المحامية رهادة عبدوش
بعد تعديل قانون جريمة الشرف المجحف بحق النساء في سورية عام 2008، بقيت المادة 548 ذريعة لقتل الأخت أو الزوجة أو الأصول والفروع (أم، بنت، حفيدة، جدّة) في حال كنّ من المتمرّدات، أو المطالبات بحقوقهن في الإرث، أو اللواتي يمارسن حقّهن كالذكور في علاقاتهن الاجتماعية أو الجنسية، أو حقهنّ في الاختيار للزوج أو العمل أو تقرير المصير.
فالمجتمع يريد من المرأة أن تكون كما في النظام الإقطاعي عندما صيغت هذه المادّة في فرنسا في العهود الإقطاعية جزءاً من ملكية العائلة الذكورية (وضمنها بعض نساء العائلة).
لكن عندما أُلغيت هذه المادة في فرنسا من أكثر من مئة عام، أدارت سورية أذنها عن هذا التطوّر القانوني فلم يغيّر المشرعيّن تلك المادة القاتلة بل أبقوا عليها لتتماشى مع باقي القوانين التمييزية في القوانين السورية (قانون الأحوال الشخصية، الجنسية، العقوبات) منذ عقود طويلة إلى يومنا هذا.
وتمسّك رجال الدين بها بالرغم من أنها من القوانين الوضعية ودافعوا عنها طيلة عقود متضامنين مع رغبة المجتمع الذكوري والعادات التقاليد، وحتى ضمن مطالبات الإلغاء والحملات التي بدأت في سورية منذ 2005 مع مرصد نساء سورية وبالتعاون مع تجمّع سوريات وبقبول حكومي ممثلاً بهيئة شؤون الأسرة فيما بعد، كان الدين والعادات والتقاليد وشرف الأمة كلّهم بالمرصاد.
ف”كيف نقبل أن تسير نسائنا في الشوارع وتقيم الجنس مع الرجال” هذا قول لأحد أعضاء مجلس الشعب أثناء الملتقى الوطني لتعديل قانون جرائم الشرف عام!!
ما أبقى على الفقرة الثانية من المادة القاتلة للنساء والتي تقول: “يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل”
عقلية مجتمع ناصرها القضاة:
كما هو معروف في الجرائم تحال الجريمة إلى قاضي التحقيق ومن ثمّ إلى المحكمة المختصّة وهي الجنايات في حالتنا ومن ثمّ يدرسها قاضي محكمة الجنايات الذي يطلق الحكم النهائي ويحيل الجريمة إلى المادة 548 فيصنفها على أنها جريمة شرف وبالتالي تسقط عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام عن القاتل ليعاقب بالسجن سنتين بعد التعاون مع الأهل والمحامين.
فكيف يمكن أن يعاقب قاتل بالسجن سنتين فقط وتعتبر الجريمة دفاع عن الشرف إن كانت لا تطبّق الشروط الواردة في المادة القانونية وهي عنصر المفاجأة والزنا المشهود أو علاقة فاحشة واضحة للعيان ودون تعمّد أي دون تخطيط ومعرفة مسبقة وهذا يظهر من السلاح المستخدم وطريقة ارتكاب الجريمة.
من المعروف أن أخوها ل زهرة عزو بعد مصالحة الأهل لابنتهم وقدوم أخوها للمباركة لها في بيتها بعد زواجها ذبحها عن عمد وتخطيط عائلي، يخرج من السجن بعد أقل من عام لأنّ جريمته كيّفت على أنها جريمة شرف؟!!
تلك الجريمة التي أصبحت ذكرى لإدانة جرائم الشرف من كل عام بعد جرائم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى ارتكبت باسم الشرف الذي ارتبط بالمرأة بدل أن يرتبط بالأخلاق.
اعتراض مع الدستور والمواثيق الدولية:
المادتان (548) و(192) تخالفان أحكاما أساسيةً في الدستور وتهدّدان الوحدة الوطنية وتقوضا مبدأ دولة المؤسسات ولا تستندا إلى أصلٍ شرعيّ فيجب أن يكون القانون أداة تعبير عن إرادة الأمة المجسّدة للعقد الاجتماعي الذي ارتضى فيه الأفراد إسناد سلطة التجريم والعقاب إلى الدولة من خلال القضاء كطريق واحد وحصري.
فالسلطة صاحبة العقاب هي الدولة ويجب ألا تتخلى لصالح الأفراد عن هذا الحق وهذا يؤكده العلماء في القوانين الدستورية ويؤكدونه من خلال طروحاتهم الدائمة في المطالبة بإلغاء القوانين المنافية للاتفاقيات الدولية والمواثيق التي وضعها المجتمع الدولي، والتي صادقت عليها سورية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وقد أكد الدستور السوري لعام 2012 في المادة التاسعة عشرة واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد.
وأكد في باقي المواد على واجب الدولة في توفير جميع الفرص للمرأة والتي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع.
وكفل الدستور في المادة الثالثة والثلاثون الحرية التي اعتبرها حق مقدس مؤكداً أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.
لكن بوجود هذه المواد التمييزية تناقض صارخ للدستور وللاتفاقيات الدولية بشكل واضح لذلك يجب إلغاء هذه القوانين وليس تعديلها وهذا القانون الذي يبيح قتل النساء ما هو إلا نسيج متكامل مع قوانين تمييزية تبدأ من قوانين الأحوال الشخصية التي تضع النساء في مرتبة ثانية وتميّز على أساس الجنس لنصل إلى مساواة المرأة مع الرجل مساواة حقيقية أمام القانون وضمنه.
خاص بشبكة المرأة السورية