“أبى قتيبة الجزراوي” هذا كل ماتعرفه منى عن زوجها الذي قتل بعد أقل من شهر على زواجها منه لتكون بذلك واحدة من مئات النساء اللواتي رحن ضحية زواجهن من مقاتلين مجهولين وأجانب.
النظرة النمطية للمجتمع والعادات والتقاليد االتي تحكم على الفتيات بالزواج المبكر هي أكثر ما دفع منى للزواج حيث فضلت أن تتزوج من مقاتل ومهاجر على أن تبقى “عانس” في بيت أهلها، كما يصفها المجتمع المحلي في ريف إدلب.
تتحدث منى(28عاماً) عن دوافعها للزواج من مقاتل مهاجر فتقول: “فقر أهلي وتقدمي بالسن هي من أكثر الأسباب التي دفعتني للزواج. تزوجت أبى قتيبة دون أن أراه مسبقاً، كان غامضاً جداً لايتحدث معي عن أي تفصيل في حياته، ويغضب إذا سألته عن شخصيته وخصوصياته”. وتضيف: “خرج أبى قتيبة في إحدى المعارك مع فصيله هيئة تحرير الشام ليأتيني بعدها خبر وفاته معهم، حملت بطفل لا أدري ما هو إسم أبوه ولا نسبه بالإضافة لعدم قبوله بتسجيل زواجنا في أي دائرة رسمية لأسباب تتعلق بالأمنيات. انتقلت بعدها إلى منزل أهلي وسجلت طفلي على دفتر عائلتهم، كنت أحلم بحياة أسرية جميلة ككل الفتيات، زوج حنون وأطفال، لكن هذا لم يحدث نتيجة قراري الخاطئ والذي سأبقى أتحمل عواقبه طول عمري”.
انتشرت ظاهرة زواج النساء السوريات من المقاتلين الأجانب، الذين بدأوا بالتوافد إلى سوريا منذ صيف عام 2013، وازداد انتشارها مؤخراً نتيجة قلة الوعي والجهل، إضافة إلى العوز والفقر وانتشار العنوسة بشكل كبير، وذلك بعد هجرة الكثير من الشباب السوريين إلى خارج البلاد بحثاً عن الأمان والرزق.
ليس الموت فقط الذي يغيب الزوج عن عائلته، فتركه لهم والعودة إلى بلده الأم أو الانتقال من مدينة إلى أخرى بحكم تنقله المستمر مع تنظيمه تاركاً الأم والأطفال دون أي سند أومعيل.
تقول خلود ريحاني (33عاماً): “تزوجت من مقاتل أوزبكي يدعى (أبى الطيب) وذلك بعد أن أغرى والدي بمبالغ كبيرة من المال ووعده بتقديم الكثير من الذهب والحلي، الأمر الذي دفع أهلي للموافقة طمعاً بالمال، كان يغيب فترات طويلة عن البيت متناسياً تماماً أنه متزوج ولديه زوجة تنتظره. وفي أحد الأيام، وعند الساعة الثانية ليلاً، ذهب مع أصدقائه في نفس التنظيم، ولم أره بعدها. مر على غيابه أكثر من سنتين”. تصمت قليلاً لتتابع: “لا أدري كيف يستطيع هؤلاء الأشخاص عدم التفكير إلا بأنفسهم، يالهم من عديمي المسؤولية”. حالياً تعيش خلود في مخيمات الشمال السوري دون أي معيل وتنتظر السلة الإغاثية التي تقدمها لها المنظمات الإنسانية وسط ظروف معيشية صعبة.
أسباب كثيرة تدفع الفتيات السوريات للقبول بمثل هذه الزيجات، أهمها الفقر والأوضاع المادية والمعيشية الصعبة، مما يدفع الأهل لإجبار بناتهم على الزواج، فضلاً عن زيادة عدد النساء الأرامل ورغبتهن بالزواج نتيجة النظرة الدونية التي ينظرها المجتمع للأرملة أو المطلقة، وهو مادفع بعض الناشطات/ ون والصحفيات/ ون والحقوقيات/ ون لإطلاق حملات عديدة تهدف إلى توعية المجتمع عامة، والنساء خاصة، بمخاطر هذه الظاهرة والآثار السلبية الناجمة عن إنتشارها، ومنها حملة “مين زوجك؟”، والتي نشرت خلود تعريفاً لها على صفحتها في فيس بوك جاء فيه: “زواج السوريات من مهاجرين متطرفين ظاهرة انتشرت مع دخول التنظيمات المتطرفة لسوريا، وارتفعت نسبتها مع سيطرة هذه التنظيمات على مناطق مختلفة وواسعة من سوريا. هذه الظاهرة غير الصحية مجتمعياً وأخلاقياً وحتى دينياً، والطارئة على حياة المجتمع السوري، تنتج عنها سلبيات آنية ومستقبلية على صعيد المرأة والأسرة والمجتمع”.
ولا يقتصر الزواج من المهاجرين على قبول الفتاة وأهلها، فقد لجأوا إلى إجبار الكثير من الأهالي على تزويجهم بناتهم وقاموا بتهديدهم بالأمنيات، حيث كانوا يدخلون منزلاً عُرف عنه وجود فتيات فيه، ويقومون باختيار من يرغبون من تلك الفتيات رغماً عن أنف الأهل، لتختفين أحياناً في مناطق بعيدة عن أهاليهن وتبدأ بعدها رحلة الضياع مع أطفال عديمي النسب والسند. والكثير من تلك الفتيات لم يعدن إلى بيت الأهالي، الذين فقدوا الاتصال بهن حتى اللحظة.
وينوه المحامي خالد الرحمون (38عاماً)، إلى خطورة هذه الظاهرة، الظالمة والمجحفة، خصوصاً بحق الأطفال، فيقول: “هذه الزيجات خطرة جداً على الأطفال حيث تجردهم حكماً وقانوناً من حقوقهم المدنية السورية، ومن أهم هذه الحقوق، الهوية والتعليم بالإضافة للحماية والرعاية الصحية وغيرها الكثير من الحقوق التي تحفظ مستقبلهم وكرامتهم”، موضحأً أنه: “لايجوز للمرأة شرعاً الموافقة على الزواج ممن يخفي اسمه ونسبه لما يتبع ذلك من أضرار ومفاسد شرعية واجتماعية، ولمخالفته مقاصد الشريعة الأسلامية”. معتبراً أن: “عقد الزواج من مهاجر يخفي اسمه ونسبه الحقيقي باطل كونه خل بشرطين أساسيين للزواج في الدين الإسلامي”.
من جهتها تحذر المرشدة الإجتماعية والنفسية رغداء الحسين(36عاماً) من سلبيات هذه الظاهرة بالقول: “من أهم النتائج السلبية لهذا الزواج هو تدهور الوضع النفسي والصحي والعائلي للأطفال والنساء المتزوجات من المهاجرين، وخاصة بعد ترك قسم كبير منهم لزوجاتهم وعوائلهم إما بعودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو انتقالهم مع تنظيماتهم الى مناطق جديدة دون اصطحاب عوائلهم معهم، وهو ماينعكس سلباً على حياة النساء اللواتي رحن يواجهن مصاعب الحياة لتأمين لقمة العيش”.
في النهاية نتمنى على الجهات المختصة الاهتمام بهذه الظاهرة الخطيرة، التي ستخلف الكثير من الأطفال معدومي النسب، فيتم العمل على تسجيلهم على أسماء امهاتهم والحصول على الجنسية السورية لحل المشكلة، مما سيجعلهم يعيشون حياة طبيعية من تعليم وهوية وصحة وعمل وغيره.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”