سلمى الدمشقي
لم تمض على خروج المظاهرات في لبنان الأيام الأربعة وامتدادها على كافة المناطق اللبنانية وتسميتها ثورة إلا وبدأ السجال والخلاف على صفحات التواصل السورية ومقارنتها بالثورة السورية.
بعض السوريين يقولون إنها ليست ثورة وهي لا تعدو سوى مجرد مسيرات احتفالية في الشوارع تحمل بعض المطالب الاقتصادية لتحسين شروط العيش التي هي أصلاً جيدة، ويؤكدون كلامهم بصور بعض الفنانات والفتيات الجميلات وحفلات الشواء وبسطات الذرة.
يقول قتيبة الياسين تعليقاً على هذه المظاهر: “يعني تطلعوا مظاهرات أنا معكن، تسقطوا النظام بغض النظر عن أي نظام بشد عأيدكن، تقلدوا أغاني القاشوش وشعاراتنا عادي، بس تسموها ثورة كتير مبهبطة عليكن”.
تقول الناشطة خولة دنيا مدافعة عن هذه المظاهر: “يستفزني ما يتم تداوله من البعض في سخرية لاذعة على انتفاضة اللبنانيين متداولين فيديوهات مصورة لشباب ونساء مختلفين عن السائد وكأننا لحقنا ننسى أن الثورة ثورات والشعب أي شعب ليس مكوناً واحداً قد نجتمع على مطالب عامة ولكن نختلف على مطالبنا الخاصة”. وتكمل دنيا: “نعم الثورة بالنسبة للبعض في مفهومها الضيق ليست من اجل الديمقراطية والحريات للجميع قد تكون ثورة للحرية الشخصية لكي نعيش ما نريد وبالطريقة التي نريد دون قمع وخوف من الآخرين ولكن في نفس الوقت نجد هذه المجموعات كلها تنزل سوية إلى الشارع فلكل منها ما ينقصها وما يقمعها وما تريد تغييره إن على صعيد الخدمات التي يفترض أن تقدمها الدولة حين تصبح الدولة دولة وراعية لجميع مواطنيها وليست معبرة عن مصالح الفئة الحاكمة أو على صعيد تغيير القوانين التي تظلمها أو من أجل أن تظهر وجودها للعلن بعد أن كانت تعاني من القمع المجتمعي ولا دولة تحميها”.
البعض الآخر يصر على أنها ثورة كونها أسقطت مفهوم الطائفية كمصير أبدي للبلد وانتشار المظاهرات في مناطق لا تقتصر على لون طائفي واحد والحضور الفاعل جداً للنساء والشباب يؤكد على جدية الغضب. يؤكد الناشط دارا العبد الله: “على أنها ثورة حقيقية وجذرية لأن الخط السياسي الأحمر والهالة المقدسة أي حزب الله وأمينه العام قد تم تجاوزه أيضاً، حزب الله تحول في الثورة اللبنانية من حزب مقدس فوق السياسة ومتعالي عن الواقع المحلي الى جزء دنيوي من البنية القائمة”. ويستشهد أصحاب هذا الموقف بالشعار الذي انتشر في كل المظاهرات تقريباً: “كلن يعني كلن نصر الله واحد منهن”.
قسم آخر من السوريين يقارن بين الثورتين ويعتبر أن انتفاضة لبنان هي الثورة الحقيقية كونها تخلو من المظاهر الإسلامية الواضحة كالخروج من المساجد، ويشير للتواجد الكثيف للفتيات الجميلات وبعض صور القبلات والعرس والمظاهر الاحتفالية، حيث يقارن فارس الشهابي رئيس غرف الصناعة السورية بين الثورتين ببوست يقول به: “يعني هدون متظاهرين والزومبي الفورجية يلي طلعوا عنا عام 2011 متظاهرين”، وينهي بوسته بشتائم على ثوار سوريا.
البعض الآخر يعيد نشر صور مظاهرات 2011 مثل عرائس دمشق ومظاهرات داريا التي حمل بها المتظاهرين الورود ولافتات كفر نبل وكرتونات دير الزور وحيطان سراقب ويؤكد على أن الثورة السورية بدأت مثل شقيقتها اللبنانية وكانت النساء عنصراً أساسياً بها.
يقول اسلام أبو شكير في بوست له: “الفارق الوحيد بين ثورتنا وباقي الثورات أن كل الثورات الأخرى قامت داخل دول تحكمها مؤسسات عسكرية ومدنية وقضائية وشعبية مهما كانت هشة أو صورية، في حين أن الثورة السورية قامت داخل كيان لا علاقة له بمفهوم الدولة كيان تحكمه قوى أقرب في طبيعتها إلى التنظيمات السرية المغلقة المهووسة بالتسلط بمعناه الباطش الذي لا يقيم اعتباراً لأي قيمة أو مبدأ وطني أو أخلاقي ويتابع قائلاً لذلك لم يتردد النظام في أن يستدرج الثورة إلى مستنقع الحرب، الخيار الوحيد أمامه للنجاة من المصير البائس الذي ينتظره وذلك عبر وسائل لا يتقنها سوى قطاع الطرق”.
والواقع أنه لا يمكن المقارنة بين المظاهرات في ثورات الشعوب ولكن يمكن المقارنة بين الأنظمة، المظاهرات السلمية في الأشهر الأولى للثورة في سوريا لم تستطع الاستمرار والتمدد لأسباب عديدة ومعروفة من الجميع، أهمها دخول الجيش ومنذ اللحظات الأولى للثورة لقمع المظاهرات وجميعنا لن ننسى منظر الدبابات في الشوارع، والحواجز التي قسمت البلدات والطرقات، والمدافع في قاسيون، والطائرات المحملة بالبراميل، بالإضافة الى إعطاء الضوء الأخضر ومنذ اللحظات الأولى لكافة الفروع الأمنية لممارسة القمع والاعتقال التعسفي بحق المتظاهرين، لذلك أطلق لقب المظاهرات الطيارة على المظاهرات حينها، حيث لم تستطع أكثر المظاهرات أن تستمر أكثر من دقائق معدودة قبل الفرار حين وصول قوات الامن، وأغلب المتظاهرين نساء ورجال كانوا يغطون وجوههم بأغطية الرأس لتمويه الوجوه حتى لا يتعرف عليها رجال الامن، ورغم العنف والبطش كانت هناك مظاهرات جميلة جداً بشعاراتها وأغانيها وكانت هناك محاولات ناجحة لبث أغاني الثورة من سبيكرات مركبة سابقاً وتلوين لمياه الساحات وإضاءة لقاسيون بأشعة الليزر وكرات البينغ بونغ المكتوب عليها حرية نزلت من جادات المهاجرين وورود كرتون ملون وزرعت على البيوت لتشجيع الناس على المشاركة وأوراق وضعت على السيارات بشوارع دمشق الأساسية كتب عليها أسماء المعتقلين وعلم الثورة الذي علق على أكثر من جسر وساحة في دمشق وكلها كانت تجارب ومحاولات لشباب وصبايا محفوفة بالمخاطر التي قد تصل إلى الموت تحت التعذيب. ولاحقاً حين أصبحت المظاهرات محميه بالسلاح ظهرت أغاني القاشوش في حماة والساروت في حمص وغيرهما من أغاني وأنشودات الثورة في كل المدن والبلدات السورية.
أما تحول الثورة السلمية والمدنية إلى إسلامية وسيطرة الفصائل المسلحة الإسلامية عليها ولاحقاً النصرة وداعش فهذا كله له أسبابه التي أصبحت واضحة لدى الجميع .
وبكل الأحوال أي ثورة في المنطقة العربية هي نجاح لكافة الشعوب العربية التي تحلم بالحرية والديمقراطية واسقاط النظام الطائفي في لبنان سيكون له منعكسه الإيجابي على الوضع بسوريا وجميع السوريون على اختلاف انتماءاتهم يتابعون لحظة بلحظة مجريات الأحداث في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى، ولا بد من الإشارة إلى أن عدد المتظاهرين اللبنانيين بالثورة يوم الأحد 20/11/2019 حسب مراقبين بلغ مليون وسبعمائة مواطن مما يشكل نسبة 40% من السكان وهي أعلى نسبة مشاركة في كل ثورات الربيع العربي وسنتابع مع اللبنانيين الدعوات التي تطلق الآن للعصيان المدني متمنين لهم السلامة وتحقيق مطالبهم واسقاط النظام الطائفي .
خاص “شبكة المرأة السورية”