[vc_row][vc_column][vc_message message_box_style=”3d” message_box_color=”alert-warning” icon_fontawesome=”fa fa-exclamation-triangle”]
(المقال يعبّر عن رأي الكاتبة)
[/vc_message][/vc_column][/vc_row][vc_row][vc_column][vc_column_text]
رولا إبراهيم – خاص بشبكة المرأة السورية
“حين تعود عشتار يكتمل العالم” هكذا تقول الأسطورة، لكن حين عادت عشتار في دمشق على شكل منحوتة على شجرة، أثارت حفيظة الشارع السوري والعالم الافتراضي على حد سواء. حيث انقسم الشارع بين رمزية عشتار-الالهة، والمرأة-العورة المثيرة للغرائز.
إذا ما تتبعنا التاريخ القديم نرى أنَّ التحوّل التاريخي هائل في النظرة لمكانة المرأة من الآلهة – الأنثى إلى المرأة الناقصة عقل ودين، ونرى التضليل بحق طبيعتها الأنثوية والتقليل من أهميتها الانسانية، وتكريس النظرة الدونية لها، من ربة الخَلق والخصوبة والجمال، إلى المرأة الحاملة للخطيئة التي تخجل بحيضها، هذا التحوّل شوّه اﻟﻌﻼﻗﺔ بين اﻟﺠﻨﺴين، فجعل المجتمع يبرر استقواء الرجل إلى حدِّ العنف والقتل بحق النساء حتى وقتنا الحالي!
تروي لنا الأساطير القديمة أن الزراعة أفرزت ديانة الخصب التي تستند إلى عبادة الآلهة الأنثى. فحينما كان الرجل يهتم بصيد الطرائد وجمع القوت، كانت المرأة الملازمة لأبنائها تجمع الحبوب، فتوصّلت إلى تكثيرها عن طريق دفنها في الأرض من أجل تخزينها حيث أثمرت كميات مضاعفة، وهكذا اكتشفت المرأة الزراعة. لم يكن الرجل آنذاك يعرف دوره البيولوجي في الإنجاب، وهذا ما أضاف قيمة عظيمة للانثى القادرة على الخلق.
هكذا أصبحت القداسة تُحيط بالمرأة، ولأن الإنسان ربط بين المرأة والأرض، نراه قد رمّز القوة الإخصابية في الكون بالدُّمى الطّينية المصنوعة على شكل إمرأة.
أما الرجل أثناء سعيه لتطوير أسلحة الصيد، ففقد اكتشف المعادن، مما أحدث تغييرات في العلاقات الاجتماعية فظهرت مُفردات دينية جديدة كثيرة، وحلّت المدينة محل القرية، وظهرت الحِرَف والعمارة والتجارة، وشهدت الأديان تغيّراً مهمّاً حيث بدأت العقيدة الدينية تزحزح دور المرأة المركزي مع ظهور الإله – الأب، والإله -الابن بجوار الآلهة الأم.
لقد بدأ المشهد بالتغيّر تماماً، وكأن اكتشاف المعادن ومعرفة دور الرجل في الإنجاب كان مفتاحاً لقلب الحدث، فأصبح الأساس الاجتماعي الجديد مغايراً لما كان عليه سابقاً، فإذا كانت الأم مركز الأسرة فالرجل الآن هو المركز، والثروة “فائض الإنتاج” التي يملكها الرجل يجب توريثها للأبناء الشرعيين الذين ينسبون للأب بعد أن كانوا ينسبون للأم لذلك وجب احتكار الزوجة، ونشأت الحاجة الى تأطير اجتماعي جديد قوامه القبيلة أو الجماعة المُنحدرة من أب واحد، “السلالة” وأصبح الرجل زعيم القبيلة بالإضافة إلى كونه “ربّ” الأسرة الأول، وهي “ربّة المنزل”. استبدل الكون الفسيح بمنزل صغير لتكون ربته!
بعد احتفالات التقرب من الآلهة بالجنس المقدس استُبدِلَت كاهنات المعابد بكهنة ذكور، وبدلاً من طقوس الجنس المشاع حلّت طقوس التّحريم الجنسي، وكان امتناع الكهنة الذكور عن ممارسة الجنس في المعابد شرطاً وواجباً امتدَّ ليشمل حياتهم خارج المعابد أيضاً، ووصلوا إلى حد إقامة شرط بتر العضو الذكري في طقوس إحتفالية دينية ثم استبدل “لصعوبته” بالختان.
نرى اليوم تقليد الختان مستمراً عند اليهودية والإسلامية مع السماح للحاخامات والمشايخ بالزواج وممارسة الجنس. لكنه غير موجود عند أتباع المسيحية – سليلة ديانات الخصب الوثنية الأنثوية والحرية الجنسية – حيث أن رُهبان وخوارنة أغلب المذاهب والطوائف المسيحية ممنوع عليهم الزواج حتى يكونوا منذورين لخدمة الكنيسة. فأخذت أماكن العبادة شكلا هندسياً ذكورياً، وتحدّدت العلاقات الجنسية في المُجتمعات ضمن مؤسّسة الزواج، وأقيمت عقوبات صارمة لمُمارسي الجنس خارج هذه المؤسسة تجنباً لغضب الآلهة أو الإله. هذه العقوبات تصل الى القتل باسم “الشرف” في مجتمعاتنا الحديثة.
إذن مع وجود الملكية والتملك وحسب المرحلة التاريخية تحددت وظيفة المرأة: ففي مرحلة العبودية كان الرجل سيداً وهي العبدة، وفي المرحلة الاقطاعية كانت خادمة ومحظيّة وجارية، ثم مع الازدهار الاقتصادي في الرأسمالية، أصبح من الممكن أن تظهر عارية لكن كسلعة وموديل وخليلة، وأداة للترويج الاستهلاكي.
هكذا نرى أن هناك اختلافاً في طرق وشكل استعباد المرأة من خلال توظيف دورها الاجتماعي بطريقة جندرية حسب تراتبية المجتمع الطبقي.
لابدَّ أن هذا أعاق تقدم البشرية، فالرجل والمرأة كجناحي الطائر لن تتوازن الأسرة والمجتمع بدونهما وتنطلق إلى الأفضل.
“حين تعود عشتار” قصيدة من الميثيولوجيا السومرية آمل ان تكون كالنبوءة في عودة علاقة الرجل والمرأة بنديّة وجمال:
فلتزهر كل ورود الدنيا… ولنثمل بأساور صُنعت من موج البحر
عشتار والبعل عادوا… ها هي ألوانهم في كل حقل ترقص
فليأتي النور من نارها…. ولتبارك مياهها كل طوفان
جذور السماء تتدلّى اليوم من علىً…
تغنّي أريج البّخور الهارب من قلوب الأشجار العتيقة
تنصر الحبّ على الفناء.. وتعلن الحياة هديّة
تضع كل نبضات الكون في قلوبنا الصغيرة
ترفع للأرض صلاة أزلية… ترنّم بعشق
الإنسان…. أكثر من تراب أكثر من تراب
حين تعود عشتار، يكتمل العالم
[/vc_column_text][/vc_column][/vc_row]