بقلم: كارولين تاستاد
ترجمة وإعداد: قمر عبد الحكيم
إن عالماً تسوده المساواة هو عالم أفضل للجميع. فكلما انتشرت المساواة، كلما أصبحت العلاقات الاجتماعية صحية أكثر، مما يؤثر على علاقات العمل فتصبح أقوى، فيتحسن الاقتصاد، وبالتالي فإن العالم، بطبيعة الحال، يصبح مكاناً أفضل للجميع.
ولكن النُهُج المتبعة اليوم إزاء المساواة بين الجنسين لا تزال غير فعالة إلى حد كبير. ولا يزال التحيز، الذي غالباً ما يكون في شكل أكاذيب متداولة عن المرأة، متأصلاً ومتوارثاً في أماكن العمل وسياساته المتعلقة بالمرأة وشغلها للمناصب القيادية.
وبالرغم من أن كل الأدلة تشير إلى عكس تلك الأكاذيب، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من أصحاب السلطة – خاصة أولئك الذين يؤمنون بخرافات مثل أن النساء غير طموحات وغير جديرات بالثقة ولابد لهن من تولي الأمور المنزلية فحسب- يتملصون من أدوارهم العليا. ولا يزال أيضاً هناك عدد لا حصر له من كبار القادة في منظماتنا -رجال ونساء- ومديري الموارد البشرية، والمستشارين الخارجيين، بل وحتى المدافعين عن المساواة بين الجنسين، يعملون على تعزيز هذه المفاهيم البالية التي عفا عنها الزمن.
لا يقتصر الأمر على عدم صدق هذه الخرافات المتداولة فحسب، بل إنها أيضاً السبب الرئيس الذي يجعلنا نركز على إصلاح النساء بدلاً من التركيز على إصلاح الأنظمة والمعايير، بالرغم من أن تلك الأنظمة والمعايير هي التي تعمل على إدامة الفجوة العالمية بين الجنسين، فتستمر محاولاتنا للمساواة بين الجنسين، ولكن باعتبارها قضية نسائية فقط!
ماذا لو اعترفنا لأنفسنا بضرورة إصلاح القوالب النمطية الجنسانية، لا بإصلاح النساء؟
هذه التحول الجذري في العقلية من شأنه أن يغير كل شيء. فمثلاً، تتبع شركة “بروكتر آند غامبل” نهجاً مفاده أن المساواة بين الجنسين يُشبه إلى حد كبير فرصة عمل، وبالفعل، فإن التفكير في الأمر على هذا النحو قد غير مسار عمل وتمثيل ونتائج الشركة تغيراً جذرياً.
يعتقد معظم قادة الشركات وصناع القرار أنهم بالفعل يناصرون قضية المساواة بين الجنسين. ولكن التحيز ــ سواء في الوعي أو اللاواعي- دائماً ما يعترض الطريق! ونتيجة ذلك فهناك دائماً نقاط خفية. فعلى سبيل المثال، يرى القادة وصناع القرار فقط جزءًا من الصورة، وليست الصورة كاملة. وهذا الأمر من شأنه أن يحد من الطريقة التي نتصرف بها ومن ردود أفعالنا ومعتقداتنا.. الخ. أي أنه يفرض حدوداً على تفاعلاتنا بشكل عام!
في حالة المساواة بين الجنسين، نحتاج إلى التدقيق في تلك النقاط الخفية الخاصة بنا، حتى نتمكن من رؤية الصورة كاملة، فتلك هي الطريقة الوحيدة التي سنتوقف بها عن التراجع، ونبدأ في إحراز تقدماً ملحوظاً.
فلنأخذ سياسات مكان العمل كمثال، فقد اتخذت شركات كثيرة خطوات ملحوظة في تحسين إجازة الأمومة، ومع ذلك، فإن الفجوة الموجودة بين الجنسين في مكان العمل تستمر في التزايد. لماذا؟ لأن إجازة الأمومة نفسها تُعتبر نقطة تحول وظيفي تؤثر بشكل خاص على المرأة وحدها.
إذاً، ماذا لو طورت أماكن العمل سياسات وبرامج تدعم النساء كأمهات والرجال أيضاً كآباء، فتمنحهما إجازات أمومة وأبوة كافية ومدفوعة الأجر؟ فعندما يمر المزيد من الرجال بتجربة السعي للحصول على إجازة -أي الحصول على موافقة المدير ووضع خطط للتغطية أثناء الغياب وخطط أخرى للعودة إلى العمل بعد الإنجاب- سوف يتحسن خط سير عمل الشركة لصالح الجميع، وسيصبح المديرين أكثر تعاطفًا مع احتياجات الآباء الذين ينتظرون مولودا جديداً.
تأتي بعد ذلك قضية المساواة في الأجور. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قامت عدة شركات كبرى بتحديد وإصلاح فجوات التفاوت في الأجور بين الرجال والنساء الذين يشغلون نفس المناصب. وقد يحاجج البعض فيما إذا كانت محاولة إصلاح مشكلة -لم يكن ينبغي لها أن تُوجد في الأساس- أمراً يستحق الاحتفال، ولكن بغض النظر، فهذه ليست سوى الخطوة الأولى. فماذا لو جعلت الشركات الكبرى الأجر العادل هو المعيار الأدنى، وأن الأولوية تكون لتحقيق المساواة في الدخل بدلاً من مجرد الاكتفاء بالرضا عن دورهم في حل مشكلة التفاوت في الأجور؟
يصف كِتاب “تقرير الفجوة بين الجنسين العالمية” الفرق بين فجوة التفاوت في الأجور وفجوة التفاوت في الدخل، موضحاً أن تفاوت الأجور هو التفاوت في مرتبات كلا من الرجال والنساء الذين يشغلون نفس المناصب. وهذا التفاوت يمكن تداركه بسهولة في المنظمات التي تلتزم بالأجر العادل. أما التفاوت في الدخل فهو التفاوت في إجمالي الأجور الذي يحصل عليه كلا من الرجال والنساء. فعلى سبيل المثال، تحدث فجوة التفاوت في الدخل عندما تكون أغلبية المناصب العليا في المنظمات من نصيب الرجال. والسبيل الوحيد للتصدي لهذا الأمر هو تحقيق التساوي في توزيع الأدوار بنسبة 50/50 في كل مستويات المنظمة، بما في ذلك المناصب العليا.
وبينما يحاول قادة العالم جاهدين استيعاب الحقائق الصارخة التي أقرها كتاب “تقرير الفجوة بين الجنسين العالمية”، علينا نحن أن ننظر داخل منظماتنا الخاصة، ليرى كل فرد وكل مدير تنفيذي وكل قائد نقاطه الخفية، ويتبني مجموعة أوسع من الخطوات المطلوبة لسد الفجوة بين الجنسين.
حان الآن وقت الاعتراف بأن التفاوت بين الجنسين هو الذي يحتاج للإصلاح وليس النساء أنفسهن. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو بديهيًا، إلا أن التخلص من التركيز على النساء يتيح لنا البحث عن الحلول على نطاق أوسع واتباع نَهجاً شاملاً. فعندما نستكشف نقاطنا الخفية ونقضي عليها، تظهر صورة الأنظمة والمعايير والثقافات والتحيزات بشكل أوضح، وبالتالي يمكننا تداركها ومعالجتها حتى يُتاح لأماكن العمل، بل وللعالم أجمع، أن يرى بزوغ فجر المساواة.
خاص بـ”شبكة المرأة السورية”
المصدر:
https://www.weforum.org/agenda/2020/01/gender-gap-equality-income-wages-solution