رهادة عبدووش
تترجى منال -أم لأربعة أطفال أكبرهم في الرابعة عشر من عمره- القاضي في المحكمة الشرعية ليزيد لها مبلغ النفقة علّها تستطيع تأمين نفقات المأكل والطبابة، فإثنين وثلاثين ألف ليرة (32 دولار) لم تعد تكفي المواصلات لمدارس الأطفال مع المأكل والطبابة مع إضافة راتبها الذي تتقاضاه من مؤسسة المياه التي تعمل فيها منذ عشرين عاماً،(48 ألف ليرة سورية )، أما القاضي لا حيلة له فالأوراق التي أمامه تثبت أن الزوج موظف عادي في الدولة وراتبه لا يتجاوز الخمسين ألف فكيف سيقتص منه أكثر من المحدد بالقانون، وهو ثمانية آلاف عن الطفل الواحد (ما يعادل ثمانية دولارات حالياً) أما الحقيقة تخبره بها السيدة باكية بأنه يعمل بأكثر من مكان ويتقاضى مبالغاً تكفي خمسة أسر لكن لا يوجد أي إثبات على عمله ولا أحد يشهد بذلك.
وهذه حالة ثانية مؤسفة، تعود لهدى التي تقدم أمام رئيس المحكمة الروحية ثبوتيات تؤكد أن لزوجها سيارة أجرة ويستثمر في محلين تجاريين كانت تعمل معه بهما وشاركت في تكاليف إنشائهما، لكن هذه الثبوتيات مجرّد صور على الموبايل وشهادة بعض الجيران لا تفيد بشيئ ، فالحقيقة أنه سجّل ملكية سيارته باسم أحد أخوته ليتهرب من نفقة ابنتيه اللتين لا زالتا في سنوات الدراسة، الأمر الذي أجبر الأم أن تعمل بالبيوت، تريني يديها باكية وهي تقول :”لم يكن شكلي هكذا أبداً لكني مدفوعة بالحفاظ على ابنتي كي لا أدع حجة لوالدهما بانتزاعهما مني”.
أقرت محكمة البداية النفقة الزهيدة (ستة عشر ألف ليرة سورية) لكلا الفتاتين دون تنفيذ لأنّ الوالد استأنف القرار، وبعد قرار محكمة الاستئناف بتنفيذ قرار محكمة البداية واستخراج مذكّرة شرطية بحقه استطاع التهرب من الشرطة كونه شرطي سابق وله معارف كثيرة في هذا السلك.
قال لي بالحرف الواحد: “لتأت تعمل عندي خادمة وسأعطيها نفقة لها ولبناتها” لكنه كان يتفنن بإعادتها للبيت حتى تقوم بتنظيفه ثم يعاود طردها.
كثير من النساء الأمهات بسبب الوضع المادي الصعب يضطررن لامتهان أكثر من مهنة لتأمين تكلفة البيت والأطفال في حضانتهن، وكثير من الرجال يستخدمن النفقة كورقة ضغط لتعود المرأة تحت ظلّهم، أو أهل الزوجة الذين يشترطون عدم وجود الأطفال مع ابنتهم بعد طلاقها.
لتصبح نفقة الأطفال وحضانتهم وهي -حق للأطفال- عبء على الأم التي تفني جسدها أو تعضّ على جرحها كي تستمر مع زوج لا تريده، أو تتخلّى عن حضانتها لأولادها لصالح الأب.
صندوق النفقة حلم خارج عن التطبيق
منذ أكثر من عشرة أعوام طرح الاتحاد العام النسائي أمام مختصين من وزارة العدل ووزارة الأوقاف وبعض أعضاء مجلس الشعب وممثلين عن الجمعيات والمؤسسات الأهلية مشروع يتعلق بصندوق النفقة وسكن الأم الحاضن، بحيث يتم تسهيل الحصول على المبالغ اللازمة لاستمرار الحياة ريثما ينفذ الحكم القضائي وبشروط هي: ألا تكون نفقة الطفل نفقة الكفاية بل حسب يسر وعسر الزوج، وأن يشرف على هذا الصندوق رئيس المحاكم الشرعية وقاضي شرعي ومندوبين في وزارات العدل والمالية والشؤون الاجتماعي والأوقاف وممثل عن الاتحاد النسائي، وليس على المحكوم له إلا أن يتقدم بطلب للاستفادة من الصندوق مع نسخة مصدقة عن الحكم المبرم ومحضر من دائرة التنفيذ وصورة عن دفتر العائلة اضافة الى نخسة من حكم الحضانة إذا كان الحاضن غير الوالدين وسيكون البت في هذا الطلب ضمن مدة لا تتجاوز 15 يوماً من تاريخ تقديمه. وأن تكون لهذا الصندوق ميزانية مستقلة فممكن أن تكون موارده ذاتية من غرامات التحصيل والاستثمارات أو من موارد عامة كالهبات وموازنة الدولة وتبرز أهميته المحتملة لو أنه تحقق بعدّة أمور وهي: 1- إمكانية تشغيل أموال المرأة المطلقة في المشاريع والاستثمارات للصندوق على أن تضع أموالها على شكل أسهم.
2- تأمين عمل للمرأة المطلقة في مشاريع الصندوق.
3- إمكانية منح قروض للمرأة المطلقة يقدرها مجلس الإدارة.
4- تأمين عمل لأبناء المرأة المطلقة بعد بلوغهم السن القانوني.
طبعاً كل تلك الطروحات بقيت حبراً على ورق مجرّد ورشات وندوات وتكاليف على حساب المواطنين، مع أنه ليس مشروعاً خلبياً ومن البساطة تنفيذه وهو يدرّ أرباحاً على الدولة أيضاً وليس فقط الأسرة التي تنفق على الطفل، لكن في ظل محاكم شرعية وروحية ومذهبية لا يمكن الحديث عن مساواة وعدالة، فالنفقة التي نريدها ليست على الرجل وحده بل على المرأة والرجل لكن يجب على الدولة أن تتكفّل بذلك لتحمي هذا الطفل وتؤمن له بيتاً يعيش فيه مع حاضنه أياً كان، وأن تكون تلك النفقة على كاهل الدولة ومنها مع اشتراك من الأب والأم.
وهو يحمي إنسانية تلك المرأة أولاً وحقوقها كمواطنة ثانياً فلا تضطرّ للوقوف مستجديةً أمام أبواب المحاكم أو المخافر لتطالب بنفقة لأولادها وتعيش بعوز وفقر حيث أنها لن تستطيع الإنفصال عن أمومتها وحاجة أبنائها لها، وللمحكمة المدنية (الحلم) القرار بأيهما الأحق بالمحضون، وما هذا الحلم إلا تطبيق لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في مادتها ال 16 التي تهتم ب« جميع أنواع التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المختصة بالزواج وتكوين أسرة». … «وتكفل لهم نفس الحقوق والواجبات أثناء الزواج أيضًا إذ قررا الانفصال»، «ولهم نفس الحقوق والواجبات في كونهم والدي الأطفال».
فلا يمكن تنفيذ الاتفاقيات الدولية المطالبة بالمساواة ولا يمكن تطبيق القرار 1325 بمشاركة المرأة في صنع السلام إن كانت مهزومة من القانون والمجتمع.
ورغم أن صدور هذا القرار شكل انتصاراً للنساء في العالم لكنه انتصار غير مكتمل بل ومنقوص، خاصة للنساء في مناطق النزاع و الحروب ولا سيما السوريات، ولا نزال بحاجة لصناعة قوانين خاصة بالنساء وعلى أيديهن من خلال زيادة تمثيل النساء في عمليات حل الصراع وإدارتها، وإشراكها بالمؤسسات الوطنية، لا سيما القانونية والحقوقية.
لتدارك هذا الخلل في القانون السوري الذي يضع واجب النفقة على الرجل ليسحب مقابلها جميع الحقوق من المرأة أو الأم. لن نفترض أن جميع الرجال سيؤون ولكن الخلل في القانون وفي عدم السماح للمرأة بتطوير نفسها وإيجاد فرص عمل كريمة قبل زواجها و في أثنائه، ربما يدفعها يوماً لعمل كخادمة في حالات العوز فالمشكلة أكبر من زوجين غير متعاونين.
وبانتظار الفرج تستمر كلاً من هدى ومنال بالمناوبة أمام المحاكم والمخافر لتنفيذ الأحكام والمطالبة الدائمة بزيادة النفقة والبحث عن ثبوتيات لتشغلا بالهما في أمور يجب أن تكون من بديهيات الحق، فهل الورد الأحمر يكفي في عيدهما.