Search
Close this search box.

لا للحرب الأهلية واحد، واحد، واحد الشعب اللبناني واحد

لا للحرب الأهلية واحد، واحد، واحد الشعب اللبناني واحد

غالية الريش

*صوت المرأة اللبنانية صوت الوطن كله

في بلد يسكنه الانقسام الطائفي العميق، وبتواريخ من حروب أهلية، كان أطولها وأعنفها الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)  يغدو الحديث عن “وحدة وطنية” مدعاة للتفكروالشك، وضربا من “فولكلور” واستعراض رغبات وتمنيات  جمعية حالمة، في ظل نظام وسلطة محاصصة طائفية، لاتنظر إلى ثروات البلد إلا كمغانم، وإلى ناسه، كرعايا وأتباع وأزلام،مما يحتاج لممارسات ومبادرات اجتماعية وسياسية جديدة على أسس وعي وإدراك عميق كرسته في أكثر من مناسبة وموقع قوى الثورة الشعبية، والمجتمع المدني الحي، بعيدا عن منظماته وأدواره المشبوهة، في سياق الثورة اللبنانية الشعبية التي انطلقت شراراتها في 17أوكتوبر 2019

ما قصدناه قوى المجتمع المدني الحي هو هبَّة النساء والصبايا في عين الرمانة والشياح اللواتي رفضن العودة إلى زمن الحرب ورفعن شعاراتهن المسبوكة بالدم والألم والفقد.

 في مواجهة حراك ثوري يعم لبنان، ولايزال ثمة حراك مضاد تقوده أحزاب مناوئة للثورة، أخافَها ماتحمله تلك الثورة من روح الوحدة الحقيقية بين مكونات الشعب اللبناني الاجتماعية والسياسية، ومايهدد مصالحها المتجذرة في فساد ممارسة السلطة، وتجاوز القانون، ونهب المال العام، شأن قيامة أي ثورة ترتعد منها فرائص الفاسدين والمستبدين.

استعر حراك هذه القوى على خطوط تماس  الحرب الأهلية – ماجرى في 27 تشرين الثاني2019 – مهدداً كل مقومات السّلم الأهلي ويعرضها للهشاشة فوق هشاشتها واستنفار العصبيات الطائفية من جديد، في لعبة قوى سلطة أدمنت إدارة الصراعات والأزمات والمحاصصة وتقاسم “الكعكة”.

هذا التلويح المكاني ليس بريئاً من قوى الثورة المضادة، وكأنًما تعمل على تذكيرنا بفظائع الأمور في حال المسّ بأمراء الحرب والطوائف ومصالحهم الأنانية.

على خلفية هذا التحرك المضاد، تحركت مئات النساء اللبنانيات،- كما أشرنا- على خطوط التماس القديمة التي شهدتها سنوات الحرب الاهلية المشؤومة، في منطقتي عين الرمانة والشياح والتي شهدت خلالها بدايات الحرب الأهلية وحرب السنتين( 1975-1976)، في مروحة أجيال قديمة ومستجدة، فعلاً من كل الأجيال، حضرت تلك النسوة،  بدءاً من جيل الحرب التي عاشت ويلاتها سيدات كنّ في سن الشباب فيها آنذاك، وصبايا بأعمار غضة ولدن بعد الحرب، ويعشن آثارها الرهيبة  في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، فيما يستحق تسميتها بمرحلة مابعد الحرب، لأنها كانت- ولاتزال – استمرارا لسيرورة الحرب الأهلية، والتي لم تشهد سلاماً اجتماعياً وأهلياً حقيقياً، وصبايا نزلن لأول مرة يلتقين مواطنات لهن شريكات في الوطن،تجربة فريدة من نوعها – كما عبرت المشاركة حنين ربّاح – لاتطرح هماً قطاعياً، أو جندريا، بل قضية وطنية بإمتياز تمس كل شرائح المجتمع اللبناني، في عنوان عريض وحاسم: السلم الأهلي وضرورة العيش معاً.

مسيرة هؤلاء النسوة، كما في انتفاضتهن أكدت أن النساء  لن يستسلمن للأدوار الاجتماعية المفروضة عليهن. تلك الأدوار التي عززت سلبية الكثير من السيدات والفتيات، واللواتي

تبين من خلال مشاركتهن لهذا الفعل الاحتجاجي والوحدوي والمتجاوز لكل شقوق الانقسام الديني والطائفي، مدى مخزون قدرتهن على تقرير مصائر البلد والشعب نحوالسلم الأهلي وتعزيز الاندماج الاجتماعي وتجاوز الانقسام الطائفي البغيض.

كسر الصورة النمطية:

جاءت مسيرة عين الرمان – الشياح وما تلاها من مسيرات نسائية لاحقة  لأمهات وصبايا الجيل الجديد، لاتقل عنها حيوية وزخماً، لتكسر الكثير من الصور النمطية التي شكلها كل فريق عن الآخر وأن ثمة مشتركات جوهرية تجمع كل مكونات المجتمع اللبناني بغض النظر عن التباينات البيئية التي تعززها قيم دينية ومناطقية، والتي عوضاً عن أن تشكل عائقا أمام تفاعل الوسطين الاجتماعيين يمكن ان تعزز قواسم العيش والتفاهم، والتي وطدتها موانع انعكست على صعيد العمل والوظائف والسكن، وفي مقدمة هذه العوائق حجاب المراة المسلمة الذي يمنح الفتاة هوية وانتماء وتحديداً مناطقياً وربما حزبياً بعين الطرف الآخر

-بالنظرة السريعة- ليتبين من خلال هذا اللقاء التاريخي الذي نأمل أن يترسخ في الوجدان والممارسة كعمل مؤسسي وتراكم دؤوب  أن حجاب المرأة سواء بالنسبة للمرأة المحجبة أو غير المحجبة لايمكن أن يشكل عائقاً في الانخراط بالنضال الاجتماعي والمطالبة بانتزاع الحقوق المشروعة مطلبياً واجتماعياً وعلى رأسها توفير فرص العمل في كل بيئات العمل دون عوائق أو اعتبار. التغطية الإعلامية عليها لا تعدو سوى نوع من مسايرة تلك الصورة النمطية والعزف على وترها البائس عوض أن تكون مناولة الموضوع من زاوية المواطنية التي لايمكن أن تغطيها صورة نمطية – على غرار الحجاب – والتي يستغرق الإعلام اللبناني وبعض محطاته المتلفزة- مما اصطلح على تسميتها قنوات الثورة-  الذي يتمظهر بليبراليته الإعلامية في تكريس الصورة النمطية واختزالها في معانٍ ضيقة.

كوارث الحرب في هيئة امرأة:

جورجينا كرم نصار واحدة من المشاركات في عناق عين الرمانة- الشياح الذي أطاح بكل الحواجز الوهمية بين المناطق، والتي انتشرت صورتها على كل مواقع التواصل الاجتماعي وقد وشمت على جبينها رسم الصليب، وواضعة على رأسها حجابا إسلاميا لايخفي دلالته الرمزية ورسالتها الوحدوية،

بعد تجربة حياة عاشتها خلال الحرب الأهلية وأهوالها وفقد الأحبة، إذ عايشت وقائع مجزرة حصدت أرواح 76 شخص في مزرعة الشوف،عندما كانت في الخامسة من عمرها، وفي العاشرة قتل رفيقها بالمدرسة، واضطرتها الاشتباكات العنيفة في منطقتها، للهروب إلى عين الرمانة في سن ال11 وفي السنة التي تلتها ماتت أختها قنصا ليلة عيد الميلاد، وفي الخامسة عشرة مات أبوها في الحصار ودفن لاحقاً في مدفن جماعي مع 30 جثة.

هالَ مارأته جورجينا كرم نصارمن خطر يهدد السلم الأهلي قبل يوم على مسيرة النساء، من شباب لم يذوقوا طعم الحرب، ويُشحن بكل بساطة بروح الكراهية، لكل مختلف عنه في الهوية، او الإنتماء، مقابل حفنة من المال الأسود، يأتي من يُجَيِّشهم بمنتهى البساطة، وهو-مايضع العقل في الكف-، تعلق سيدة عايشت أيضا مأساة الحرب والفقد.

يلي بيموت ماحدا بيسأل عنو:

“أم علي” أم لخمسة أبناء نزلت المسيرة مع حفيدتها، وبغاية السرور والثقة بالنفس، أكدت أنها منعت أولادها من مغادرة المنزل يوم الثلاثاء في 26 تشرين الثاني، أثناء التوتر ليلاً، أوصتهم بـ” يللي بيموت ماحدا بيسأل عنو، الحرب تافهة الله لايعيدها، بدنا نعيش وبس”**

كان التأثير الوجداني والكفاحي لتلك المسيرة كبيرا وشاملا عم كل المناطق والمدن اللبنانية التي ارتفعت فيها أصوات المعذبات والمتظاهرات اللواتي كادت أصواهن أن تقتحم السماء بهتافاتهن المنددة بالحرب وأمراء الحرب، والدعوة إلى العيش الآمن بعيداً عن السلاح والمتاريس، والحواجز بين المناطق والبيئات الاجتماعية.

إذ جابت شوارع طرابلس مسيرة نسائية بدعوة من سيدات طرابلس تضامناً مع نساء عين الرمانة والشياح، ورفضا كذلك لماجرى أيضاً في طرابلس من اشتباك في نفس يوم الثلاثاء، ما يوحي بمخطط إجرامي لتعميم منطق الحرب الاهلية على كل المناطق، حيث توقفت المسيرة في المكان الذي جرت فيه الاشتباكات، وقدمت المشاركات الورد الأبيض لعناصر الجيش اللبناني، رمز وحدة الدولة وضمان سير مؤسساتها وتماسك الشعب اللبناني، وتأكيدا لسلمية الحراك في طرابلس والتبرئة من أفعال ودسائس الأصابع الخفية الذي يحاول باستماتة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

وعلى نفس المسار كان لتلك المسيرة العظيمة أثر عظيم على باقي المواطنين من جمهور حزبي وغير حزبي، ومن كل الطوائف، مؤكدين على وحدة المصير والوجع، برسائل توعية وتهدئة، وضرورة توطيد علاقات لا تتأسس على العواطف والمشاعر وحسب، بل على المصالح والوشائج الاجتماعية،وضروة بناء الدولة، دولة المواطنية والقانون، ورفض الانقسام والنزوع الى ” الجيتوية” والانغلاق والفتنة واستعادة لغة المحاور السيئة الذكر.


*– من هتافات مسيرة النساء في عين الرمانة والشياح

**– من مقالة للصحفية إيلدا غصين – جريدة الأخبار28/11/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »