سلوى زكزك
الدستور: هو مجموعة من المبادئ والقيم الأساسية الموضوعة في وثيقة واحدة، وهو يضع أساس فصل السلطات في الدولة وينظمها بالإضافة إلى الحقوق والحريات والالتزامات التي يتمتع بها الأفراد في تلك الدولة.
يعرّف موريس دوفرجيه الدستور بأنه نص قانوني متفوق على كل النصوص الأخرى التي تنساق منه، ومنه تستقي صحتها. وبالتالي فإن نصوص الدستور ومبادئه تسمو على جميع النصوص والقواعد الأخرى في الدولة.
يضمن تأسيس حكم القانون والمساواة بين النساء والرجال واحترام حقوق الإنسان والكرامة وكيف تؤثر أحكام الدستور في الجندر، ويتبنى لغة متوافقة مع منظور الجندر وأحكاماً خاصة بالمساواة الجندرية. وعلى الرغم من اختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية، فإن الدستور المتوافق مع منظور الجندر يؤطَر بقواعد ومعايير تقوم على عالمية حقوق الإنسان للنساء والرجال معاً وعدم تجزئتها.
أولاً: الدستور المتوافق مع الجندر هو دستور ديمقراطي، لماذا وكيف؟
- لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية من دون دستور متوافق مع الجندر.
- يقوم الدستور المتوافق مع الجندر على السيادة الشعبية ويجب ضمان تمثيل النساء لأنهن من ضمن الشعب الذي ينطق الدستور باسمه.
- ينتج عن مشاركة المرأة على قدم المساواة في الحياة العامة حماية للحقوق على نحو أفضل وتطبيق للقانون على نحو أقوى.
- تسهّل مشاركة النساء على قدم المساواة في التحولات الديمقراطية.
ثانياً: الدستور المتوافق مع منظور الجندر يصحح التغييب التاريخي والاقتصادي للمرأة.
ثالثاً: الدستور المتوافق مع منظور الجندر يؤمن الأساس القانوني لتمكين المرأة.
رابعاً: الدستور المتوافق مع منظور الجندر يتناول مصالح المرأة المختلفة.
خامساً: الدستور المتوافق مع منظور الجندر هو التزام دولي من جانب الدول.
سادساً: الدستور المتوافق مع منظور الجندر ذو أهمية خاصة في سياقات ما بعد النزاع.
ولأن الدستور المتوافق مع الجندر يتناول مصالح المرأة المختلفة، فقد سعيت إلى التوسع في هذا العنوان لما فيه من تنوع وخصوصية في الوقت ذاته وسأحاول الإضاءة من خلاله على بعض القضايا أو الأفكار التي تعاني منها النساء السوريات بشكل خاص، والتي باتت عرضة للطرح والنقاش في جرأة غير مسبوقة، وفي خضم حاجة ماسة للإجابات عليها، إجاباتٌ تنتظرها السوريات اللواتي تغيرت وظائفهن الاجتماعية وطالت تحولات كثيرة واقع حيواتهن بعد النزاع الطويل الذي طال سوريا. تأثيرات متصلة مع البنية القديمة المتأصلة لكن السوريات يعلّن: أنه ربما حان الوقت للعبور اتجاهها وتفكيكها، لا بل تغييرها وينتظرن الأجوبة بكل الترقب والحماسة.
((هناك فئة أخرى من القضايا ذات الأثر المجندر وهي تشمل تلك الجوانب المتعلقة بدستور العائلة والزواج ودور المرأة الاجتماعي والاقتصادي، وعلى سبيل المثال الاعتراف بالعائلات غير التقليدية، أو العائلات القائمة بحكم الأمر الواقع أو القانون العرفي)). هل يمكن هنا مثلاً إيراد مثال آلاف حالات الزواج وخاصة في الأرياف غير المسجلة في قرى بأكملها، النساء ما زلن عازبات، عازبات وعلى قيد خانة الأهل؟ أبناء بدون تسجيل، عقود زواج غير مثبتة بالمحكمة، أو العائلات التي تزوج المسيحي بمسلمة فتم تسجيل الأبناء في خانة الأب وسجلت الزوجة كأم للأبناء فقط ولم يتم تسجيلها كزوجة لأن الرجل رفض إعلان إسلامه؟ أو الأبناء المسجلون على خانة عمومهم أو أخوالهم أو أجدادهم لتحاشي شرط تغيير الدين، أو ضرورة تسجيل الطفل على اسم أب وفي حدود خانة تنتمي لوالد الطفل (خارج الأرياف) وخاصة في المخيمات حيث تم تزويج الطفلات لأزواج عرب غادروا دون تثبيت الزواج ودون أية نيّة بالاعتراف بهذا الزواج وبأثاره مثل الإنجاب والرعاية والمسؤولية؟
وسؤال يتبادله السوريون والسوريات وإن بهمس وتكتم مطبقين: ماهي آفاق تسطير نص دستوري يعترف بالعائلات وحيدة الوالد كحالة الأمهات العازبات؟
كما أن الإشارة إلى الحقوق الجندرية ضمن العائلة وإعادة توزيعها بشكل ينتمي للشكل الجديد لبنية العائلة التي تخلو من الرجال أو الأبناء، أو استجابة للتغييرات الحادة التي طرأت على بنية العائلة إعالة ونسباً ومهاماً، والاعتراف بالنساء كربّات للأسرة، هذه المهمة المنوطة منطقياً بالوالدين وليس بالأم وحدها كما جرت عليه العادات والأعراف والبنى الثقافية والدينية، إضافة إلى تحديد قيمة العمل المنزلي وفتح باب التبني حتى للنساء العازبات، خاصة بعد زيادة عدد الأطفال الذين بلا أهل أو مشردين. وتبدو المعضلة الأكبر في تعريف العنف الواقع على أساس النوع الاجتماعي، لا لمجرد تعريفه، بل لوضع سياسات ونصوص رادعة ومعاقبة لكافة المرتكبين، هل يمكن ضمان الحماية من العنف ضد المرأة وضمان حق الوصول إلى معلومات الصحة الإنجابية والجنسية؟
وهنا تجدر الإشارة إلى جريمة الاغتصاب الزوجي غير المعترف بها كانتهاك وغير المشار لها كفعل عنفي يحتاج للعقاب عليه والحماية منه. علماً أن الأمم المتحدة اعتبرته مثل مرض السرطان، لأنه سبب جوهري للوفاة والعجز للنساء في سن الإنجاب ويقتل أكثر من حوادث السير والملاريا.
ولقد اعتبر تقرير للأمم المتحدة أن المنزل هو أحد أخطر الأماكن بالنسبة للمرأة علماً أن نحو خمسون دولة تجرم الاغتصاب الزوجي، وليس بينها أية دولة عربية تجرم قوانينها الاغتصاب الزوجي الذي يعتبر شرعياً بسبب عدم تجريمه أولاً وبسبب سوء تبرير النصوص الدينية له واعتبار الجنس حقاً شرعياً للزوج يحق له المطالبة به في أي وقت. وبسبب نقص الوعي الجنسي والحقوقي تلتزم النساء بالجنس وكأنه واجب أو كأنه اختزال للزواج برمته، مع الإشارة إلى أن 35 % من نساء العالم تتعرض لاعتداء جسدي أو جنسي من الشريك الحميم.
إنّ الحق في العلاقات الشخصية ونوعية الحياة هو حق مصان للنساء والرجال معاً، فهل يمكن أن تستقل النساء في بيوت خاصة دونما زواج حتى لو كان لديهن عائلة كبيرة من أم وأب وأخوة؟ هل من الممكن تقبّل المساكنة أو اعتبارها من قائمة الحقوق الفردية الخاصة بالعلاقات الشخصية للنساء وللرجال واختيار نوعية الحياة؟
تتشابك القضايا والمسائل التي تطلب السوريات إجابات عليها، ويبدو الحق في الميراث حلقة أساسية في سلسلة انتهاكات تدعى قانون الأحوال الشخصية، والتي تتضافر رغبات السوريات بالخلاص منه أو تعديله بصورة عادلة، مع النتائج الكارثية الواقعة عليهن بسبب سطوته القانونية وماضويته القاطعة وتفرده في كونه مرجعية وحيدة لتنظيم حيوات السوريات والسوريين فيما يخص الأحوال الشخصية، تتحكم بالنساء وتعطّل فرص تمتعهن بالمساواة التي يفترضها ويسعى إليها هذا الدستور المنشود والمتوافق مع منظور الجندر.
المرجع: دليل من أجل عملية جندرة للدستور – (المبادرة النسوية الأورو متوسطية)