد رياض الأطفال التي يشرف عليها الاتحاد العام النسائي 20 روضة، وروضات نقابة المعلمين 91 روضة، وبلغ عدد الرياض الخاصة 349 إضافة إلى 21 روضة تتبع لهيئات متنوعة.

النقص في عدد رياض الأطفال وتخفيض دعم الحكومة للروضات وتوقفها حالياً كلّ هذا أعاد النساء إلى دورها الإنجابي بعد نضالات لسنوات طويلة اعترف المجتمع خلالها بأدوارها السياسية والإقتصادية والمجتمعية.

الفاقد النسوي مؤشّر الإنهيار الإقتصادي واتساع الفجوة الجندرية

وهنا نعود إلى فكرة الفاقد النسوي التي تمّت إثارتها في التقرير الوطني للسكان في سورية 2008 والتي كانت تحذّر من السيناريو الأسوأ وهو تهميش النساء والذي يعود بها إلى المنزل وتربية الأطفال ويبعدها عن باقي الأدوار، حيث أشار التقرير إلى أنّ معدلات “الفاقد النسوي” في سوريا ما تزال مرتفعة ومثيرة للقلق  ويمثل ذلك أحد أبرز المظاهر السلبية لعملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية، ويعبر عن أن المرأة ماتزال مهمّشة وخارج دورة الاندماج في تلك العملية. ويرتبط “الفاقد النسوي” بأسباب وعوامل متعددة ومتبادلة التأثير، غير أن التمييز الجندري يبقى أهمها. ويرتبط هذا التمييز على المستوى المعتقدي الثقافي السائد بتوزيع أدوار المرأة والرجل في الاقتصاد والمجتمع وفق خصائص الجنس “البيولوجية” وبالتالي اتساع الفجوة الجندرية بين الجنسين.

وهذا ما تعيشه مروة ومها ورهام وغيرهن من نسوةٍ ناضلن يوماً ما للوصول إلى حقهن في العمل والوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة لتغيير الدور النمطي للنساء، وستعيشه نساء كثيرات في القريب العاجل.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »