Search
Close this search box.

جحيم السوريين في صقيعهم العرسالي استغاثات وما من مجيب

جحيم السوريين في صقيعهم العرسالي استغاثات وما من مجيب

مروة ناصر

“ليس للسوريِّ إلا الريحَ تَسْكِنُهُ ويَسْكِنُها

وتُدْمِنَهُ، ويُدمنها، لينجو من

صفات الأرض والأشياء”*

مقدمة:

شاءت روابط الجغرافيا والتاريخ أن تكون مدينة عرسال اللبنانية، وتعني “عرش الله” بالآرامية، موئلاً لعشرات آلاف اللاجئين السوريين، بعد انفجار الأزمة السورية، لموقعها الجغرافي المحاذي لسورية، بخط حدودي على امتداد 50 كم، فضلاً عن الصلات الاجتماعية التي تربط العوائل المتصاهرة على ضفتي الحدود. عرسال التي تبعد عن بيروت أكثر من 100 كم وعن مدينة بعلبك نحو 40 كم ظلت في بؤرة الإهتمام الإعلامي من زوايا عديدة خلال السنوات المنصرمة، بدءاً من تدفق سيل المهجرين الذي فاق عدد سكانها وفق أغلب التقديرات وألقى عليها أعباء أمنية غير مسبوقة، مع تموضع جهات في المعارضة المسلحة السورية في وسطها السكاني، كبيئة حاضنة، مما استدعى النظر إليها بعين الخصوصية والحساسية الأمنية.

يوجد في عرسال قرابة 125مخيماً تضم نحو 35ألف لاجيء سوري.أول  تلك المخيمات مخيم البراء 1 الذي أنقل لكم من هذا الصوت.

استغاثة لاجئ:

بصوت مبحوح ومرتجف من البرد كانت استغاثة لاجئء سوري من قلب مخيم البراء1 في  عرسال المتشح ببياض ثلج قطبي زاد من معاناة آلاف اللاجئين الذين احتموا في خيم بلاستيكية لاتقيهم صقيع الشتاء:

“الطقس بارد جدا هنا والثلوج غزيرة، عواصف ثلجية شديدة، الخيام طمرت بالثلوج، حالنا في عرسال سيئة جداً. نحن هنا في مخيم البراء1، في عرسال، نناشد الله عز وجل ثم أخوتنا، أهلنا، أحبتنا، أصدقائنا، في كل دول العالم، ونناشد أهل الخير في كل دول العالم، أغيثونا، في مادة المازوت، لتدفئة أطفالنا، أنا عندي في المخيم 40 أرملة يربون أطفالهن، ياعالم الوضع سيء جداً، مازوت مافي، تغذية مافي،ثلاثة أرباع المهجرين تم قطع إعانات الأمم المتحدة عنهم– يقصد من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين- ، لم يعد لدينا ما يسمى “كرت” مازوت من الأمم( المفوضية)، الرجاء لكل من يسمع صوتي أناديكم يا أهل الخير، الجمعيات الخيرية أن تبادر بمد يد العون لنا” .

من خيم الأسمنت إلى خيم البلاستيك.. أين مسؤوليات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين:

يمر الشتاء التاسع على اللاجئين السوريين في عرسال بكل مخيماتها ببرده القارس. مع قدوم كل شتاء تتجدد الكارثة المناخية وتلقي بتكاليفها الباهظة، على هؤلاء الفقراء الذين تركهم العالم بأسره عراة أمام قسوة الطبيعة.

 الخيام محاصرة بالثلوج التي تراكمت إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام، مئات الخيم البلاستيكية التي يعيش فيها اللاجئون السوريون “بعد قرارمجلس الدفاع الأعلى اللبناني بهدم خيم “الاسمنت” في منتصف السنة الماضية 2019 والمقدرة ب1400 غرفة وفق أحد التقارير الصحفية** على خلفية مخاوف حكومية لبنانية من استقرار وبقاء اللاجئين السوريين في لبنان” واجهوا كل صنوف قسوة الطبيعة، لكن صقيع هذا العام تجاوز كل قسوة برد وصقيع السنوات السابقة، وقد باتوا يعيشون  ظروفا صعبة جدا في ظل ندرة وشح المواد التي يستخدمونها في التدفئة، والمقصود هنا بالطبع المحروقات، وتراجع التقدمات التي كانت تحملها إليهم جمعيات الإغاثة الأهلية، وانسحاب مفوضية اللاجئين عن تقديم الدعم المطلوب من ضمن واجباتها، وهي ترمي بالمسؤولية إلى الأزمة الاقتصادية – المالية التي تجتاح لبنان، علماً أن المفوضية في لبنان لا تتلقى الدعم من الدولة اللبنانية بل من مصادر دعم دولية وممولين عرب ودوليين، ذلك الدعم الذي شهد تراجعاً تدريجياً في تقدماتها الإغاثية في السنوات الثلاث المنصرمة.

في مخيم السلام2:

 بوادي الأرنب في عرسال يقع على منحدر صخري، ويضم نحو 100عائلة يتوزعون على 105 خيمة. السكون يخيم على المخيم، توحي الوهلة الأولى كأنه بلا سكان.  يعاني قاطنوه من سقوط الثلج كل عام “وكل سنة أسوأ من التي قبلها” – تعبر سيدة عن واقع الحال الذي انحدر إليه واقع المخيمات. لا أموال بحوزة اللاجئين المعدمين لتغطية أعبائهم الحياتية. صاحب الأرض التي شيدت فيها الخيم يريد آجار الأرض، تحت طائلة التهجير الجماعي التعسفي. معظم الأطفال مرضى، والمستشفيات المعنية باللاجئين تغص بالمرضى بوسائل علاج لا تفي بالمطلوب، وحيث لاأدوية، مساعدات الأمم المتحدة” المفوضية” تدنت فعلياً، الأطفال منقطعين عن الدراسة، قسم منهم توجه إلى سوق العمل بأبخس الأجور الممكنة، آخرون انسلوا إلى عالم التسول، أطفال بعمر الزهور يبيعون عبوات المياه والمحارم الورقية وباقات الورد في بيروت ومدن أخرى.

الشباب بما تبقى منهم في المخيمات أثناء العاصفة الثلجية، في انشغال دائم طوال اليوم لتوفير صيانة الخيم المتهالكة من قسوة الطبيعة بكل ماهو متاح من وسائل بدائية. 

داخل الخيم البلاستيكية، الحالة مزرية بسبب تسرب المياه والثلوج إلى داخلها. ينشغل الرجال طوال الوقت برفع منسوب الأتربة وتدعيم الخيم في محيطها، لمنع تسرب المياه.

لامدافئ بطبيعة تلك الحال القاسية داخل الخيم. يلجأ اللاجئون لاستخدام الإطارات المطاطية، والأخشاب بدلاً عن المازوت.

تراكم الثلوج مع انخفاض درجات الحرارة أدت إلى حصار اللاجئين الذين لم يعودوا قادرين على التوجه إلى أعمالهم لتأمين قوت يومهم وتوفير ما يمكن توفيره لشراء وسائل التدفئة، المخيم يبدو كسجن. هكذا وصف “عبدالله” الحال في مخيمه.

 أسئلة وشكوك موضوعية:

تشابك أزمات أوضاع اللاجئين في مخيمات عرسال، زادها سوءاً التضييق على حركة رجال المخيم بعد سحب البطاقات الأمنية، وقطع المساعدات من قبل مفوضية الأمم المتحدة. لاتكفي ال27 دولار المساعدة المالية للعوائل حتى  لشراء الخبز خلال شهر” كيف تضع المفوضية معاييرها  في تقدير الكوتا المالية أو العينية؟” مايراود الكثير من الشكوك في أوساط اللاجئين حول سرقة المخصصات المالية والعينية من قبل المفوضية في لبنان، التي صارت منظمة عمل من لا عمل له. يأمل لاجئون بحرقة قلب أن تقدم الدول دعمها المالي دون المرور بأقنية المفوضية” السامية” لضمان وصولها المباشر إلى المتضررين الحقيقيين.

هو صقيع الطبيعة في موسمها الشتوي التاسع على أزمة السوريين المفتوحة حتى الآن، وكم تبدو قسوة صقيع الطبيعة رغم صعوباتها على أوضاع اللاجئين محتملة، بالنظر إلى قسوة قلوب ورؤوس من خذلوا الشعب السوري عن دعمه ومؤازرته وانتشاله من البؤس ومصاعب اللجوء.

لسان حال اللاجئين في عرسال: انتقلنا من ويلات الحرب ومآسيها في ضفة (سورية) إلى شظف العيش في مخيمات اللجوء (لبنان) لم يتغير حالنا أبدا. لسنا قادرين على العودة إلى البلد، وبقاءنا هنا غير محتمل، وأبواب الهجرة إلى عوالم وبلدان أخرى أمست شبه مستحيلة.


*: تحوير من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش: ليس للكردي إلا الريح

**: نقلا عن موقع ” مهاجر نيوز”

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »