Search
Close this search box.

جرائم قتل النساء – مختومة بالشمع الأحمر!

جرائم قتل النساء – مختومة بالشمع الأحمر!

سلوى زكزك

في قلب دمشق، وفي المسافة الواقعة ما بين باب شرقي وحيي الطبالة والدويلعة، وعلى الجهة اليسارية للطريق، باب أسود معدني زينت أطرافه بدهان ذهبي اللون، اقتحمه مساء الأمس جنزير حلقاته المعدنية الواسعة تضم بينها ورقة مختومة بالشمع الأحمر مكتوب عليها منزل المغدورة (س .ب)، والمارة يبدون قريبين جداً من البيت وسكانه، يتوقفون أمامه، يدققون في الجنزير وفي الختم الشمعي الأحمر وفي اسم المغدورة التي يعرفونها جيداً ويعرفون أهلها وقاتلها، لقد بات الختم جزءاً رئيسياً من باب البيت وجدرانه وحكاية ملتصقة بالبيت وسكانه وبسكان الحيين وبكل البشر العابرين.

إنها ليست حكاية للتداول ولا لإفساح المجال واسعاً أمام خيال السرد والتأليف والمبالغة والتشويق، إنها جريمة قتل معلنة وغير قابلة للإدانة ولا للتعاطف! كيف إذن هي الحقيقة حين تقترن بلا تعاطف وبلا إدانة؟

جاء القاتل ليمثل الجريمة، اصطف جمهور الحي والجيران والفضوليين ليتابعوا الجريمة التي تكرر أمام عيونهم، اقتربت عمته منه وقالت: (ليش هيك عملت بحالك يا أمجد؟)، نعم تحول أمجد من طالب جامعي، شاب محبوب من رفاقه ومن أهله ويعمل في تمديد الكهرباء إضافة إلى دراسته، تحول إلى قاتل!! لم تقل له العمة كيف لقلبك أن يتحمل قتلك لأختك التي تحبها وتعيشان معا؟ لم تقل له القتل جريمة، والقاتل مجرم، والقانون سيعاقبه بأقسى العقوبات، لم تقل له من سيعيد أختك إلى الحياة؟ وبأي حق نصبت نفسك قاضياً لتقرر قتلها.

عادة لا يتوجب على أهل المرأة المقتولة تقديم أي تبرير للمجتمع، هم مالكو جسدها وهي رمزية شرفهم العائلي وما لوثه العار يجب غسله وغسل عار العائلة، والقتل هو الأسلوب الوحيد لغسل العار.

في زحمة الصمت تضيع صور الضحايا وأسماؤهن، لا ضرورة للتذكير ولا ضرورة لحفظ الأسماء والصور وتسجيلها وحفظها في ملفات يتوجب تقديمها كأدلة على جرائم ترتكب بتوافق عائلي وبتخاذل قانوي وبتواطؤ مجتمعي.

في كل جريمة قتل لامرأة، تتداعى كل القصص القديمة، من كل مكان قصة، ولكل قصة سبب مخفي وهو الحقيقي وسبب معلن وهو المبرر لاقتراف جريمة القتل، إصبعي عابت وقطعتها!! والإصبع التي عابت هي جسد مستقل لطفلة في الخامسة عشرة من عمرها اغتصبها والدها واستمر باغتصابه لها شهوراً سبعة، إلى أن ظهرت علامات الحمل واتخذ القرار العائلي بقتلها، ليلاً داهمت الأم غرفة الطفلة، خنقتها بوسادة نومها وفي الصباح بدأت بالعويل، شيعت الطفلة والعيون تبكي، حتى الأب بكى، هل بكى لأنه فقد جسداً غضاً يمارس شذوذه الجنسي والعاطفي عليه؟ أم ليقنع الجميع بأنه حزين على فراق الابنة الطفلة؟ وحدها الابنة الأصغر لم تبكِ، جلست تفكر هل ستكون الطريدة التالية لوالدها الوحش؟ تحزم بضعة قطع من الملابس وتهرب من البيت وحتى الساعة لا أحد يعرف مكانها ومصيرها.

