ريف إدلب: هاديا منصور
لم تتوقف روعة الحسين (٣٠عاماً) عن عملها رغم توقف مركز تمكين المرأة الذي كانت تعمل به في مدينة إدلب قبل إغلاقه بسبب الخوف من تفشي جائحة كورونا في المحرر، بل آثرت الإستمرار حتى لو كان ذلك في المنزل.
روعة أم لأربعة أطفال، تحاول منذ توفي زوجها أواخر ٢٠١٨ القيام بمسؤولية الإعالة والاهتمام بأبنائها قدر المستطاع حتى لاتضطرها الحاجة في زمن الحرب والغلاء والفقر لمد يد العون وطلب المساعدة من أحد.
فقد فقدت الكثير من الأسر السورية معيلها في الحرب سواءً بالقتل أو الخطف أو الإعتقال، وهو ماجعل عبء الإنفاق يقع على عاتق النساء اللواتي بدأن يواجهن صعوبات كبيرة في ميدان العمل استطعن تجاوزها بشجاعة، حتى مع ظهور كورونا التي لم تؤثر على صحة البشر فحسب وإنما تجاوزت آثارها الإصابة الرئوية لتشكل موجة من المتغيرات والتحديات الاجتماعية والاقتصادية.
تقول روعة شارحة طبيعة عملها لشبكة المرأة السورية: “أقوم بتدريب النساء على فنون الخياطة وابتكار الموديلات الحديثة في مركز خاص بتمكين المرأة، وأتقاضى من خلال عملي أجراً أستطيع من خلاله تغطية نفقات أولادي إلى حد ما، ولأن المركز أغلق مؤخراً مع معظم القطاعات الخدمية والتعليمية في المنطقة خوفاً من انتشار كورونا انتقلت للعمل في المنزل، فأنا لا أستطيع التوقف عن العمل لأنني المعيلة الوحيدة لعائلتي”. وتضيف بأنها بدأت بتصميم الملابس وخياطتها في المنزل على مكنتها المتواضعة لتقوم ببيع ماتصنعه لاحقاً لزبائنها من النساء اللواتي رحن يقصدنها في بيتها لشراء ماتصنعه، وماشجعهن على الإقبال لشراء (فساتين الحسين) بسبب “تميزها بجودتها وجمالها وانخفاض سعرها قياساً بمنتجات المحال التجارية”، وفق تعبيرها.
إن كانت روعة الحسين نجحت في إدارة الأزمة من منزلها فغيرها من النساء لم يستطعن ذلك وواجهن الكثير من المشكلات مع عدم وجود أي حرفة أو وظيفة بديلة.
فأحلام البكور (٣٢ عاماً) تعمل موظفة ضمن مديرية الإغاثة في إدلب وهي اليوم عاطلة عن العمل بعد أن أغلقت المديرية أبوابها بسبب الازدحام والخوف من كورونا، وباتت تعمل على نطاق ضيق بعد أن صرفت معظم موظفيها.
تشكو أحلام مابات عليه حالها بالقول: “لقد عززت الجائحة أشكال عدم المساواة القائمة بين من يستطعن العمل في المنزل ولديهن مهن وتأمينات وبين أمثالنا ممن لا يمتلكن تلك الرفاهية”، مشيرة إلى عدم تلقيها أي دعم منذ أغلقت المديرية أبوابها منذ أكثر من شهرين، وهو ما جعلها تعاني ضائقة مالية كونها المعيلة الوحيدة لأسرتها بعد إصابة زوجها في القصف على مدينته سراقب منذ عامين مضيت: “لا شك أن الأمر سيكون صعباً للغاية إن استمر إغلاق المؤسسات لفترة أطول من ذلك، فمعظمنا هنا نعتاش من عملنا اليومي لارواتب ثابتة ولا دعم مادي في وقت الأزمات”، تقول أحلام.
من جهتها ترى المعلمة رائدة النحاس (٢٥عاماً) من بلدة أريحا أن توقفها عن التدريس بعد إغلاق المدارس لا يعني منعها من القيام بأعمال أخرى وإن كانت فقط معنوية، فقد انخرطت في الأعمال التطوعية مع فرق تقوم بتقديم شتى أنواع التوعية ضد فيروس كورونا من خلال المحاضرات والندوات والبروشورات. تقول رائدة في حديثها لشبكة المرأة السورية: “لم أعش أوبئة في حياتي، ولم أعلم من قبل كيف تتصرف الناس في هذا الواقع الجديد المؤقت ربما، هناك تعليمات أساسية للحذر وأخرى مفادها المحاولة قدر الإمكان للوقاية من الفيروس وعدم نقله للأخرين في حال الإصابة”.
تحاول رائدة المساهمة قدر الإمكان في التوعية المجتمعية ضد الفيروس، الذي إن انتشر في الشمال المحرر فسوف تحل “كارثة حقيقية” مع الازدحام الشديد وقلة الخدمات الطبية المقدمة.
لم يكن طريق العمل أمام النساء السوريات سهلاً ولم يخل العمل على اختلاف أنواعه وأماكنه من الاستغلال، ذاك الاستغلال الذي يدفع المرأة للعمل بأجر قليل بسبب حاجتها وقلة فرص العمل تماشياً مع الحرب الدائرة على المنطقة وما جلبته من ظروف غاية في السوء، فضلاً عن اضطرارها لترك أبنائها وحدهم ولأوقات طويلة وانشغالها بالعمل عن رعايتهم والاهتمام بهم.
أم جابر (٤٠ عاماً) تضطر للخروج منذ الصباح الباكر للعمل في إحدى الورشات الزراعية مقابل مبلغ لايتجاوز الثلاثة دولارات يومياً، تقول عن عملها: “هو متعب للغاية ولكن لا يوجد بديل، وخاصة أنني لا أملك أي شهادة أو حتى خبرة أو مهنة، في الوقت الذي أنا فيه بحاجة للعمل بعد وفاة زوجي لإعالة أبنائي”.
الباحثة الاجتماعية هدى المصطفى (٥٦عاماً) تتحدث لشبكة المرأة السورية عن واقع المرأة السورية بعد الحرب بالقول بأن فترات الصراع غالباً ما يتأثر بها المجتمع ككل نتيجة الخطر الناجم عن التغيرات في الظروف الإجتماعية والاقتصادية والتي يمكن أن تتجسد بصعوبات تأمين الخدمات الأساسية إضافة إلى بيئة غير آمنة وأحوال معيشية سيئة، مؤكدةً بأن النساء هن: “الأكثر عرضة للخطر بسبب غياب الرقيب المتمثل بالسلطات المحلية التي قد تحمي حقوق المرأة وهو ما حدث تماماً في سوريا، فنتيجة للصراع الدائر كانت المرأة السورية أكبر الضحايا”.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة فقد وصل عدد السوريين تحت خط الفقر عام ٢٠١٥ إلى ٥,١٣ مليون شخص بينهم مايقارب ٥ مليون إمرأة.
رغم سنوات الحرب والفقر والنزوح والفقدان، ورغم كل مايعصف بالمنطقة من أوبئة ومتغيرات إقتصادية و إجتماعية، لازالت المرأة السورية تثبت قوة وصموداً بوجه كل التحديات والعوائق التي تحول دون عيشها حياة كريمة لها ولعائلتها.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”