سلمى مصطفى
ألقت الأزمة المالية – الاقتصادية في لبنان في النصف الثاني من العام2019 بظلالها على أحوال وحيوات اللاجئات واللاجئين السوريين في لبنان، بكل ثقلها، وتنوعت آثارها الصعبة بتضاؤل فرص العمل التي كان يشغلها السوريين في مختلف المرافق الخدمية والعقارية والسياحية والزراعية، بدوافع تخفيض العمالة الأجنبية ومنها السورية، التي قادتها وزارة العمل، أوفي العمل بنصف الراتب/ الأجر اليومي، أو الشهري في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ال2019، مع عزوف الكثيرين عن تسديد آجار السكن الشهري لأشهر عديدة بالإضافة إلى عزوف الكثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم للمدارس بسبب ارتقاع أقساطها، أو بسبب حاجة الأهل لتشغيل أولادهم وسوقهم إلى سوق العمل تحت السن القانونية، وانعكس الأمر كذلك في تخفيض شراء السلع والمواد الضرورية للعائلات، بسبب الغلاء والعيش ضمن إجراءات تقشفية اعتمدتها كل أسرة سورية بغية تقطيع الظرف الصعب الذي يشهده لبنان في سياق ارتفاع سعر الدولار المضطرب صعوداً، وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية وانعكاس ذلك على أسعار أغلب المواد الضرورية، أو من ناحية الانكماش الاقتصادي لجهة توقف الكثير من الفعاليات الاقتصادية عن العمل بانتظار ما ستؤول إليه مجريات الوضع السياسي الناشب الذي طرأ بعد ثورة 17تشرين الأول، والمآزق الحكومية قبل وأثناء تشكيلها وانتزاع الثقة البرلمانية على برنامجها الوزاري الذي لن تكون انعكاساته سريعاً على الوضع الاقتصادي لجهة تحسن الاقتصاد اللبناني وإخراجه من غرفة الإنعاش بتسييل ماكينات الدعم الدولي والمؤسسي التي تنتظر استقراراً سياسياً وحكومياَ كي توافق بموجبه على تقديم القروض وفق الشروط التي تراها الصناديق والبنوك الدولية ذات الصلة.
لم تكن بيئة اللاجئين السوريين في لبنان على وفاق مع الظروف المحيطة بهم قبل انطلاقة الثورة من ناحية وتفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً من ناحيةٍ أخرى، حيث كان ملف اللجوء – ولايزال- موضع استقطاب حاد داخل الطبقة السياسية الحاكمة، بين معارض لديمومة بقاء ملف النزوح على هذه الحال من الاستنزاف الاقتصادي، فضلاً عن التبعات الأمنية، وضرورة ضبطه بتأمين المعابر الحدودية، وتنظيم العودة الآمنة إلى سورية، ولو بالتنسيق مع النظام وأجهزته الحكومية، “شهد العام الماضي عودة مئات اللاجئين، بإشراف الأمن العام اللبناني” وبين معارض لعودة اللاجئين إلى سورية بانتظار الحل السياسي العتيد. يرى الفريق الأول أن إقامة اللاجئين الطويلة الأمد تجعل من التوطين أمراً واقعاً، مع استمرار الضغوط الدولية على الحكومة اللبنانية بهدف تبيئة التوطين، كأمر واقع وهو ما ترمي إليه الولايات المتحدة ضمن منظور أوسع في نطاق “صفقة القرن” ومصير الفلسطينيين في لبنان، ولكنه يخل بالكثير من التوازنات الديموغرافية وأبعادها السياسية.
رغم العديد من التأكيدات الصادرة عن الأمم المتحدة بأن دمج اللاجئين السوريين في لبنان ليس خيارا مطروحاً وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها، وبأنه لا يوجد جدول أعمال خفي للمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، فإن دول الاتحاد الأوربي مع الولايات المتحدة تحاول فرض التوطين في لبنان وتعزله عن أي تطور لسبل الحل السياسي المنشود في سورية، لكنها لا توفر شروطاً للتوطين في بلدانها، وفق المعايير الدولية والإنسانية التي سبق أن أقدمت عليها في فترات سابقة ثم عدلت عن تنفيذها وجعلت التوطين في بلد ثالث “بالقطارة”.
ترافق كل ذلك مع انخفاض الدعم الدولي المقدم للاجئين السوريين بنحو80%، وفي تراجع مريع لالتزامات تلك الدول عينها في تقديم الدعم المطلوب.
خذلان بالجملة.. وتنصل من المسؤولية:
من جهتها أعربت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء تدهور أوضاع اللاجئين في لبنان، وترافق ذلك مع احتجاجات اللاجئين السوريين أمام مكاتب المفوضية، ورغم الإحساس والتفهم العميق من ميراي جيرار ممثلة المفوضية لحركة الاحتجاج من انعكاس تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، إلا أنها رمت الكرة في مرمى المحتجين الذين يتأثرون بالمعلومات المضللة التي يتم تداولها بين بعض المتظاهرين والتي تدفع بهم إلى الاعتقاد بأن تعريض أنفسهم للبرد والمطر أو الاحتجاز سيسهل عملية إعادة توطينهم في بلد ثالث.. هكذا “حرفيا” وهو تناول سطحي للأسف عكس ما تدعيه ممثلة المفوضية من تفهم عميق وإحساس بالمعاناة لأن مطالب المتظاهرين تركزت على ضرورة نيل المستحقات المخصصة للاجئين من الإعانات وتوفير ظروف عمل بالحدود الممكنة، وطلب إعادة “السلة الغذائية” التي تم سحبها من آلاف العائلات، أو تقنينها للحدود الدنيا من الدعم*، هذه السياسة التي تدار من قبل “نخبة مغلقة” في متابعة ملف اللاجئين السوريين ضمن المفوضية( السامية) لشؤون اللاجئين.
إن تلك الحركة الاحتجاجية المطلبية لوقف تدهور أوضاع اللاجئين، يحفز في غياب حلول عملية وسريعة، لمشاكلهم، إلى التفكير والعمل على إيجاد بدائل من ضمنها إعادة توطينهم في بلد ثالث، وفق التفاهمات المرعية بين المفوضية ودول الاتحاد الأوربي، وعلى هذا النحو لم يكن الاحتجاج بمثابة استغلال للظروف بغرض إثارة هدف التوطين في أوربة(أوالبلد الثالث) على مشروعية هذا المطلب.
وفق المعلومات فإن1% من مجموع ال26 مليون لاجئ في العالم يعاد توطينهم في دول ثالثة كل عام. يدعي مسؤولو المفوضية في لبنان أن عدد اللاجئين الذين أعيد توطينهم من لبنان في السنوات الأخيرة قد ظل ثابتا، وذلك بفضل جهود المناصرة الحثيثة ودعم البلدان ” الثالثة”.
خاتمة: بالإضافة إلى عدول المجتمع الدولي عن فتح التوطين في أوربة بعد تخمة اللاجئين والميل لتقنين الهجرة إلى هناك.
تبدو أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان سيئة للغاية. كل الخيارات مظلمة وصعبة. بقاؤهم في لبنان وأزماته العصية على الحل بالمدى المنظور، يزيد من المخاطر المحدقة بهم بما فيها نار ” العنصرية” الكامنة الآن. العودة الآمنة إلى سورية صعبة لكثير من حالات الأسر، على تنوع الأسباب: خدمة العلم، المطلوبين للأمن، استمرار سوء الوضع المعاشي والأمني في سورية، ويبقى السؤال الصعب، أين المفر فلا البقاء ممكن ولا الرحيل آمن؟
*تعترف المسؤولة بالتحديات التي يواجهها اللاجئون بشكل يومي، وأن خطة لبنان للاستجابة للأزمة لم تتلق سوى50% من الأموال التي تحتاج إليها المنظمة من أجل تنفيذ أنشطتها وبرامجها في لبنان خلال العام الماضي