عندما عادت سليمة من المدينة حيث قامت برفع دعوى على أخيها الذي يحاول فرض قراره عليها بوجوب تنازلها عن حقها بإرث والدها صدر قراره بقتلها، الأب كان على فراش الاحتضار والأراضي واسعة ولسليمة حصة تعادل دونمين كاملين من أرض مزروعة، وأعلنت أنها لن تتنازل عن حقها أبداً، وتوافق إصرارها على حقها بملكية والدها بتمنّع الأب عن كتابة كل أملاكه لابنه الرجل، وعندما سمع الأبن بأن سليمة ذهبت إلى المحكمة ورفعت شكوى مضمونها تعرضها للضغط المتكرر من قبل أمها وأخيها للتنازل عن حقوقها وبأن أخاها يحاول أن يبصّم والده على ورقة تقضي ببيع قطعي من قبل الأب لكل أملاكه لابنه الوحيد، قرر قتلها بسمّ القوارض الذي خلطه بطعامها ورغماً من الألم الحاد وهو يأكل أحشاءها، ورجائها الحار لوالدتها لنقلها إلى المشفى أو إحضار طبيب لإسعافهاـ إلا أنها ماتت وعيون الجميع تنتظر موتها .

هي جرائم قتل النساء، تنفذ بقرار عائلي غالباً وإن كان منفرداً أحياناً، لكن التعاطف العائلي يمنحه بعداً تضامنياً لا بل ثناءً وتشجيعاً قيمياً، كأن نقول بأنه القاتل رجل حر وشريف وبطل.

أذكر ذات يوم كيف روى لنا سائق التكسي تفاصيل جريمة قتله لزوجته وكأنه يروي قصة بطولة مجيدة، كان يقصّها علينا وعيونه تنتظر الثناء وأن نقول له بأنه بطل مغوار وشريف وحر، قاتل يطلب المجد من أوسع أبوابه! لماذا؟ لأنه قتل زوجته بعد أن خطط لجريمته بتعقل المجرمين وخبثهم، وضع ابنته الوحيدة لدى جدتها في القريةـ و بعد يومين قال لزوجته متعللاً بشوقه الحار لابنته بأنه سيذهب للقرية لإحضار ابنته، وبالفعل غادر أمام الجيران وفي يده حقيبة سفر صغيرة وكيس من الكعك، وفور مغادرته المنزل اتصل بصديقه الذي كان يشك بعلاقة ما بينه وبين زوجته طالباً منه الحضور إلى منزله ليساعده في إصلاح الغسالة، بعد ساعة عاد وفتح الباب وعاجل زوجته بإطلاق النار عليها وبدأ يصرخ “يا خاينة”! بعد أن قام بربط صديقه بالكرسي البلاستيكي الجالس عليه. ومناداة كل الجيران ليكونوا شهوداً.

تكمن خطورة جرائم قتل النساء الاكتفاء بروايتها، وبوضع تفاصيلها موضع شكوك لصالح القاتل تماماً مثل قصة قتل سائق التكسي لزوجته، إذ تبدو أركان الجريمة متكاملة التبرير مع نص قانوني يقول من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه، ومن الضروري هنا ذكر أن القاتل شرطي بالأمن الجنائي أي أنه يعرف مداخل القانون وثغراته، التي هي في الحقيقة ليست ثغرات، وإنما تجاوزات مخالفة لمبدأ القانون ورحه ومقصده ومشاركة بالجريمة ذاتها.

إن إلغاء العذر المخفف والتعامل مع جرائم قتل النساء كجريمة قتل عن سابق الترصد، تستوجب العقاب الأشد خاصة لأنها تفتك بالطرف الأضعف والأقرب وهو النساء! وأي نساء؟ نساء العائلة نفسها.

خاص بشبكة المرأة السورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »